February 2018
14

واقع المشاركة ووهم الإصلاح!

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

مر عام وثلاثة أشهر منذ انتخاب أعضاء مجلس الأمة الحالي؛ حيث كانت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات هي الأعلى منذ اقرار قانون حقوق المرأة السياسية، فقد تجاوزت الـ 70 في المئة، كما جاءت النتيجة صادمة للبعض بتغيير 30 نائباً من أصل 50 في مجلس 2013، إضافة لدخول العديد من الوجوه المعارضة؛ منها العائد بعد المقاطعة ومنها الجديد، ما أعطى البعض انطباعاً خاطئاً بأن هذا المجلس سيشكل كابوساً بالنسبة للحكومة، بل إن العديد تنبأوا بأن يتم حل هذا المجلس قبل انتهاء دور الانعقاد الأول!لقد خاض العديد من نواب مجلس 2016 الانتخابات بشعارات رنانة ووعود غير واقعية بالاصلاح وحل المشاكل العالقة؛ وأنا هنا أتحدث عن الوجوه المعارضة وليس نواب تخليص المعاملات أو الانتخابات الفرعية، متجاهلين حقيقة استحالة تشكيل كتلة برلمانية ضاغطة. ناهيك عن انعدام إمكانية تشكيل أغلبية برلمانية تستطيع تمرير ما تريد إقراره من قوانين. ففي ظل استمرار العمل بقانون الصوت الواحد المجزوء، تبقى الحكومة هي صاحبة اليد العليا في المجلس فلا يمكن لأي غالبية أن تتشكل في البرلمان.نتيجة لذلك لم يستطع اعضاء المجلس من المعارضين تمرير القوانين التي وعدوا بها، فقد فشلوا في اقرار قانون تحصين المواطنة، كما فشلوا في إقرار قانون العفو الشامل، أما تغيير النظام الانتخابي فلم يناقش حتى يومنا هذا، على الرغم أن بعضهم كان يقسم بأن يكون هذا القانون هو أول ما سيقدمه في حال نجاحه. كما رضخ بعض النواب الأشاوس للحكومة، بل حملوا لواء الدفاع عنها وأعلنوا أن رئيسها محصن ضد كل من تسوّل له نفسه أن يستجوبه، في سبيل عودة الجناسي المسحوبة سياسياً، فما عادت سوى جناسي أسرة البرغش الكريمة، ولا يزال ذلك الملف معلقاً حتى الآن... بل ربما نساه البعض.في المقابل، تمكن هذا المجلس من ابعاد وزيرين من أبناء الأسرة الحاكمة بعد جمع العدد الكافي لسحب الثقة منهما، فهل يعد ذلك مقياساً لنجاح المجلس؟الحقيقة انه لم يكن للمجلس أن ينجح في جمع العدد اللازم لسحب الثقة من الوزيرين، لولا وجود رأي عام ضاغط بهذا الاتجاه، فقد اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في تلك الفترة، مطالبة النواب بتحديد موقفهم من الاستجواب وطرح الثقة، بينما حصل العكس في استجواب وزيرة الشؤون، حيث كان الانقسام واضحا في الشارع بين مؤيد ومعارض، فعبرت الوزيرة جلسة طرح الثقة بكل سهولة.إن ما حدث خلال العام الماضي يؤكد لنا أهمية الرأي العام في المعادلة السياسية، فعلى الرغم من استحالة تشكيل غالبية برلمانية أو كتلة ضاغطة مؤثرة في البرلمان، إلا أن الرأي العام بامكانه أن يغير مجرى الأمور ويعادل قليلاً ميزان القوى الذي يصب لصالح الحكومة، وأقول انه جاء «ليؤكد» لقناعتي التامة بأن هذا هو الواقع منذ بداية العمل بالدستور وبداية العملية الانتخابية، فلم يسبق أن نجح البرلمان في تمرير أي قانون عارضته الحكومة من دون وجود تأييد شعبي ورأي عام قوي مؤيد لذلك القانون. كما سبق أن فشلت الحكومة في تمرير بعض مشاريعها رغم امتلاكها للغالبية البرلمانية الكافية، وذلك بسبب تشكّل رأي عام واسع ضدها، كما حدث في مشروع تنقيح الدستور في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وقانون الخصخصة قبل إجراء تعديلات جوهرية عليه، ومشروع قانون الإعلام الموحد.نأتي اليوم أمام هذا الواقع السياسي الجديد، فقد فُرضت المشاركة في الانتخابات البرلمانية كواقع خصوصاً بتلك النسبة الكبيرة في الانتخابات الأخيرة التي انهت معها المقاطعة المستمرة منذ عام 2012، وقد بات واضحاً للجميع أن البرلمان لا يملك الأدوات الكافية لتحقيق طموحات الشعب، فما هو الحل؟في اعتقادي، ان المقاطعة لعبت دوراً لا بأس فيه في بدايتها ولكن لم يعد استمرارها واقعياً، فالسياسي الحقيقي، وبالأساس السياسي المعارض، هو من يعمل بين الجماهير فيكسب ثقتها ويوجهها، وغالبية الشعب توجهت نحو خيار المشاركة، وليس من المنطقي أن يعزل السياسي نفسه عن الناس... أما بالنسبة للمشاركة في العمل البرلماني، فيجب أن نعي أن الاصلاح من خلال العمل البرلماني فقط خيار غير ممكن، ولكن في الإمكان الاستفادة من البرلمان كمنبر لتوعية الشعب وخلق رأي عام ضاغط قد يساهم في تحقيق جزء بسيط مما نطمح له أو على أقل تقدير قد يكف أذى الحكومة عن الشعب، لذلك يجب أن يتوقف الساسة عن الترويج لوهم الإصلاح من الداخل لكي لا يفقدوا ثقة الشارع!بقلم الدكتور حمد الأنصارينشر في صحيفة الراي الكويتية عدد 13 فبراير 2018