June 2018
3

لا أوهام في ديمقراطية الإسبان

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

أذاعت وكالات الأنباء، يوم أول من أمس( الجمعة 1 يونيو 2018م)، مقطع فيديو قصير( مرفق)، يظهر فيه زعيم المعارضة الإسبانية بيدرو سانشيز من مواليد 1972م (أرجو حفظ تاريخ ميلاده)واقفا إلى جانب ملك إسبانيا ڤيليبي السادس من مواليد سنة 1968( لا داع لحفظ تاريخ مولد الملك لأن نظام الحكم في إسبانيا ملكي دستوري، لا سلطة سياسية فيه للملك، والحاكم الحقيقي هو رئيس الوزراء المنتخب من الشعب).https://youtu.be/L6dFqZsS-8Iالملك، بالمناسبة، هو الرجل الفارع الطول(197سم).في اللقطة التالية من المقطع يظهر رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي ذو اللحية البيضاء وهو يصافح زعيم المعارضة على درج البرلمان مهنّئا إيّاه على نجاحه في طرح الثقة فيه (راخوي) وإسقاطه عن رئاسة الحكومة.زعيم المعارضة بيدرو سانشيز عضو في حزب العمال الاشتراكي(يسار)، ورئيس الوزراء ماريانو راخوي عضو في حزب الشعب(يمين الوسط). وما حدث باختصار هو أن سانشيز استطاع إقناع 180 نائبا من أصل 350 نائبا هو عدد أعضاء البرلمان الإسباني، للتصويت مع طرح الثقة برئيس الوزراء راخوي بعد صدور أحكام قضائية تثبت تورّط حزبه في قضايا فساد.وفور إعلان النتيجة، اختار البرلمان بيدرو سانشيز رئيسا جديدا للحكومة بدلا من ماريانو راخوي الذي خطب مودعا الأمة:" يشرفني ترك إسبانيا في حال أفضل مما وجدتها عليه".وفي الحقيقة فإن راخوي قد فعل ذلك بالفعل وأنقذ إسبانيا من أزمة اقتصادية طاحنة.قد يبدو المشهد رائعا جدا وورديا، لكن مقطع الفيديو، الذي لا تتجاوز مدته الـ 51 ثانية، يخفي تاريخا سياسيا متقلبا ودمويا لا مثيل له في أوربا خلال القرن الـ 20.ففي عام 1931م اكتسح مرشحو الأحزاب اليسارية الانتخابات العامة في إسبانيا ونزل مؤيدوهم إلى الشوارع مطالبين بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، لكن الملك ألفونس الـ 13( جد الملك السابق خوان كارلوس والد ڤيليبّي الملك الحالي) رفض مطالب الجمهوريين، فتصاعدت الأزمة وكادت أن تندلع المصادمات بين المؤيدين للجمهورية والمؤيدين للملكية، لولا أن الملك أعلن تنازله عن العرش وغادر إلى إيطاليا التي اختارها كمنفى له ولأسرته.وفي 9 ديسمبر 1931م تم إعلان قيام الجمهورية التي تولّى إدارتها الاشتراكيون.استطاعت الجمهورية الوليدة الثبات في وجه المؤامرات التي دبّرتها الجهات المتضررة من الإصلاحات الاشتراكية وعلى رأسها الكنيسة وكبار الاقطاعيين والرتب العليا في الجيش.وفي 17 يوليو 1936م قاد الجنرال فرانسيسكو فرانكو انقلابا عسكريا ضد الجمهورية المنتخبة، فاندلعت الحرب الأهلية بين أنصار الجمهورية( قوى اليسار والعمال والفلاحين) وأنصار الملكية( الجيش والكنيسة والقوى الفاشية والوطنية).استطاع فرانكو الانتصار في الحرب الدامية التي استمرت 3 سنوات وذهب ضحيتها ملايين البشر، وانفرد بالحكم عام 1939م. اشتهرت حقبة فرانكو بالقمع والوحشية والتسلّط.في عام 1947م أعلن فرانكو عودة النظام الملكي من جديد. لكنه عيّن نفسه وصيا على العرش كما اختص نفسه بصلاحية اختيار الملك القادم وتوقيت تعيينه.وبعد 22 سنة أي في 1969م أعلن فرانكو اختيار خوان كارلوس(حفيد ألفونسو)كوريث للعرش.وفي 20 نوفمبر 1975م مات الديكتاتور فرانسيكو فرانكو حتف أنفه، وبعد يومين تولّى خوان كارلوس الحكم كملك على عرش إسبانيا. وقام على الفور بسن قانون الإصلاح السياسي.. فأطلق سراح المعتقلين السياسيين وسمح بقيام الأحزاب السياسية وأعلن تأييده التام للديمقراطية، ودعا الشعب الإسباني عام 1977م لانتخاب أعضاء البرلمان. وفي 27 ديسمبر 1978م أقر البرلمان الدستور الجديد الذي قلّص أهم صلاحيات الملك ومن بينها منعه من المشاركة في العمل السياسي، فأصبح نظام الحكم الإسباني نظاما ملكيا دستوريا.بدأت إسبانيا المترددة والمتشككة في السير إلى الأمام للحاق بالركب الأوربي الذي كان قد سبقها كثيرا إلى التطور والنجاح.لكن القادة العسكريين لم يستطيعوا التكيّف مع الحكم المدني، فقاموا في صباح 23 فبراير 1981م بعملية إنقلابية تم خلالها السيطرة على البرلمان واحتجاز النواب، كما غادرت الدبابات ثكناتها نحو الشوارع، ونجح الإنقلابيون في السيطرة على التلفزيون الرسمي.وخلال ساعات معدودة نجح الملك خوان كارلوس في الظهور على شاشات التلفزيون منددا بالانقلاب وقال بحزم" هذا انقلاب عسكري، ولن أسمح بنجاحه ولو على جثتي".دافع الملك عن الديمقراطية، ففشل الإنقلاب، واضطرت الدبابات إلى العودة، مرغمة، إلى ثكناتها. واستعاد النواب مقاعدهم في البرلمان، لتكمل الديمقراطية الإسبانية مسيرتها حتى بلغت أشدّها وأوجّها يوم الجمعة الماضي عندما حقق النواب سابقة ديمقراطية لا مثيل لها من قبل، تمثّلت في طرح الثقة برئيس الوزراء الفاسد ماريانو راخوي واستبداله بزعيم المعارضة بيدرو سانشيز الاشتراكي الشاب الذي وُلِد قبل ولادة الدستور الحالي بـ 6 سنوات.بقلم عبدالهادي الجميل