March 2018
29

هوشات النواب وتراجع العمل البرلماني!

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

برزت في الفترة الأخيرة «هوشات» نواب الأمة، سواء في قاعة عبدالله السالم أو من خلال وسائل الاعلام المختلفة، فها هو النائب الفلاني يتهم زميله بأنه «صبي»… وذاك النائب يوجه لزميله اتهاماً بأنه مرتشٍ وفاسد، وما بين اتهام بالفساد وشتيمة ينجرف العمل البرلماني الكويتي يوماً بعد يوم للأسوأ.الحقيقة أنه على الرغم من سوء هذه الممارسات وسذاجتها، وعلى الرغم من أن أغلبها لا يعدو كونه تمثيلية «باصجة» هدفها اشغال الشارع عن الاخفاقات المتتالية للنواب، ومحاولة يائسة للتكسب الانتخابي، إلا أن هذه الممارسات ليست جديدة، كما أنها ليست مقتصرة على البرلمان الكويتي فقط، بل إن مثل هذه المشاهد -وأكثر- تتكرر في العديد من البرلمانات حول العالم، ولكن السؤال المهم هو: هل هذه الخلافات وهذه الممارسات المرفوضة هي السبب الرئيسي في تراجع العمل البرلماني؟إن العلة والخلل المتسبب في تراجع عمل البرلمان ليس تلك الممارسات؛ بل هي جزء من مظاهر ذلك التراجع، حيث ان الخلل الجدي يكمن في المنظومة السياسية التي رسخت العمل الفردي وكرست مفاهيم العمل الخدماتي والواسطة والمحسوبية، بدلاً من إرساء مفاهيم الديموقراطية وتطويرها وصولاً للنظام البرلماني المتكامل والعمل السياسي المنظم.فمنذ بداية العمل بدستور دولة الكويت، كان الهدف الشعبي هو استكمال الديموقراطية والتحول شيئاً فشيئا إلى النظام البرلماني، بينما لم تكن السلطة لتسمح بذلك التطور والتحول المنشود، بل سعت جاهدة لمنع ذلك التطور، فكان تزوير انتخابات 67 لمنع وصول المطالبين بتعديل الدستور لمزيد من الحريات وتطوير العمل السياسي وتنظيمه، ثم جاء الانقلاب الأول على الدستور عام 76، ليتم تفتيت الدوائر الانتخابية الى 25 دائرة في العام 80 واثناء فترة تعطيل الدستور، فتم تكريس الممارسات السلبية المنبوذة كشراء الأصوات وانتشار نواب الخدمات والواسطة، والتعصب القبلي العائلي، واستمر الأمر على هذا الحال حتى العام 2006 ليتغير بعد حراك شعبي طالب بتغيير توزيع الدوائر التي أصبحت خمس دوائر فقط، وبكل تأكيد لم يكن ذلك القانون هو الأمثل للشعب، فالحكومة هي من قدم المشروع ووضع التقسيمة الموجودة حتى يومنا هذا.وبالرغم من كون قانون الدوائر الخمس أفضل مما سبقه، إلا أنه ساهم بشكل كبير أيضا في تأصيل القبلية في بعض الدوائر والطائفية في دوائر أخرى، فالمشكلة ليست بتقسيم الدوائر فقط أو عدد المرشحين المسموح للفرد بانتخابهم، بل هي تكمن في الاعتماد على العمل الفردي واختيار الناخبين لنوابهم حسب القبيلة أو الطائفة أو ما يقدم من خدمات أو أموال، وما أن تشكلت نسبة جيدة من الوعي عند الناخبين وجاء مجلس بأغلبية برلمانية يمكنها مواجهة الحكومة حتى تم تغيير ذلك النظام وتقليل نسبة تمثيل الناخب من 40 إلى 10 في المئة من خلال مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء.لقد أفسدت الحكومة، العملية الانتخابية على مدار نصف قرن مضى، فتغير الهدف من العمل البرلماني من كونه عملا سياسياً الهدف منه التشريع والرقابة، وتطوير العملية الديموقراطية، ليصبح اليوم أداة لتخليص المعاملات والتنفيع والتكسب، فلا عجب من فضح بعض النواب لبعضهم البعض وتراشقهم بالشتائم والتهم.إن العودة بالعمل البرلماني إلى مكانته الطبيعية تحتاج إلى قرار سياسي، وذلك القرار لن يأتي من دون وجود وعي بأهمية تنظيم العمل السياسي، فنحن بحاجة لترسيخ مفاهيم العمل الجماعي من خلال وجود الاحزاب التي تطرح قوائمها الانتخابية برامج ورؤى تمثل هموم المجتمع وقضايا المواطنين ومطالبهم، فيتم انتخاب هذه القائمة أو تلك حسب ما ستقدمه وليس حسب اسم العائلة أو الطائفة، كما أننا بحاجة إلى نظام انتخابي ديموقراطي عادل يعتمد التمثيل النسبي، فلا يتم احتكار مقاعد البرلمان لحزب واحد.هذا الوعي الذي نحتاج لنشره في المجتمع بحيث يتشكل من خلاله رأي عام ضاغط يدفع السلطة لتنظيم العملية السياسية، وتطوير العملية الديموقراطية. ولست أبالغ في تقديري لقوة الضغط الشعبي وأهميته في إحداث الإصلاح والتغيير، والتاريخ الكويتي مليء بالشواهد على نجاح ذلك الضغط في تحقيق المكاسب الشعبية… باختصار، كل ما نحتاجه هو معرفة مكمن الخلل ثم العمل الجاد لإصلاح ذلك الخلل، ففي النهاية العلة ليست «هوشات» النواب… العلة في الفوضى السياسية.بقلم الدكتور حمد الأنصاري٢٧ مارس ٢٠١٨جريدة الراي الكويتية