تحميل الناس تبعات فشل السلطة
بقلم: د. فواز فرحان*رغم وجود الكثير من الانتقادات على الأنظمة الديمقراطية البرجوازية -حيث يتم تداول السلطة في حدود الطبقة البرجوازية فقط- إلا أن هناك هامشاً لا يستهان به يسمح للناس بمحاسبة حكوماتهم في حال فشلها. بينما في الكويت حيث دولة المشيخة ذات الثوب (الدستوري) لا توجد محاسبة جدية وحقيقية لمسلسل فشل الإدارة الحكومية الطويل والممل، فمجلس الأمة يكاد ينحصر دوره في المشاركة بالتشريع فقط، وأقصى عقوبة قد تطال كبار المسؤولين هي الراحة على مقاعد التقاعد الوثيرة من غير إرجاع الحقوق لأصحابها ومن غير وضع حلول جذرية للمشاكل والأزمات التي تعصف بالبلد.
أزمة ميزانية الدولة التي تطل برأسها على الكويت بسبب الهبوط المتزايد لأسعار النفط لا تعود فقط إلى الوضع الإقليمي المشتعل بالثورات والثورات المضادة أو إلى الوضع العالمي الذي تتنافس فيه القوى الرأسمالية الكبرى فقط، بل تعود إيضاً للطبيعة الريعية لاقتصاد الدولة والمتمثلة ببيع النفط وعدم وجود اقتصاد انتاجي حقيقي، وفوق ذلك كله التبعية للشركات الرأسمالية العالمية. نحن أمام أزمة جدية ربما تجلب الكوارث للطبقات العاملة والفئات الشعبية ومحدودة الدخل، ليس بسبب الأزمة بحد ذاتها بل بسبب السياسات الحكومية المزمع اتخاذها أيضاً. المصيبة الكبرى ألا أحد يستطيع محاسبة الإدارة الحكومية على كل هذا؛ بدءاً بعدم وجود اقتصاد انتاجي ومصادر متنوعة لدخل الدولة وانتهاءً بتحميل الناس تبعات عجز الميزانية القادم لا محالة!
السياسات النيوليبرالية للبنك وصندوق النقد الدوليين جرّت الويلات على الشعوب لأن حلولها تتمحور حول إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص و رفع الدعوم عن معيشة الناس، حتى الدول المتطورة سياسياً والناضجة اقتصادياً بدأت تعيد النظر بهذه السياسات لعدم إنسانيتها وضررها المباشر على الطبقات العاملة والفئات الشعبية ومحدودة الدخل، بينما الإدارة الحكومية الكويتية اليوم تقرر تطبيق هذه السياسات! هناك اتجاه واضح لتصفية القطاعين العام والتعاوني وبيعهما -تنفيعياً- على الأطراف المتنفذة في الحلف الطبقي المسيطر، وهناك اتجاه للمساس مباشرة بمكتسبات الناس وبرواتبهم وعلاواتهم وزياداتهم تحت شعار (إنقاذ الدولة من عجز الميزانية) بينما الفساد ينخر عظم مختلف مفاصل الدولة و وزاراتها. بدل أن يتم ترقيع أزمة الميزانية باسترجاع أموال الدولة المنهوبة والمقدرة بالمليارات سيتم ترقيعها عبر التضييق على الناس برفع أسعار الوقود ورفع الدعم عن السلع الغذائية، وكل ذلك تحت تطبيل النخب البرجوازية المستفيدة من هذا الوضع.
على القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في البلد التصدي لهذه الهجمة السلطوية على معيشة الناس؛ هذه الهجمة التي تعتبر هروباً إلى الأمام من فشل الإدارة الحكومية الذريع. نعم نحن مع اكتمال النظام البرلماني الديمقراطي في ظل وجود الأحزاب ونظام انتخابي عادل، ولكن هذا يعتبر هدفاً استراتيجياً لا يجوز رفعه كشعار يبرئ ذمتنا السياسية فقط بينما لا نتحرك للتصدي للمشاكل اليومية التي تعصف بالناس. نحن ركبنا رحلة سفينة الإصلاح والتغيير السياسي ونعرف وجهتها تماماً، ولكن في هذه الرحلة قد تحدث بعض الظروف التي تضطر السفينة إلى أن تناور وتغير وجهتها مؤقتاً وربما إلى أن تتوقف قليلاً لتتصدى للظروف التي تعرقل رحلتها، والتصدي لهجمة السلطة على الحريات وعلى معيشة الناس بات اليوم مركزاً لثقل نضالنا اليومي والذي لا يخرج عن إطار الهدف الاستراتيجي بعيد المدى.
----------------------------------------*عضو التيار التقدمي الكويتي.