February 2018
28

لماذا نختلف معهم؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

تتقاطع القوى والتنظيمات السياسية الكويتية في المواقف الاحتجاجية تجاه قضايا محددة، وقد يتوثّق هذا التقاطع أكثر في مراحل معينة على هيئة اصطفاف سياسي كالحراك الشعبي الاحتجاجي ضد الفساد في مجلس ٢٠٠٩ عندما تضخمت حسابات بعض النواب وأدّى إلى إسقاط حكومة رئيس مجلس الوزراء السابق وعدم عودته، وكالحراك الشعبي الاحتجاجي ضد مرسوم الصوت الواحد المجزوء والذي مع الأسف لم يصل لهدفه باستعادة إرادة الأمة بخصوص نظام الانتخابات... ومن طبيعة الأمور أن الاصطفافات أو الحراكات السياسية ذات الطبيعة الاحتجاجية تجاه قضايا محددة تكون واسعة، وقد تضم مختلف التيارات السياسية والفكرية من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، ولكن هذا لا ينطبق تماماً على مشاريع الإصلاح والتغيير السياسي التي تنطلق من مبادئ وأفكار محددة.وكأدلة ملموسة على وجود اختلاف جدي بين المواقف الاحتجاجية والمشاريع السياسية هناك مثالان؛ المثال الأول إبان مجلس ٢٠١٢م عند انقسام الاصطفاف في الحراك الشعبي الذي أدى إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق وعدم عودته إلى مؤيدين لتعديل المادة ٧٩ من الدستور ومعارضين لهذا التعديل، واصطف التيار الديني والمحافظ مع التعديل بينما أخذت القوى الوطنية والتقدمية والمدنية موقف المعارض لهذا التعديل ونظم التقدميون حلقة نقاشية واسعة للتحشيد ضد هذا التعديل... والمثال الثاني الذي حدث بعد الاصطفاف الاحتجاجي ضد مرسوم الصوت الواحد المجزوء هو ابتعاد التقدميين عن مشروع ائتلاف المعارضة الذي حمل في طياته مشروعاً دينياً كما جاء في ديباجته وأكد هذا تحفظ بعض الموقعين على عدم تعديل المادة ٧٩ في هذا المشروع!اليوم نحن أمام مرحلة تستوجب على كل القوى والتنظيمات السياسية المدنية والديمقراطية والتقدمية أن تصطف للدفاع عن الحريات العامة والشخصية وتطالب ليس بعدم تقليص الهامش الديمقراطي بل باستكماله في إطار المساواة الدستورية والعدالة الاجتماعية، ومن الطبيعي ألا تكون القوى والتنظيمات الدينية والمجاميع ذات الأطروحات الرجعية ضمن هذا الاصطفاف، لأن فاقد الشيء لا يعطيه وسأفصل في هذا...عندما نتحدث عن الحرية الشخصية فنحن كتقدميين ووطنيين ومدنيين نطالب بإطلاقها، فلا يجوز التدخل فيها لا بالدستور ولا بالقوانين ولا بالقرارات، فحرية المعتقد والمأكل والملبس والتفكير والإختيار حق إنساني أصيل لا يجوز لأي كان التدخل فيه، بينما نجد القوى والتنظيمات الدينية والمجاميع الرجعية تطالب بقمع هذه الحرية وتفصيلها بحسب قناعاتها وأفكارها... والحريات العامة كحرية التعبير عن الرأي والتجمع وإنشاء الأحزاب السياسية والإضراب عن العمل والصحافة والنشر هي حريات نطالب بإطلاقها كذلك بحيث ينظّمها القانون ولا يجوز أن يقيّدها أو ينتقص منها، بينما من نختلف معهم من القوى والتنظيمات الدينية والمجاميع الرجعية تكاد تختزل هذه الحريات بالحرية السياسية وضمن مقاييس وقيود كذلك... وإطلاق الحريات الشخصية والعامة لا يمكن أن يكون كاملاً من غير إطار المساواة، فهذه الحريات للجميع، وبالتأكيد فإن من نختلف معهم في المنطلقات والمبادئ بعيدون عن هذا تماماً... وعندما نتحدث عن الديمقراطية فنحن نقصد التداول السلمي للسلطة التنفيذية في إطار المساواة والتعددية الحزبية وإطلاق الحريات، ولا نتحدث عنها من غير بعدها الاجتماعي الذي يضمن العدالة الاجتماعية وحفظ حقوق كل الناس، ومن الواضح أن من نختلف معهم يقتصرون الديمقراطية على الصندوق الانتخابي الذي بالنسبة لهم يفتح المجال لعمل أي تعديل حتى على الأساس الديمقراطي الذي فازوا به! ناهيك عمّن لا يتطرقون لمصطلح الديمقراطية من الأساس لأنه ليس من صميم فكرهم ومشروعهم.عندما نحدد من هم شركاؤنا في هذا الاصطفاف المدني الديمقراطي التقدمي نحن لا نقصي أحداً، فمن حق من نختلف معهم ولا نراهم شركاء لنا في هذه المرحلة طرح مشروعهم بالاصطفاف الذي يريدونه، ومن حقنا اختيار من نراه منسجماً مع ما نطرح، فليس منطقياً أن يكون معنا في الاصطفاف المنادي بإطلاق الحريات العامة والشخصية واستكمال الهامش الديمقراطي وبناء الدولة المدنية الحديثة قوى ومجاميع تحرض على سجن من يعبّر بما يختلفون معه؛ و وقعت سابقاً على اقتراح تعديل المادة ٧٩ من الدستور لإنشاء كيان ديني داخل المؤسسة التشريعية و وافقت على اقتراح قانون إعدام المسيء...في الختام نحن لا نختلف مع القوى والتنظيمات الدينية والمجاميع ذات الأطروحات الرجعية لرغبات شخصية أو لمجرد المناكفة، بل لوجود اختلاف جدّي في المبدأ والمنطلق والهدف بيننا كتقدميين ووطنيين ومدنيين وبينهم، فمن الطبيعي بل ومن الضروري عدم وجودهم في اصطفافنا الذي يدعو لإطلاق الحريات العامة والشخصية واستكمال الهامش الديمقراطي في إطار المساواة والعدالة الاجتماعية وتكريس الطابع المدني للدولة.بقلم د. فواز فرحان ١ مارس ٢٠١٨