March 2018
13

خدعوك فقالوا… إنهم معارضة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

لا يوجد لدينا في الكويت معارضة بالمعنى الحقيقي في النظم الديموقراطية البرلمانية. فالمعارضة الحقيقية تتشكل عندما يكون هناك نظام برلماني مكتمل يقوم على وجود أحزاب سياسية وتداول ديموقراطي للسلطة يمكن من خلاله تشكيل غالبية نيابية تحمل برنامجاً واضحاً فتقوم بتشكيل الحكومة على أساسه، وأقلية تحمل برنامجا مختلفاً فتكون هي المعارضة، بينما تعتمد منظومتنا السياسية القائمة على العمل الفردي الذي دمر العمل السياسي المنظم مثلما دمر امكانية تشكيل معارضة؛ لذلك نحن لا نمتلك معارضة بل لدينا جماعات سياسية تعارض نهج السلطة وسياسات الحكومة ولكن لا دور محدداً لها في إطار النظام السياسي الدستوري، أو هناك أفراد يعارضون حسب المزاج والمصلحة.ولست بصدد التجريح أو الهجوم على ما سمي بالمعارضة، التي هي في واقع الحال معارضات، لكن نقد تلك المعارضة أو بعض تلك المعارضات وكشف تحركات المتكسبين والمتسلقين منها، واجب على كل من يؤمن بضرورة الاصلاح والتطور الديموقراطي…فقد فرض علينا الحراك الشعبي منذ العام 2009 مجموعة من السياسيين والنواب الذين تبنوا مطالب الشباب في ذلك الوقت، خصوصاً بعد كشف تسلم بعض النواب شيكات، وفضيحة الحسابات المتضخمة لبعض النواب والإيداعات والتحويلات المليونية، وقد تصدر هؤلاء المشهد السياسي حتى جاءت انتخابات مجلس الامة في فبراير 2012؛ عندما رد الشعب الكويتي الجميل لهؤلاء الساسة فانتخب ما يقارب الـ 33 نائباً ممن تبنوا قضية الشباب.ورغم قصر عمر ذلك المجلس وعدم امكانية تقييم اعماله بشكل دقيق، إلا أنه كما يقال: الكتاب يقرأ من عنوانه؛ فقد بدأ ذلك المجلس أعماله بصفقة تصويت الرئاسة بعد الاتفاق على تعديل المادة الثانية من الدستور لتصبح الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع بدلا من كونها مصدراً رئيسيا، وبعد فشل ذلك المشروع قبل تقديمه، جاء اقتراح تعديل المادة 79 بأسلمة القوانين، الذي رده صاحب السمو مشكوراً كونه غير جائز دستورياً ويسبب فتنة مذهبية ويهدد الوحدة الوطنية. كما أقر ذلك المجلس قانون «اعدام المسيء» الذي يقر عقوبة الاعدام لمن يثبت عليه الاساءة للرسول عليه الصلاة والسلام، وهو – عليه الصلاة والسلام – الذي دعى لأهل الطائف بأن يخرج من اصلابهم من يعبد الله، بعد أن رموه بالحجارة فادميت قدماه.لم تكن تلك القوانين أو المقترحات هي السبب لانتخاب هؤلاء النواب، ومع ذلك تجاوز الشباب الوطني الصادق عن تلك «الهفوات» من «كتلة الاغلبية» أو «المعارضة»، بل واستمر بدعمه لأولئك الساسة بهدف تحقيق الاصلاح ومحاسبة الفاسدين، فجاءت مقاطعة الانتخابات. ورغم الالتزام الكبير من القوى السياسية والحركات الشبابية بذلك القرار، الا أن بعض افراد تلك المعارضة من نواب سابقين لم يخجل من التصريح علانية بأن لديه قنوات مفتوحة مع السلطة، أما من طالب بالمشاركة بحجة الحد من نجاح من يخالفه مذهبياً… فحدّث ولا حرج.وعلى الرغم من تناقض هؤلاء وعودتهم للمشاركة في الانتخابات البرلمانية؛ التي لا أرى فيها مشكلة لو كانت بهدف تعبئة الشارع وفضح مشاريع الحكومة التي تمس المواطن، وليس للإصلاح من الداخل كما يروجون، إلا أنهم ما زالوا ينحرفون عما يريده الشباب من إصلاح، من خلال إعادة طرح تعديل المادة 79 تارة، وتارة اخرى بمنع حفل غنائي أو ما حدث أخيراً من تهديد للحكومة في حال تمت فعالية قرع الجرس في البورصة، ضاربين عرض الحائط ما أقسموا عليه من احترام للدستور الذي يكفل كل أنواع الحريات، متناسين وعودهم بحل الملفات المهمة كقضية عودة الجناسي والعفو الشامل وتعديل قانون الانتخاب.في النهاية، لن تكون تلك التناقضات هي الأخيرة، فما زال هؤلاء الساسة يروجون بأنهم هم فقط المعارضة، متناسين بأنهم كانوا حليفاً استراتيجيا للحكومة ضد المعارضة الوطنية التاريخية، بل وما زالوا يضربون أي محاولة للاصطفاف المدني الديموقراطي بحجج واهية لا تمت للدستور والحريات والدولة المدنية بصلة، لذلك فقد جاء الوقت الذي يتحتم فيه على القوى المدنية والديموقراطية أن تميز نفسها من خلال اصطفاف وطني واسع، وتشكيل قطب ثالث يواجه قطبي السلطة والاسلام السياسي، فتتبنى مشروع الاصلاح الوطني بعيداً عن الاختلاف المذهبي والتعصب العرقي.بقلم الدكتور حمد الأنصاريجريدة الراي الكويتية١٣ مارس ٢٠١٨