مقابلة أمين سر التيار التقدمي الكويتي د.فواز فرحان في صحيفة الطليعة
أكد فواز الفرحان، أمين سر التيار التقدمي أن مكمن الخلل في البلد يتلخص في وجود نزعة مشيخية تهيمن على السلطة، كونها غير مؤمنة بالديمقراطية أساساً، لذلك تقف حجر عثرة في طريق التطور الديمقراطي.
واعتبر الفرحان أن تلك السلطة تحاول، بكل ما أوتيت من وسائل، خدمة مشروع الحكم المشيخي وتغليبه على مشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، مؤكدا أن الأمثلة على ذلك متعددة، أبرزها الضغط في سبيل الانتقاص من الديمقراطية والحرية في جلسات المجلس التأسيسي، معتبراً أن محاضر المجلس التأسيسي كافية للدلالة على أن السلطة في ذلك الوقت كانت تساوم من أجل المزيد من المشيخية والعشائرية.
طرق بديلة
وعدَّد الفرحان أمثلة أخرى على محاولة السلطة ترسيخ الفكر السلطوي مستذكراً تزوير انتخابات 1967، بالإضافة الى الانقلابين الأول والثاني على الدستور في عامي 1976 و1986، بجانب ما حدث من تعطيل للحياة الديمقراطية وفرض قوانين قمعية خلال فترة قاربت على تسع سنوات بشكل منفصل، بالإضافة إلى تقسيم الدوائر الانتخابية تقسيماً فئوياً ومناطقياً وطائفياً إلى 25 دائرة في عام 1981، وابتداع ما يُسمى بالمجلس الوطني عام 1990.
وأضاف الفرحان أنه، وبعد فترة الغزو العراقي على الكويت عموماً، ومؤتمر جدة خصوصاً، لم تعد السلطة قادرة كالسابق على مهاجمة الحياة شبه الديمقراطية، وهامش الحرية بشكل مباشر، واستبدلت بذلك طرقاً أخرى، منها إفساد المؤسسة التشريعية، واعتماد عدم سيادة القانون، وبالتالي سيادة الواسطة والمحسوبية، لتستطيع التحكم في شكل البرلمان من حيث التأييد لها، بجانب دعم الحركات السياسية المتطرِّفة دينياً على حساب التيارات المدنية الجادة في مشروع تطوير البلد ديمقراطياً، فضلاً عن عدم الجدية في محاربة النعرات الفئوية، وفي بعض الأحيان ترك الحبل على الغارب لها لزيادة تفتيت المجتمع، وبالتالي قلة الوعي السياسي، وأمثلة كثيرة أخرى لأساليب السلطة.حزمة اصلاحات
واعتبر الفرحان أن التيار التقدمي يعتقد بأن السلطة إن لم تتخلَّ عن هذه النزعة غير المؤمنة بالديمقراطية، فإن البلد سيخرج من أزمة سياسية ويدخل إلى أخرى، وسنظل ندور في الحلقة المفرغة نفسها، أو كما يحب البعض أن يعبِّر: سنبقى في المربع الأول، مع أني لا أعتقد بوجود مربعات أصلاً لنكون في أولها.
ورأى الفرحان أنه لكي تكون الكويت قادرة على وضع قدمها في المربع رقم واحد، أو بتعبير آخر، لكي نبدأ طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، فنحن بحاجة إلى حزمة من الإصلاحات الحقيقية والتعديلات العميقة على المستوى السياسي، وصولاً إلى تنقيح الدستور وتعديل المواد التي تعرقل تطور البلاد ديمقراطياً، ومن خلال سنِّ قوانين تكفل هذا التطور المنشود.
روشتة العلاج
ووصف الفرحان أن روشتة العلاج تتلخص في خريطة طريق، مؤكداً أن التيار التقدمي الكويتي يرى أن تنظيم الحياة السياسية من خلال إشهار الهيئات السياسية على أساس ديمقراطي مدني بعيداً عن أي استقطاب قبلي أو طائفي أو فئوي عن طريق تشريع قانون يكفل ذلك بمنزلة الخطوة الأولى في تلك الخريطة المنتظرة.
وعن الخطوة التالية، قال الفرحان: يجب أن تتمثل في تغيير النظام الانتخابي الحالي المفتقد للعدالة، والقائم على الفردية والعلاقة الشخصية بين الناخب والمرشح، واستحداث نظام انتخابي في إطار دائرة واحدة وقوائم انتخابية بتمثيل نسبي وإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.
وأضاف الفرحان إلى جانب هاتين الخطوتين يجب تفعيل دستور (الحد الأدنى) والقيام بإصلاحات تشريعية مهمة، تؤدي إلى إصلاح القضاء (بما فيه القضاء الدستوري) وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحقيق المساواة دستورياً وقانونياً بين الكويتيين من الجنسين، وبغض النظر عن أي اعتبارات فئوية، وكذلك تنقيح «دستور الحد الأدنى» وتعديله بما يكفل التحول الكامل والسلس إلى النظام البرلماني الكامل في إطار الإمارة الدستورية تطبيقاً للمادتين 4 و6 من الدستور اللتين تحددان أن الإمارة لذرية مبارك الصباح، والحكم ديمقراطي، والسيادة للأمة.
وفي ما يتعلق بتصورات التيار التقدمي حول التعديلات الدستورية التي تكفل هذا التحول إلى النظام البرلماني في إطار الإمارة الدستورية (بالإضافة إلى خطوتي تنظيم الحياة السياسية وتعديل القانون الانتخابي)، قال الفرحان إن التيار التقدمي الكويتي يرى ضرورة تنقيح عدد من مواد الدستور، ما وصفه بالحد الأدنى: يأتي في المقدمة المادة 80، بحيث تقتصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين من دون منح الوزراء من غير النواب المنتخبين الحق في عضوية المجلس، بالإضافة إلى تنقيح المادة 98 بما يلزم أي حكومة جديدة أن تتقدم فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، لتنال الثقة النيابية على أساسه، فضلا عن تنقيح المادتين 101 و102، بحيث يمكن طرح الثقة في الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى الاستجواب، ومن دون تفريق بين طرح الثقة في الوزراء وفي رئيسهم واعتباره معتزلا لمنصبه، شأنه شأنهم من تاريخ عدم الثقة به، وعدم اشتراط تحكيم رئيس الدولة عند طرح الثقة في رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ قراره، إما بإعفاء الرئيس أو بحل مجلس الأمة، بجانب المادة 116 أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما يؤدي إلى تأكيد صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة.
واعتبر الفرحان أن الخطوات السابقة تكفل التطور الديمقراطي للبلد، وبالتالي تشكيل الحكومة من كتلة الأغلبية التي ستتكون على أساس سياسي واضح، بسبب طبيعة النظام الانتخابي المنشود، الذي ذكرت طبيعته أعلاه، وهذا يجعلنا نضمن الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية عموماً، واستقلالية الجسم القضائي خصوصاً.
ورأى الفرحان أنه، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة، من الممكن أن نرسخ ما أسماه حماية الحريات العامة والشخصية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنمية البلد، وكذلك وضع حلول حقيقية وجذرية لقضايا مثل: الكويتيين البدون، السكن، التضخم، البطالة، التعليم والقبول في الجامعة، الصحة والتطبيب وغيرها.
واعتبر أنه مع عدم تطبيق تلك الإصلاحات، ستظل الكويت تراوح مكانها، بسبب انشغالنا بالأزمات السياسية المتتالية، وغرقنا في الفساد الناتج عن وجود النزعة المشيخية التي تهيمن على السلطة.
الطليعة ١٨ يوليو ٢٠١٢