January 2018
21

مساهمة في كتابة تاريخ حزب اتحاد الشعب في الكويت    الحلقة 4: نضال حزب اتحاد الشعب ضد الانقلاب الأول على الدستور   بقلم: أحمد الديين

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

الحلقة 4: نضال حزب اتحاد الشعبضد الانقلاب الأول على الدستور بقلم: أحمد الديينعندما أقدمت السلطة على تنفيذ انقلابها الأول على الدستور وجدت غالبية القوى السياسية الوطنية والديمقراطية المعارضة نفسها عاجزة عملياً عن التصدي لذلك الانقلاب، لأنها اعتادت منذ بداية ستينات القرن العشرين على حصر نضالها السياسي ونشاطها الجماهيري ضمن حدود المجالين الانتخابي والبرلماني في ظروفكانت تتسم بالانفراج النسبي، فيما الوضع الذي استجد بعد الانقلاب السلطوي على الدستور أصبح يتطلب أشكالاً مختلفة من النضال السياسي والتواصل الجماهيري تتجاوز قيود السلطة، وهو الوضع الذي لم يكن متاحاً لغير الشيوعيين، الذين تأسس تنظيمهم الوليد في العام 1975 كتنظيم نضالي يجمع بين السرية والعلنية؛ وبالتالي لديه إمكانيات وإن كانت متواضعة، للعمل السياسي بين الجماهير في ظروف القمع والتضييق على الحريات... وفي الوقت نفسه فقد حرص الشيوعيون على عدم الإنفراد بالنضال ضد الانقلاب السلطوي على الدستور، والتزموا بالعمل المشترك مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى، ولكنهم تحملوا العبء الأكبر في ذلك، وكان هذا واضحاً منذ الأيام الأولى للانقلاب، وهذا ما تمثّل في حملة الاعتقالات التي شنتها أجهزة السلطة ضد القيادات النقابية العمالية الشيوعية والتقدمية على خلفية قيامهم بالتوزيع الجماهيري الواسع للبيان المناهض للانقلاب على الدستور الذي أصدرته الهيئات الشعبية.فقد حرص الشيوعيون على العمل مع بقية القوى الوطنية والديمقراطية للنضال من أجل إطلاق الحريات العامة وعودة العمل بالدستور... وفي الوقت نفسه فقد كانت نشرة "الاتحاد" لسان حال حزب اتحاد الشعب في الكويت والكراسات التي أصدرها الحزب حول عدد من القضايا، هي الوسيلة الأهم التي استخدمها الشيوعيون لفضح الطبيعة الرجعية غير الديمقراطية للانقلاب السلطوي على الدستور ؛ ولتحريض الجماهير وتعبئتها في التصدي لذلك الانقلاب، وذلك في ظل التقييد المفروض على حرية الصحافة وقرارات التعطيل الإداري التي طالت معظم الصحف، وفي ظل التضييق على الصحافة العلنية فقد كانت "الاتحاد" بحق صوتاً للشعب.المشاركة في "التجمع الديمقراطي":شارك الحزب في اجتماع تحالف الشخصيات الوطنية المنعقد مساء الأحد 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1977 الذي بحث اقتراحاً بقيام تجمع ديمقراطي تنظم إليه كافة العناصر الوطنية والديمقراطية مع الحفاظ على استقلالية التنظيمات الوطنية والتقدمية، ويتبنى برنامج لمهام الحد الأدنى... واستغرقت عملية التحضير لتأسيس ذلك التجمع الديمقراطي عاماُ كاملاً قبل أن يتم الاتفاق على قيامه، حيث شارك فيه عدد من قياديي الحزب وكوادره المتقدمة أبرزهم الرفاق أحمد الديين ونهار عامر مكراد، وغ.ج وع. ر وتوثّق ذلك "الاتحاد" في عددها الثامن الصادر في  نوفمبر/ تشرين ثاني  1978 ضمن مقالة تحت عنوان "قيام التجمع الديمقراطية كمنظمة وطنية ذات طابع جماهيري وكإطار لتعاون القوى الوطنية والديمقراطية" جاء فيها أنه في أواسط شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1978 عقد اجتماعان للهيئة التأسيسية للتجمع إذ "شارك رفاقنا الشيوعيون الحاضرون للاجتماع بصفاتهم الشخصية، بنشاط وفعالية في أعمال الاجتماعين التأسيسيين حيث عرضوا تصوراتهم بشأن مهام التجمع وأشكال نضاله وأساليب تنظيميه، ودحضوا في نقاشاتهم الأفكار والتصورات المضرة وغير الواقعية التي طرحها بعض الوطنيين الآخرين فيما يتعلق بصياغة أهداف التجمع صياغة غير سياسية، وتضمين شروط الانضمام إليه شرط المستوى التعليمي للعضو، وعدم مخاطبة السلطات بمطالبنا... وكان رد رفاقنا مثمراً في توضيح مخاطر هذه الدعوات وتبصير المؤتمرين بالطريق السليم والواقعي لنضال التجمع".نشرة "الاتحاد" والكراسات التعبوية والبيانات الجماهيرية:أما إذا استعرضنا ما كانت تنشره "الاتحاد"خلال سنوات الانقلاب السلطوي على الدستور، فسنجد أنها في عددها الثاني الصادر في مارس/ آذار 1977 نشرت مقالة كشفت فيها الطبيعة الرجعية للانقلاب السلطوي على الدستور والقوى التي تقف وراءه والمخططات التي كان يجري التحضير لها لتكريس الوضع غير الديمقراطي في البلاد، حيث جاء في تلك المقالة: "منذ شهر أغسطس الماضي، وبلادنا الكويت تشهد هجمة رجعية تستهدف التضييق على الحريات العامة للشعب، وتصفيه مكاسبه الدستورية والديمقراطية.إن الأوساط الأكثر رجعية وتشدداً ضمن السلطة والبرجوازية الكبيرة، وبالذات كبار الرأسماليين الماليين الذين هم أكثر أقسام البرجوازية رجعية، قد شنوا هجمتهم"وأضافت "الاتحاد": "ويتم الآن ضمن هذه الاتجاه التحضير لتشكيل لجنة تنقيح الدستور، والإعلان عن النية لتعيين عدد من أعضاء مجلس الأمة القادم أو إيجاد مجلس أعيان إلى جانبه""إن القوى الوطنية والديمقراطية في الكويت -بالرغم من اعترافنا بضعفها- وبالرغم من الصعوبات الكبيرة التي تناضل وسطها، وبالرغم من عدم قدرتها على خوض معركة جماهيرية واسعة للنضال من أجل إطلاق الحريات العام للشعب والحفاظ على مكاسبه الدستورية والبرلمانية، إلا أن القوى الوطنية والديمقراطية يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في تعبئة جماهير الشعب حول شعار أساسي وصائب هو "إطلاق الحريات العامة وإلغاء الإجراءات المقيدة لحرية الصحافة ونشاط الهيئات العشبية، والحفاظ على الضمانات الدستورية وعودة الحياة البرلمانية".ويتطلب هذا من القوى الوطنية والديمقراطية أن تعزز تنظيماتها، وأن تزيد التحامها بالجماهير، وتوثق صلتها بها، كما يستلزم ذلك أيضاً أن تتراص صفوف هذه القوى الوطنية والديمقراطية ضمن تحالف وطني واسع وبميثاق وطني يجمعها حول قضايا الشعب الأساسية ومطالبه".وفي العدد الخامس من "الاتحاد" الصادر في منتصف مارس/ آذار من العام 1978 نقرأ تعليقاً على الخطاب الذي ألقاه الأمير مساء 13 فبراير/ شباط من ذلك العام، أوضح أنه لا جديد في موقف السلطة تجاه المسألة الديمقراطية حيث"لا نلمس في الخطاب أي تغيير في المنهج الذي سارت عليه منذ أغسطس 1976، ولا حتى مجرد وعود بالعدول عنه، بل نلمس التأكيد على المضي في سياسة تقييد الحريات وتصفية المكاسب الدستورية والبرلمانية التي حققها الشعب.أما الوعود التي سبق أن أطلقتها السلطة عن عودة الحياة البرلمانية خلال فترة محددة فلم نجد لها أثراً في الخطاب، بل نجد تشدقاً لفظياً بالشورى، وتملصاً من تلك الوعود بالقول إن الديمقراطية لا تعني مجرد الإطار الشكلي البرلماني".ولاحقاً بمناسبة الذكرى السنوية الثانية للانقلاب على الدستور نشرت "الاتحاد" في عددها السابع الصادر في أغسطس/ آب من العام1978 مقالة تحت عنوان "سنتان على هجمة أغسطس الرجعية 1976 " أوضحت أنه "بالرغم من أن ميزان القوى في البلاد، ووضع القوى الوطنية والديمقراطية لا يمكنها من مواجهة هذه الهجمة والدفاع عن مكتسبات الشعب وحرياته بالقدر المطلوب، إلا أنه مع ذلك فقد اتضح أن هناك قاعدة اجتماعية واسعة للقوى المتضررة من نهج أغسطس 1976"... وأضافت "إن السبيل الوحيد الكفيل بإجبار السلطة على التراجع عن نتائج هجمة أغسطس 1976 هو توطيد التنظيمات الوطنية والديمقراطية وتقويتها وتعزيز صلتها بالجماهير ورص صفوفها ضمن تحال وطني واسع، وشن نضال مثابر لا هوادة فيه في سبيل تحقيق تلك المطالب، والاستناد لتضامن قوى حركة التحرر الوطني العربية والقوى التقدمية في عالمنا، وليس انتظار تراجع تلقائي موهوم من جانب السلطة، ولا الركون إلى احتمالات مجرى تطور الأحداث في المنطقة، كما يسود الاعتقاد لدى بعض الوطنيين".التصدي لمشروع تنقيح الدستور:في منتصف فبراير/ شباط من العام 1979 أصدر حزب اتحاد الشعب بياناً جماهيرياً حول الاتصال الجارية لتشكيل لجنة تنقيح الدستور.كما نقرأ في العدد التاسع من "الاتحاد" الصادر أواخر مارس/ آذار من العام 1979 مقالة تحت عنوان "إطلاق الحريات العام للشعب هو مطلب الجماهير" جاء فيها: "تناور السلطة للالتفاف على المطلب الجماهيري بإطلاق الحريات العامة للشعب وعودة الحياة النيابية على أسس ديمقراطية والحفاظ على المكتسبات الدستورية، وذلك بمماطلتها في المشاورات والاتصالات التي تجريها لإقامة شكل ما من أشكال المؤسسات النيابية وتنقيح الدستور بإدخال تعديلات رجعية عليه تنتقص من الضمانات الأساسية فيه، وذلك من دون أن تتراجع السلطة عن القوانين والإجراءات التي اتخذتها منذ هجمة أغسطس 1976، والتي فرضت بموجبها قيوداً على الحريات العامة للشعب وخصوصاً حرية الصحافة ونشاط الهيئات الشعبية".ووفقاً لتقدير "الاتحاد" فإنّ "قاعدة اجتماعية واسعة في بلادنا تطرح هذه المطالب، وتجاهل السلطة لها لن يقودها إلا إلى طريق مسدودة... وهذا من جميع القوى والعناصر الوطنية والديمقراطية وكل من تعز عليه حريات الشعب أن يشددوا من مطالبتهم للسلطة وأن يودوا نشاطهم وينسقوا جهودهم."وكانت نشرة "الاتحاد" تتصدى للتصريحات التي يطلقها أقطاب السلطة، وهو ما لم يكن متاحاً أمام الصحف التي كانت مهددة بالتعطيل الإداري، ولم يكن متاحاً كذلك لمعظم التيارات السياسية المعارضة، التي لا تمتلك وسائل للتعبير عنها خارج نطاق قيود السلطة، حيث نشرت "الاتحاد" في عددها العاشر الصادر في مايو/ أيار من العام 1979 رداً على تصريحات رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله لجريدة "السياسة" المنشورة في عدده الصادر يوم 26 أبريل/ نيسان من ذلك العام، دحضت فيه قوله" إن المناخ الديمقراطي متوفر الآن": ولنا أن نعجب لهذا المناخ الديمقراطي المتوفر الذي هو "كبيض الصعو" نسمع به من الشيخ سعد ولا نراه... فأي مناخ ديمقراطي هذا المتوفر في ظل تقييد حرية الصحافة وإشهار سيق التعطيل الإداري بوجهها بموجب أحكام المادة 35 من قانون المطبوعات التي فرضها الحكومة في أغسطس 1976، وفي ظل تقييد حرية نشاط الهيئات الشعبية المعرضة لحل مجالس إداراتها المنتخبة أو إغلاقها نهائياً كما حدث لنادي الاستقلال، وإذا كان الشعب محروم من حقه في انتخاب نوابه في البرلمان على أسس ديمقراطية، وفي ظل تحريم قيام الأحزاب السياسية ومنع نشاطها العلني؟"ونشرت "الاتحاد" في عددها الحادي عشر الصادر في يوليو/ تموز من العام 1979 مقالةافتتاحية تحت عنوان: الحكومة تماطل في الاستجابة لمطلب إطلاق الحريات العامة وعودة الحياة البرلمانية على أسس ديمقراطية، تضمنت تنبيهاً للعناصر التي انخدعت بتصريحات السلطة حول عودة العمل بالدستور، ومما جاء فيها: "للأسف فإن هناك بعض العناصر الوطنية ممن انخدعت بالتصريحات والوعود السابقة، متوهمة بأن السلطة ستثيب إلى رشدها وتكتشف أخطاء قرارات أغسطس 1976... وينتظر هؤلاء أن تتراجع السلطة من جانبها عن ذلك النهج وتلبي المطالب الديمقراطية للجماهير.إن مطالب الشعب وحقوقه وحرياته الديمقراطية لا تُلبى بالانتظار السلبي لقرارات الحكومة، بل تتحقق بالنضال الجماهيري المثابر في سبيلها.إن الطريق الوحيد أمام القوى الوطنية والديمقراطية الكويتية لإجبار السلطة على التراجع عن نهج 29 أغسطس 1976، ولتلبية المطالب الشعبية، إنما هو طريق تعبئة الجماهير ورصّها حول الشعارات والمطالب الرئيسية، وطريق رص القوى الوطنية والديمقراطية لصفوفها، طريق النضال الجماهيري."وكذلك فقد نشرت "الاتحاد" في عددها الثاني عشر الصادر في أغسطس/ آب 1979 مقالة افتتاحية تحت عنوان: في الذكرى الثالثة لهجمة أغسطس الرجعية يجب تشديد النضال من أجل إطلاق الحريات العامة وعودة الحياة البرلمانية على أسس ديمقراطية، فضحت فيها مخطط السلطة لتشكيل لجنة تنقيح الدستور، الذي وصفته بأنه يهدف إلى "تعيين هيئة تشريعية شكلية كبديل عن وجود مجلس أمة منتخب على أسس ديمقراطية، ولتتولى هذه اللجنة إدخال تعديلات رجعية على الدستور.إن المطلب الرئيسي لشعبنا ولقواه الوطنية والديمقراطية ليس تكوين هيئة تشريعية شكلية ومحدودة الصلاحيات تحت اسم لجنة تنقيح الدستور، بل هو بالأساس مطلب إلغاء القوانين والإجراءات المقيدة للحريات التي اتخذت منذ أغسطس 1976 وإطلاق الحريات العامة للشعب وبالأساس حرية تشكيل ونشاط الأحزاب السياسية وحرية نشاط الهيئات الاجتماعية، وحرية الصحافة، وهذا ما تتجاهله السلطة تحاول الالتفاف عليه بطرح تشكيل لجنة تنقيح الدستور، مع الإبقاء على القوانين والإجراءات المقيدة للحريات العامة للشعب وحرمان الشعب من أهم حقوق الديمقراطية."واختتمت "الاتحاد" مقالتها الافتتاحية بتوجيه دعوة إلى "كل شخصية اجتماعية تعز عليها حقوق الشعب وحرياته من المدعوين للمشاركة بلجنة تنقيح الدستور، لاشتراط المطالب التالية على الحكومة:

  • إلغاء القوانين والإجراءات المقيدة للحريات وإطلاق الحريات العامة للشعب.
  •  الالتزام بعدم إدخال تعديلات على الدستور من شأنها إلغاء الضمانات الأساسية فيه أو تقيد الحريات العامة."

كما ساهم حزب اتحاد الشعب في الكويت في فضح التوجهات غير الديمقراطية للسلطة عبر إصدار عدد من الكراسات التعبوية، التي قام بتوزيعها على نطاق واسع نسبياً من بينها: كراس تحت عنوان "موقفنا من تنقيح الدستور"– منشورات اتحاد الشعب – الكويت – أكتوبر 1979، وكراس آخر تحت عنوان "أضواء على قانون الاجتماعات" – منشورات اتحاد الشعب – الكويت – أواخر أكتوبر 1979.فيما واصل الحزب إصدار "الاتحاد"، التي كانت تواصل تصديها للانقلاب السلطوي على الدستور، والرد على ادعاءات السلطة، حيث نجد أنّ "الاتحاد" في عددها الثالث عشر الصادر في ديسمبر/ كانون أول من العام 1979 قد نشرت رداً على تصريحات الأمير لرؤساء تحرير الصحف اليومية المحلية المنشورة يوم 24 نوفمبر/ تشرين ثاني من ذلك العام، أوضحت فيه أن الأمير "لم يطرح أي جديد في سياسة السلطة بشأن قضية الحريات الديمقراطية وعودة الحياة النيابية، إذ لا زالت هذه السياسة تقوم على الاستمرار في نهج تقييد الحريات العامة والالتفاف على المطالب الشعبية بهذا الصدد من خلال تشكيل لجنة تنقيح الدستور وطرحها كبديل..."كما دحضت "الاتحاد" في عددها الرابع عشر الصادر في مارس/ آذار من العام 1980 مقاصد السلطة من تنقيح الدستور، وذلك في مقالة تحت عنوان: تشكيل لجنة تنقيح الدستور خطوة على نهج تقييد الحريات والانتقاص من الضمانات الدستورية، جاء فيها: "إذا كان هناك مَنْ اختلط عليه الأمر، وتوهم أن السلطة بتشكيلها اللجنة وبتصريحاتها عن عودة الحياة البرلمانية قد "ثابت" إلى رشدها وتراجعت عن نهجها، فإن هذا الوهم لا يستند إلى أي أساس واقعي، فما دامت الأجواء غير الديمقراطية والقوانين والإجراءات المقيدة للحريات تلقي بظلالها السوداء على البلاد، وطالما إن التعديلات التي تنتوي السلطة إدخالها على الدستور من خلال هذه اللجنة هي تعديلات رجعية، فإن تشكيل لجنة تنقيح الدستور لا يعدو كونه خطوة على ذات النهج السابق"وواصلت "الاتحاد" في مقالتها: "إن السلطة بما يتلاءم مع مصالح الطغمة المالية وكبار الوكلاء التجاريين وكبار الملاكين العقاريين والارستقراطية العشائرية الحاكمة تريد دستوراً منقحاً يقلص الحقوق الديمقراطية للجماهير، ويحكم سيطرتها ويطلق يدها، ويجعل المؤسسة التمثيلية مؤسسة شكلية محدودة الصلاحيات أقرب لان تكون هيئة استشارية منها لهيئة دستورية للتشريع والرقابة"ثم تناولت "الاتحاد" في تلك المقالة الرد على سؤال: "لماذا نعارض التنقيح؟" بالقول: "إن معارضتنا لتنقيح الدستور لا تنطلق من التصور بأن الدستور الحالي هو دستور متكامل، وبالتالي لا يحتاج لأي تعديل... كلا، فإن الدستور الحالي رغم ما احتواه من ضمانات دستورية، إلا أنه لا يقر بالعديد من الحقوق الديمقراطي (حرية تكوين الأحزاب السياسية ونشاطها – حرية الإضراب – الحقوق الانتخابية للمواطنين بالتجنس...).... ولكننا مع ذلك لا ننكر أهمية الدستور، كإطار عام، ونتمسك، خصوصاً في الظرف السياسي الراهن، بالحفاظ على الضمانات الأساسية في الدستور الحالي، التي تستهدف السلطة تقليصها والانتقاص منها".وأوضحت "الاتحاد" في نهاية المقالة "إن معارضتنا لتنقيح الدستور تنطلق بالأساس من اعتبارين سياسيين هما:- الأجواء غير الديمقراطية التي يجري في ظلها التعديل،- الطبيعة الرجعية للتعديلات التي تنوي السلطة إدخالها على الدستور".وفي العدد الخامس عشر من "الاتحاد" الصادر في أبريل/ نيسان ـ مايو/ أيار من العام 1980كانت المقالة الافتتاحية تحت عنوان "التعديلات الرجعية على الدستور والبديل الديمقراطي"، حيث جاء فيها أن"التعديلات المتعلقة بتوسيع الصلاحيات التشريعية بيد الأمير ومجلس الوزراء التي يجري تبريها بحاجة الدولة لاتخاذ قرارات سريعة في القضايا الحيوية، تشمل إطلاق يد الأمير ومجلس الوزراء في إعلان الأحكام العرقية، وإصدار القوانين خلال فترة محددة ما لم يقرها مجلس الأمة بعد عرض مشروعات هذه القوانين عليه، واستثناء المعاهدات والاتفاقيات الدولية من أن تعرض على المجلس.أما التعديلات التي تقترحها الحكومة باتجاه تقليص صلاحيات ودور مجلس الأمة وحصانه أعضائه، فإنها تتضمن تعقيد إجراءا حق مجلس الأمة في فتح بند ما يستجد من أمور لمناقشة سياسة الحكومة وذلك عن طريق رفع عدد الأعضاء الذين يحق لهم طلب ذلك من خمسة أعضاء إلى 15 عضواً، وتوسيع حالات رفع الحصانة عن النواب وجعلها عن طريق الحكومة مباشرة بدلاً من أن تتم إجراءاتها من خلال النيابة العامة، والحد من صلاحية مجلس الأمة في مناقشة أمور السياسة الخارجية، وهي تعديلات من شأنها تحويل مجلس الأمة إلى مجرد هيئة استشارية لا حول بيدها ولا قوة بدلاً من أن يكون المجلس هيئة دستورية للتشريع والرقابة.وتتجه تعديلات الحكومة على الدستور للإبقاء على القوانين التي صدرت منذ هجمة أغسطس 1979 وتعقيد عملية تعديلها وإضفاء الشرعية عليها، بحجة توفير الاستقرار للأوضاع والمراكز القانونية التي نشأت، وبالطبع فإن القوانين المعنية هنا هي قانون المطبوعات والنشر الذي قيّد حرية الصحافة وقانون الاجتماعات والتجمعات.وهكذا يتضح أن التعديلات التي تنوي الحكومة إدخالها على الدستور هي تعديلات رجعية ومقيدة للحريات، وهي بالتالي استمرار لنفس النهج الذي سارت عليه الحكومة منذ أغسطس 1976، نهج تقييد الحريات العامة وتصفية المكتسبات الدستورية لشعبنا".واختتمت "الاتحاد" مقالتها بالتأكيد على " أنّ البديل الديمقراطي الذي يستجيب لمطالب شعبنا هو إطلاق الحريات العامة للشعب، وإلغاء القوانين والإجراءات المقيدة للحريات وخصوصا التي فرضت على شعبنا منذ هجمة أغسطس 76، والحفاظ على الضمانات الدستورية الأساسية ووضعها موضع التطبيق، وعودة الحياة البرلمانية على أسس ديمقراطية".كما حرص حزب اتحاد الشعب في الكويت على توسيع نطاق فضحه لتلك التعديلات، حيث أصدر بياناً جماهيرياً في يونيو/ حزيران من العام 1980 تحت عنوان "لا للتعديلات الرجعية على الدستور".فشل الانقلاب السلطوي على الدستور:تحت ضغط عوامل عديدة كان من بينها رفض لجنة تنقيح الدستور، التي عينتها السلطة لاقتراحات السلطة ذاتها لتنقيح الدستور، والتطورات التي شهدتها المنطقة بعد الثورة الإيرانية بعد إطاحة نظام الشاه، فقد شعرت السلطة بضرورة التراجع عن المضي قدماً في انقلابها، وتقديم بعض التنازل، عن طريق الإعلان عن قرب عودة العمل بالدستور وعودة الحياة النيابية، ولكنها في الوقت نفسه، كانت تعد العدة لتغيير النظام الانتخابي وتفتيت الدوائر الانتخابية العشر إلى خمس وعشرين دائرة صغيرة، ليسهل عليها التدخل في الانتخابات والتحكم في نتائجها تمهيداً لتمرير مشروعها لتنقيح الدستور، الذي فشلت في تمريره عبر اللجنة من خلال مجلس الأمة الجديد، وهذا ما فضحه الشيوعيون الكويتيون عبر نشرتهم "الاتحاد" التي نشرت في عددها السادس عشر الصادر في أغسطس/ آب ـ سبتمبر/ أيلول من العام 1980 في مقالة تحت عنوان "المطالب الديمقراطية لشعبنا" جاء فيها: "إن الإعلان عن عودة مجلس الأمة بحد ذاته يوضح بهذه الدرجة أو تلك عجز السلطة عن الاستمرار في تعطيل كافة أشكال الحياة الدستورية والبرلمانية"وتمضي المقالة بتوضيح أنه "إذا كانت السلطة بإعلانها عن قرب عودة مجلس الأمة في انتخابات قادمة تريد أن تعيد صورة الحياة البرلمانية، فإنها تريد بالأساس أن يقر المجلس التعديلات التي اقترحتها على الدستور"... وأضافت "إن هذه الانتخابات لن تجري كما هو واضح وسط أجواء ديمقراطية ملائمة، وإنما ستجري في ظل سطوة قانون المطبوعات والنشر، الذي جرى تعديله ليكبل حرية الصحافة، وقانون الاجتماعات الذي يقيد حرية الاجتماع، هذا إلى جانب القيود المفروضة على نشاط الهيئات الشعبية"، وأنهت "الاتحاد" مقالتها بالتأكيد على "إن الطريق الذي سارت عليه السلطة منذ هجمة أغسطس 1976 طريق مسدود بوجهها،، ولكن هل يكفي إعلانها عن عودة الحياة البرلمانية لنقول إن السلطة قد تراجعت عن ذلك الطريق بأكمله؟ بالطبع لا... فالسلطة لا تزال تسير في نفس الطريق".خلاصة القول، إنّ حزب الاتحاد الشعب في الكويت كانت له مساهمة ملموسة وبارزة في النضال الديمقراطي ضد الانقلاب السلطوي الأول على الدستور الذي استمر أكثر من أربع سنوات خلال الفترة الممتدة بين أغسطس/آب من العام 1976 إلى فبراير/ شباط من العام 1981، مستفيداً من تكوينه النضالي غير الانتخابي.وسأواصل بعد فترة كتابة حلقات أخرى وسلسلة جديدة من هذه المقالات التي تسعى إلى المساهمة في كتابة تاريخ حزب اتحاد الشعب في الكويت.