January 2018
24

الإبعاد الإداري .. سوط الاستعباد الجديد

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

تخيل معي عزيزي القارئ أنك نويت أن تقضي أمسية نهاية أسبوع مع عائلتك على شاطئ البحر يتخللها الشواء وقضاء أوقات عائلية سعيدة ومفعمة بالحب، ولكن ينتهي بك الأمر في زنزانة الأمن تمهيدًا لإحالتك لإدارة الإبعاد "وتسفيرك" لأنك قمت بذلك، أو تخيل أن أبنتك الوليدة أصابتها الحمى عند منتصف الليل و أسرعت إلى الصيدلية دون أن تحمل أثباتك من شدة الخوف ويستوقفك رجل الأمن ليسألك عن اثباتك فتستوعب بأنك قد نسيته من فرط استعجالك وخوفك لتكون النتيجة حجزك في زنزانة المخفر تمهيداً لإحالتك لإدارة الإبعاد "وتسفيرك" لخروجك دون اثبات، أو أنك قد أنهيت مدة عملك في البلاد وتريد المغادرة ولم يرغب سيدك -لفظ أدق من "كفيلك" وفق منظومة الكفالة في الكويت- في تحمل تكاليف تذكرتك فيذهب لوزارة الشؤون ليبلغ ببلاغ تغيبك عن العمل فيتم القبض عليك ورميك في إدارة الإبعاد "وتسفيرك" بل واجبارك على دفع قيمة تذكرتك، للوهلة الأولى قد تعتقد بأن هذه المواقف ماهي إلا من نسج الخيال ولا يمكن أن تكون حقيقية ولكن الحقيقة هي أن هذه المواقف ماهي إلا سيناريو يومي يعيشه وافدي الكويت.علينا التفريق بين الإبعاد القضائي والإبعاد الإداري، فالأول يصدر من محاكمة قضائية تحفظ كل ضمانات المتهم وتكفل له حق الدفاع عن نفسة ولا يُفترض فيها الشخصنة أو دوافع الانتقام أو الرغبة بإيذاء المتهم ويكون الابعاد فيها عقوبة تكميلية للعقوبة الأصلية، أما الإبعاد الإداري أداة معطاة لوزارة الداخلية من قبل المشرع يحق لها من خلال استخدامها ترحيل أي شخص غير كويتي في حال كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك، سوط الاستعباد الجديد، أول وأهم انتهاكات حقوق العمال في الكويت، التصرف الذي ينسف المبادئ الدستورية والإنسانية الأساسية والمحرك الأول للتهديد الشهير "أسفرك".حسنًا، لماذا نطالب بإلغاء الإبعاد الإداري أو تهذيبه على الأقل، في البداية الاعتراض الأول هو إطلاق يد وزارة الداخلية في بالإبعاد "دون وجود رقابة عليها"، مما قد يجعلنا نقع في وحدة المخاصمة والحكم، والواسطة والمحسوبية، فوجود طرف يملك القوة والأدوات -الداخلية- وطرف آخر لا يملك سوى الانصياع والتنفيذ -الوافد- يجعل من الإبعاد جرافة لظلم الناس والتجبر عليهم وقطع أرزاقهم والتحكم بنمط معيشتهم، أما الاعتراض الثاني يكمن في عدم إعطاء الوافد أي ضمانه من ضمانات الدفاع عن النفس أو الطعن والاعتراض على القرار فمنذ إصدار قرار الابعاد سيكون حبيس سجن الإبعاد حتى يتم تسليمه لأمن المطار وادخاله للطائرة المتجهة لبلدة، دون المرور بقنوات حفظ الضمانات ولا حتى تبرير موقفه وهنا تكمن المخالفة الفجة والجسيمة للنظام القانوني الكويتي الصارم، أما الاعتراض الثالث فيكمن في عدم تحديد المخالفات التي من حق وزارة الداخلية إبعاد الوافد حال أرتكبها، فالإبعاد مطلق تحت ذريعة "مخالفة النظام العام" وهو الأمر الهلامي وغير محدد المعالم فيمكن تكييف أي فعل على أنه مخالفة للنظام العام مما يجعل الأمر مربك للوافدين ويجعلهم تحت ضغط غير إنساني، حتى يصبح منظر دورية الشرطة مصدر فزع وجزع بدل أن يكون مصدر للأمن والاستقرار، وكذلك فتح الباب أمام المتنفذين لإجبار الوافد على مغادرة البلاد بدون ذريعة أو مسبب حتى.بالطبع المسبب الأول لوجود هذا النوع من الإبعاد هو نظام الكفالة -الذي فرضته تلك الرأسمالية المعيوبة وغير الإنسانية-، ويبدأ الحل الأول بإلغاء نظام الكفالة والاستعباد البشري، فمتى ما لم يجد الكفيل عامله الوافد بقربة يحق له تقديم بلاغ التغيب والذي يؤدي قطعًا للإبعاد الإداري وكأن العامل الوافد عبد يجب ألا يفارق سيده! ولذلك يجب إعادة النظر في بلاغات التغييب -الكيدية في أغلب أحيانها- وكذلك تعويم نظام الكفالة تمهيدًا للقضاء عليه، واستبداله بنظام يعطي العامل الحق المطلق باختيار مكان عمله دون وجود أسم شخص مدون خلف بطاقته المدنية والذي يجب أن يبقى في ذمته حتى يعتقه! فقد وصل الأمر إلى رقم مرعب حيث يتم إبعاد أربعة وافدين كل ساعة في الغالب بسبب تعنت أرباب عملهم أو بلاغات التغيب الكيدية من قبلهم.تبقى المشكلة متعددة الجذور والحلول، ولكن ما هو مؤكد أن هذا الوضع غير إنساني ولا يحمل أي معنى من معاني الحياة الكريمة، كما يؤدي بشكل مباشر إلى تضخم الذات الكويتية أمام بقية البشر وترسخ مفاهيم سلبيه جدًا بعقلية الكويتي والوافد، وكذلك ترسخ القفز فوق دولة القانون ومؤسساتها والتحكم بمصائر البشر وفق إرادة فردية لا يليها حساب أو عقاب، هذه الأرض تتسع الجميع وعلينا أن نعمل بشكل مؤسسي وإعطاء كل إنسان حقوقه في الحياة وتقرير مصيره وفق القانون مع عدم إعطاء سلطات مطلقة لأي مؤسسة كي لا تنحرف وتتعسف في استخدام صلاحياتها.فهد بن ماهر٢٤ يناير ٢٠١٨