February 2018
28

هل تعلمنا الدرس ؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

مرت بالأمس الذكرى السنوية السابعة والعشرون لتحرير الكويت من الاحتلال الغاشم، وبالرغم من كل الدروس والعبر التي يجب أن نتعلمها من تلك الكارثة؛ عندما توحد الشعب الكويتي ووقف وقفة رجل واحد بوجه المحتل وجسد أروع معاني التضحية؛ فرووا بدمائهم الطاهرة تراب الوطن، إلا أنه من الواضح أننا لم نتعلم الدرس جيداً، فمازال هناك من يضرب وحدتنا الوطنية ويسعى لتفكيك هذا المجتمع إلى فئات صغيرة متضاربة همها الأكبر تحقيق مصالحها الضيقة، في وقت ينتشر فيه الفساد في البلد وينخر في جميع مؤسساته.مرت سبع وعشرون عاماً على التحرير دون أن يحاسب أحد ممن تسبب في تلك الكارثة؛ وهذا أمر بات طبيعياً عندنا؛ حيث لم يسبق أن تمت محاسبة أي مسؤول كبير في البلد عن أي كارثة، فها هو سارق الناقلات ينعم بأموال السحت، وها هم نجوم الإيداعات والتحويلات يتبوؤون أعلى المناصب، أما عراب سرقة أموال التأمينات الاجتماعية فهو يعيش كالملك في ربوع العاصمة البريطانية دون أي محاسبة... لكن الأسوأ من عدم محاسبة هؤلاء أننا لا نرى أي تحرك للنهوض بالكويت أو على الأقل محاولة مواجهة الفساد بشكل جدي.لقد جاء مؤشر مدركات الفساد قبل عدة أيام ليؤكد لنا ما نعرفه مسبقاً من استشراء للفساد في الكويت، فقد تراجعت الكويت في مؤشر مدركات الفساد من المركز 75 إلى المركز 85، وهذا ليس التراجع الأول؛ فقد كنا بالمركز 35 في عام 2003، وبالرغم من محاولة بعض الأوساط التقليل من قيمة هذا المؤشر، ووصفه بأنه مبني على انطاباعات الناس، إلا أن الحقيقة هي أن الفساد لم بات ظاهراً للجميع ولعل انطباعات الناس تعطينا مؤشراً أسوأ مما جاء في تقرير جمعية الشفافية ومؤشر مدركات الفساد.فالفساد اليوم لم يعد مقتصراً على استغلال بعض المسؤولين لمناصبهم للتنفيع، بل أصبح الفساد منهجاً للحكومة وبعض النواب وثقافة امتدت للمجتمع ليصبح أمراً اعتيادياً غير مستغرب، فقد أصبح للفساد أدواته التشريعية، والاعلامية وغيرها من الادوات المؤثرة، التي رسخته في جميع مفاصل ومؤسسات الدولة، وأصبح النهب المبرمج لموارد الدولة هو سمة هذا الفساد؛ بعد أن كان يقتصر على استغلال المناصب من أجل تحقيق بعض المصالح... لذلك لابد من مواجهته بجدية، حيث أن مواجهة الفساد والقضاء عليه ليست بالأمر البسيط، ولن تتم من خلال انشاء هيئات حكومية أو تشكيل لجان برلمانية فقط، كما أن مكافحة الفساد كتنظيف السلم؛ تبدأ من الأعلى إلى الأسفل، لذلك فإن مكافحة الفساد تبدأ عبر وجود قرار سياسي، كذلك القرار الذي جاء في مؤتمر جدة الشعبي؛ عندما تم الاتفاق على عودة العمل بالدستور وعودة الحياة البرلمانية بعد التحرير، فمثل هذه الأمور تعالج عبر قرارات سياسية حاسمة.لقد وصل بنا الحال بأن نفرح لانجاز بعض المشاريع البسيطة كدار الأوبرا ومركز عبدالله السالم الثقافي، وتلك الانشاءات الجديدة كطريق الجهراء وشارع الغوص، على الرغم من قناعتنا التامة بأنها قد تنجز بوقت أقصر وتكلفة أقل بكثير مما كلفت خزينة الدولة، لكننا بتنا عطشى لأي انجاز أو مشروع حتى وإن شابته شبهات الفساد، لذلك على الحكومة والمجلس تحمل المسؤولية، واتخاذ القرار بمواجهة الفساد وانقاذ البلد من التدهور. في الختام، لقد كان الاحتلال عذراً لتبرير تأخر الكويت عن ركب التطور، لكن هذا العذر لم يعد مقبولاً اليوم، فاليابان عانت مما هو أكبر من الغزو، ولا يمكن مقارنة الاحتلال العراقي بالقنبلة النووية، فأين اليابان اليوم؟، لم يعد ذلك العذر مقبولاً لأن المؤشرات كلها تبين أن الفساد هو السبب في تأخرنا وتراجعنا المستمر، لذلك يجب ألا تمر تلك المؤشرات والتقارير علينا مرور الكرام، فهذا الفساد سيدمر البلد الذي لا نملك غيره، ولعلنا نتعلم من كارثة الغزو أن المال لن تكون له قيمة في حال ضاع الوطن.... فهل تعلمنا الدرس؟بقلم د. حمد الأنصاري جريدة الراي الكويتيةالثلاثاء 27 فبراير 2018