September 2018
17

لماذا يخال كافكا نفسه أفضل من جلال الدين الرومي؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

اشتكت الساحة الأدبية الكويتية في السنوات الماضية من كثرة الكتب الركيكة والمثيرة للغثيان، حتى أصبح معرض الكتاب ساحة تجارب، فتذهب لشراء عشرات الكتب على أمل أن يكون من بينها كتابان أو ثلاثة كتب تستحق الورق الذي طُبعت عليه، ولعل السبب الرئيسي وراء هذا هو أن الساحة الكويتية ليست منعزلة عن قريناتها في العالم، فالكتب المضجرة والخاوية تملأ جميع دور النشر في العالم، لذلك ومنذ فترة ليست بالقليلة انصرف كثير من القراء لقراءة الكلاسيكيات العالمية، وما هو موثوق في التاريخ الأدبي والنقدي، ولكن ليس في الكويت! نتذكر جيدًا قبل بضع سنوات عندما وقف وزير الإعلام الحالي على منصة الإعلام في مجلس الأمة ليخطب خطبته الشهيرة، وينصب نفسه وصيًا على عقول الناس وذائقتهم الأدبية، ويطالب وزارة الداخلية - بشكل صريح ومستعجل- بإلغاء دخول جلال الدين الرومي المتوفى منذ أكثر من ٧٤٥ عاماً، هذا الشخص هو نفسه الذي يقود اليوم مجزرة في حق الكتب ومحبيها، بلا ضوابط ولا معايير، ولا ضمانات مكفولة وآليات واضحة للتظلم، وبسحق شامل للحرية الشخصية وحرية البحث العلمي اللتين ضمنهما الدستور في نصوصه وروحه. وأعتقد بأن السبب الرئيسي وراء هذا المنع الممنهج للكتب هو ترضية للمتحجرين من أتباع التيار الديني المتعجرف والذين يعتقدون بأن الله نصبهم أوصياء على المجتمع، وكذلك الاستمرار في محاولات تجهيل الناس، وتسطيح تفكيرهم وقراءاتهم، وأزعم بأن هذا المنع سوف يكون ذا نتائج كارثية وسوداوية، فالأدب والفلسفات الإنسانية كانت على مر العصور أحد أهم أسباب الوعي الإنساني، ودلالة فكرية على مدى تقدم المجتمعات ، فالكتب الرديئة بما تتضمنه من محتوِ سطحي تخلق عقلًا رديئًا وثقافة سطحية. في الغالب تلجأ الحكومات الشبيهة بحكومتنا إلى أسلوب المنع والحظر لسببين رئيسيين أولهما ديني وثانيهما سياسي، أما السبب الديني فهو يعارض روح الدستور بشكل مقيت، فهذا الدستور يمنح الجميع حرية البحث والتفكير دون فرض أي نوع من أنواع الوصاية، وعندما نرجع إلى الكتب التي مُنِعت من النشر بسبب ديني نرى تقرير اللجنة يعلق على كلمة وردت في سطرٍ ما في إحدى الصفحات! فهل من الممكن أن نمنع إرثاً أدبياً كبيراً بسبب كلمة لم ترضِ مزاجية المراقب؟ ...أما السبب الثاني وهو السياسي فعلى الرغم من كثرة الكتب الممنوعة من النشر لأسباب سياسية إلا أن مجال الحرية فيه ما زال أكبر، وأسباب المنع فيه أقل، ولكنني متيقن بأنه في حال لم تقف هذه الوزارة عند حدها سوف تمنع كل ما تطاله يدها، ويبقى السؤال: هل أصبحت الساحة الثقافية في البلد ومستقبل الأجيال رهنًا لمزاجية الأفراد الذين لا نعلم من هم أصلًا، فضلاً على أننا لا نثق بثقافتهم ولا قدرتهم على إتمام هذه المهمة. إن كانت وزارة الإعلام تدعي المحافظة على أفكار المجتمع وعلى مستقبل الأجيال القادمة، فعليها العلم أنها بهذا المنع تؤدي وظيفة سياسية بيروقراطية لا أكثر ولا أقل، إن المجتمع ذو الثقافة الواحدة في هذا العصر ما هو إلا مجتمع ضائع، يضحى جميع أفراده مجموعة من الإقصائيين والمتنمرين على كل ما هو مختلف، مجتمع يحتكر الحقيقة لنفسه، ويعتقد بأنه حامي حمى الفضيلة، وأي رأي مخالف ما هو إلا مؤامرة لتفكيك نظامه الاجتماعي المتماسك، وحينها سيلجأ الإنسان إلى قبيلته وطائفته ليضفي على حياته لونها الخاص، فيزداد الجهل ويزداد التعصب، وينقلب هذا المجتمع إلى أساس البؤس وقتل الإبداع، إن هذا النوع من المجتمعات عبارة عن جحيم لكل من يعيش فيه، و مقبرة لكل المتنورين والباحثين عن حياة أجمل يسودها الاعتدال وتنوع الأفكار. عندما اعتلى التيار المدني والديمقراطي في بلد مثل الكويت خلال فترة زمنية معينة، اعتاد شعبها على حرية التفكير والنقد، وهذا هو إرثنا الحضاري الحقيقي، فمهما حاولت هذه الوزارة وحاول القائمون عليها طمس هذه الصورة الحضارية للبلد فإنهم سيجدون من يتصدى لهم ويقف في وجههم ليعلن رفضه، ويطالب بحريته.  وأخيرًا، كان على كافكا ألا يعتقد بأنه أعظم وأكبر من جلال الدين الرومي، فالوزارة التي كافح رأسها من أجل إلغاء "فيزا" دخول جلال الدين، لن تعرف من هو كافكا أصلًا.بقلم: فهد بن ماهر