البنية الاقتصادية الراهنة في الكويت والبديل الذي تطرحه الحركة التقدمية الكويتية
ارتكز التطور الرأسمالي المشوه والتابع لبلادنا منذ نهاية أربعينيات القرن العشرين على بنية اقتصادية ريعية ذات مورد أحادي، وارتباط تبعي بالنظام الرأسمالي العالمي عبر تأدية وظيفة متخلفة في إطار التقسيم الدولي للعمل تتمثل في تصدير النفط الخام.وقد أدى التطور المشوه للاقتصاد الوطني وطبيعته الريعية؛ والدور الطفيلي والتابع لرأس المال الكويتي، والنهج الاقتصادي للقوى الاجتماعية المتنفذة إلى جملة من النتائج السلبية على اقتصادنا الوطني وخط تطوره. وأهم هذه النتائج، اختلال توازن البنية الاقتصادية لصالح القطاعات غير المنتجة والتطور الأحادي الجانب، وإعاقة نمو وتطور القوى المنتجة المادية والبشرية وتكريس تخلفها، وأصبحت إيرادات بيع النفط الخام تشكّل مصدر النشاط الاقتصادي، مع ملاحظة ضعف صلتها ببقية القطاعات الاقتصادية باستثناء صلة التمويل، وما يتهدد الموارد النفطية من مخاطر النضوب بفعل الاستنزاف أو جراء ما يمكن أن يسمى "النضوب التقني" في حال إنتاج طاقة بديلة بكلفة مناسبة، ناهيك عن تذبذب أسعار النفط وما تنجم عنه من أزمات.وتبرز تبعية الاقتصاد الكويتي في أدائه وظيفة متخلفة في إطار التقسيم الدولي للعمل تتمثل في تصدير النفط كمادة خام واستيراد كافة احتياجات البلاد من الخارج، واستثمار الاحتياطي المالي العام وتحويلات القطاع الخاص إلى الخارج على هيئة ودائع أو أصول ثابتة مما يعزز الشراكة الطبقية مع الاحتكارات من موقع التبعية. مع ملاحظة ما تواجهه هذه الاستثمارات من انخفاض لدخولها وتآكل قيمة أصولها، وكونها بالأساس محاطة بالكتمان والسرية وخاضعة لسيطرة أجنبية وإدارة تتولاها عناصر فاسدة.ويتضح الطابع الطفيلي للاقتصاد الكويتي في تلك الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك لغير صالح تراكم حقيقي لرأس المال، والتي تتم تغطيتها عن طريق ريع النفط، وتضخم الإنفاق الحكومي وارتباطه بسياسة غير عادلة لتوزيع الدخل والتصرف بالثروة الوطنية. وهذا ما أدى إلى إهدار جانب كبير من هذه الثروة وتنامي فئات طفيلية لا تقوم بأية وظيفة اجتماعية مفيدة، ونمو رأس المال المالي والربوي واتساع عمليات المضاربة والسمسرة، وضعف ارتباط القطاع المصرفي بالاستثمار الإنتاجي، وهيمنة القطاعات غير الإنتاجية كالعقار والتجارة، وما يرافق ذلك من انتشار لقيم المجتمع الاستهلاكي والموقف السلبي من العمل المنتج.ويتخذ التوزيع غير العادل للدخل والثروة الوطنية مظاهر عديدة أدت إلى اتساع الفوارق الطبقية في المجتمع الكويتي وتمركز رأس المال والثروة في أيدي فئة وأسر محدودة، وتوجيه سياسة الإنفاق لصالحها، عن طريق الاستملاكات، والتعويضات، والأرباح الكبيرة التي يحصل عليها المقاولون الكبار عند تنفيذ المشاريع العامة، ودفع قوة شرائية كبيرة إلى السوق مع السماح بارتفاع هوامش الربح دون حدود وعدم فرض ضرائب على الدخول المرتفعة، إلى جانب التنفيع والفساد عبر أشكال متنوعة من الرشوة والمحسوبية والتلاعب بالمقدرات العامة واستغلال النفوذ.كما جرى وضع أكثر من خطة للتنمية إلا أنها بقيت حبراً على ورق في ظل انفلات رأس المال الخاص وعدم مبالاته بالمسؤوليات الاجتماعية وعدم مساهمته في هذه البرامج والخطط التي يُنظر إليها على أنها مجرد برمجة زمنية لصرف الميزانيات السنوية، بالإضافة إلى غياب الرؤية التنموية الإستراتيجية الواضحة والمشروع التنموي البديل لنهج الاقتصاد الريعي، ناهيك عن عدم مراعاتها مبدأ العدالة الاجتماعية، وضعف اهتمامها ببناء الإنسان.وإزاء فشل وإفلاس النهج الاقتصادي القائم وعدم ارتباطه بالمصالح الأساسية لغالبية الفئات الشعبية، لابد من انتهاج سياسة اقتصادية وطنية بديلة لبناء اقتصاد وطني متطور ومستقل بهدف تجاوز أوضاع التخلف والتبعية والنهب الطفيلي واستباحة المال العام والتوزيع غير العادل للثروة وغياب التخطيط.نحو سياسة اقتصادية وطنية بديلة:إنّ ما تعانيه البنية الاقتصادية الرأسمالية الريعية المشوهة والتابعة من اختلالات هيكلية تتطلب انتهاج سياسة اقتصادية وطنية بديلة لبناء اقتصاد وطني منتج ومتطور ومستقل، وهذا ما يمكن أن يتحقق عن طريق:1- اعتماد نهج التخطيط العلمي ووضع خطة إستراتيجية طويلة المدى للتنمية الشاملة والمستدامة، والالتزام بتنفيذها، بحيث تستهدف تعبئة طاقات البلاد ومواردها ويكون الإنسان هو محور هذه التنمية وهدفها الأول، بما يساعد على تحقيق التناسب بين فروع الإنتاج والخدمات، وتوزيع الدخل توزيعاً سليماً بين التراكم والاستهلاك على أسس تراعي العدالة الاجتماعية.2- تنويع وتوسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، بإقامة صناعة وطنية تعتمد على أحدث التقنيات، وتوفير الحماية والدعم لها باعتماد خطة تصنيع تتلاءم مع إمكانيات البلاد ومتطلبات السوق الداخلي والخليجي، وتسهم في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، وذلك بتشجيع الصناعة الوطنية وتوفير الحوافز الملائمة لتطويرها وتطوير الكادرين الفني والإداري المحلي فيها، والتركيز على الصناعات البتروكيماوية وتطوير الصناعات القائمة وخصوصاً المعتمدة على النفط. هذا إلى جانب الاهتمام باستغلال الثروة السمكية، وتطوير قطاع الملاحة والنقل البحري. والاهتمام بالزراعة وتوفير مصادر المياه واعتماد الأساليب التقنية الحديثة في الزراعة، وتوفير القروض الميسرة وتشجيع الجمعيات التعاونية الإنتاجية الزراعية.3- الاستخدام العقلاني الرشيد وطويل الأمد للثروة النفطية وإبقائها بيد الدولة ورفض خصخصتها وصد الأبواب أمام سعي شركات النفط العالمية الكبرى لإعادة هيمنتها عليها تحت غطاء اتفاقيات المشاركة في الإنتاج، وربط سياسة إنتاج النفط وتصديره بمتطلبات تطوير اقتصادنا الوطني واحتياجاته الفعلية؛ وكذلك ربطها بحجم الاحتياطيات النفطية الحقيقية القابلة للاستخراج، ووضع ضوابط للحد من استنزاف الثروة النفطية، وتعزيز وحدة الأوبيك في مواجهة الاحتكارات، والعمل مع بقية دول الأوبيك والدول الأخرى المنتجة والمصدرة للنفط على اعتماد وحدة حسابية أخرى لمعاملات النفط الدولية بدلاً من عملة الدولار الأميركي المتآكلة باستمرار.واستعمال مصادر الطاقة البديلة النظيفة الأخرى لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأمواج.4- تنمية الموارد البشرية المحلية وتعبئتها، وتأهيل قوة العمل الوطنية، بمَنْ فيهم الكويتيين البدون، والاعتماد عليها وعلى العمالة المستقرة والوافدين العاملين بدلاً من جلب المزيد من العمالة الأجنبية الجديدة.5- الاهتمام بقطاع الدولة (القطاع العام) في الاقتصاد وتوسيعه، وتحسين إدارته وإعادة تنظيم مؤسساته وتنشيط فعاليتها وفقاً لأصول الإدارة الحديثة، ومراقبة أدائها، وتطوير القطاع المشترك، واستثمار المال الاحتياطي العام للدولة في مشاريع منتجة من أجل رفع وتائر النمو الاقتصادي، ورفض التصفية النهائية لقطاع الدولة (القطاع العام) ومحاولات تقليص الدور الاقتصادي للدولة عبر الخصخصة، وبالأساس لإنتاج النفط والغاز والمصافي والتعليم والصحة والنشاطات الاقتصادية المنتجة والناجحة في القطاع العام. مع التأكيد على أهمية الدور الريادي للدولة في الاقتصاد كضمانة ليس لتعظيم الإنتاج فقط، بل لتوفير فرص العمل للمواطنين وعدالة التوزيع وحماية النشاطات الخدمية الحيوية.6- عدم تقديس آلية السوق ومحاولة إضفاء طابع سحري خادع عليها في حلّ المشكلات الاقتصادية، حيث ثبت أنّ اعتماد آلية السوق من شأنه تجاهل المسؤولية الاجتماعية لرأس المال؛ وعدم تحقيق نمو اقتصادي متوازن واستغلال أنسب للموارد، وإنما الهدف منه تعظيم الأرباح.7- تشجيع النشاطات الانتاجية في القطاع الخاص، وتقديم التسهيلات والحوافز اللازمة كي يدخل القطاع الخاص في مجالات استثمار إنتاجية ذات مستويات تقنية عالية، ليسهم في إعادة البناء الاقتصادي وتوازنه، بدلاً من اختلاله الناجم عن غلبة الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الساخنة كالمال والعقار، مع ضرورة تحمّل هذا القطاع تبعات اختياراته الاقتصادية، وتأكيد المسؤولية الاجتماعية لرأس المال في توفير فرص العمل ودفع ضرائب على الدخل بهدف المساهمة في تمويل الميزانية العامة للدولة.8- الأخذ بسياسة مالية ونقدية تستهدف تشجيع الاستثمار الإنتاجي؛ والحد من مظاهر التضخم النقدي، والرقابة على القطاعين المالي والمصرفي وتجنّب محاولات فرض السيطرة الأجنبية عليهما، ووضع نظام ضريبي يتجه بالأساس نحو فرض الضريبة التصاعدية على دخول الشركات الكبيرة والبنوك.9- تبني سياسة الاستثمار الواعي اقتصادياً واجتماعياً للفوائض والاستقطاعات التي تتم لصندوق الأجيال القادمة واستثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومؤسسة البترول الكويتية، وتوجيه هذه الاستثمارات العامة والحكومية نحو تحقيق أهداف استثمارها بعائد جيد وبأقل درجة من المخاطر وعدم استثمارها في البلدان التي قامت بتجميد أرصدة الدول الأخرى، وتوجيهها نحو البلدان الخليجية والعربية ما أمكن، ورفض تدفقات الاستثمارات الأجنبية لأغراض المضاربة أو ضمن حسابات التوازنات السياسية الخارجية والمحلية التي تحددها المصالح الضيقة للسلطة وحلفها الطبقي، مع ضمان الشفافية والرقابة وإبعاد العناصر الفاسدة عن إدارة هذه الاستثمارات.10- وضع سياسة عقلانية للاستيراد، ودعم الجمعيات التعاونية عن طريق إعادة تنظيم القطاع التعاوني وتطويره وتعزيز دوره في فروع الاقتصاد الوطني الإنتاجية والخدمية، ورفض خصخصته مع العمل على تخليصه من الفساد، وإخضاعه للرقابة والشفافية من جانب المساهمين وتحريره من الوصاية الحكومية المفروضة عليه. وتوفير التسهيلات والحماية لصغار ومتوسطي التجار.11- إحداث إصلاح إداري شامل بحيث يتم تطوير الإدارة الحكومية لتكون في خدمة المواطنين والمجتمع، وتوجيه نشاط جهاز الدولة ككل بشكل أكثر انتظاماً وانسجاماً، ومعالجة مشاكل التضخم الوظيفي وانخفاض الإنتاجية والفساد الإداري، ووضع أسس موضوعية عادلة وشفافة للترقية والتقدم الوظيفي، والتخفيف من الشكليات الإدارية والبيروقراطية والروتين، والاستفادة من التقنية الحديثة للمعلومات والاتصالات في تطوير الخدمات الإدارية.12- المساهمة في وضع قواعد نظام اقتصادي دولي جديد يخدم أهداف التنمية الوطنية وتعزيز الاستقلال الوطني للبلدان النامية وتحقيق التعاون متبادل المنفعة، مع العمل على تعزيز وحدة الأوبيك لمواجهة الاحتكارات النفطية والحصول على أسعار عادلة للنفط، والمساهمة في توفير أسس تكامل الاقتصاد الكويتي مع اقتصادات بلدان منطقة الخليج والجزيرة والبلاد العربية والاهتمام بالتعاون الاقتصادي مع الدول ذات التوجهات التقدمية.