التنمية والقطاع الخاص... عن أي قطاع خاص يتحدثون؟
إن تركيز خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية على تسليم «الخيط والمخيط»، مثلما يقول المثل الشعبي، للقطاع الخاص تحت شعار «الخصخصة هي الحل»! من دون الأخذ في الاعتبار طبيعته، وتركيبته، وحجمه، وظروفه، هو كلام نظري يستنسخ نموذج مدرسة اقتصادية نيوليبرالية لا تتناسب مع واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
التنمية الإنسانية المستدامة تعني تلبية الحاجات الأساسية للإنسان، وتحسين مستوى معيشته وزيادة معدل رفاهيته وتطويره اجتماعياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً، فالإنسان هو محورها، والتنمية لا بُدّ أن تكون شاملة، أي اجتماعية وسياسية أيضا، فلا تقتصر على التنمية الاقتصادية التي تختلف عن النمو الاقتصادي الذي قد يكون ضاراً وغير عادل اجتماعياً. أضف إلى ذلك أن التنمية الحقيقية لا تقفز على واقع المجتمع وظروفه ومراحل تطوره الاقتصادي-الاجتماعي-السياسي بل تنطلق منها، فما يصلح في دولة ما ليس بالضرورة أن يكون صالحاً في دولة أخرى.أما قيادة عملية التنمية الإنسانية الشاملة والمستدامة وتوجهيها لتحقيق الأهداف العامة للمجتمع فهي مسؤولية الدولة التي تُحدّد دور كل قطاع من القطاعات المختلفة في تنفيذ خطط التنمية، بما في ذلك القطاع الخاص الذي من المفترض أن يكون قطاعاً إنتاجياً يعتمد على نفسه، ويساهم مساهمة فعلية في عملية التنمية، لا أن يكون عبئاً إضافياً على الدولة.بكلمات أخرى فإن للقطاع الخاص دوراً في عملية التنمية الإنسانية المستدامة، ولكنه يختلف من بلد إلى آخر، وبالتالي فدوره مختلف أيضاً تُحدّده الدولة بحسب طبيعته، ودرجة نموه، ومدى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وقدرته على خلق فرص عمل جديدة، وعدم الإضرار بالبيئة.أما الحديث المبالغ فيه وغير الواقعي عن القطاع الخاص لدينا، ودوره المحوري في عملية التنمية، فهو حديث عاطفي لا يخلو من مصلحة خاصة وانحياز اجتماعي واضح، فالقطاع الخاص في الكويت أو دول مجلس التعاون، على سبيل المثال يختلف اختلافاً كلياً عن القطاع الخاص في أميركا أو دول الاتحاد الأوروبي أو اليابان، وذلك بسبب اختلاف طبيعة كل منها وحجمه من جهة، واختلاف التشكيلة الاجتماعية- الاقتصادية -السياسية التي يعمل كل منها من خلاله من جهة أخرى.من هذا المنطلق فإن تركيز خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية على تسليم "الخيط والمخيط" مثلما يقول المثل الشعبي للقطاع الخاص تحت شعار "الخصخصة هي الحل"! من دون الأخذ في الاعتبار طبيعته، وتركيبته، وحجمه، وظروفه، هو كلام نظري يستنسخ نموذج مدرسة اقتصادية نيوليبرالية لا تتناسب مع واقعنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إذ من غير الممكن مقارنة قطاع خاص ريعي وضعيف في دولة ريعية ومعظمه قطاع عائلي تتركز جل أعماله في المضاربات المالية والمصرفية والعقارية، والاستيراد الخارجي والوكالات التجارية، والأنشطة الخدمية والاستهلاكية، ويعتمد على الإنفاق العام والدعم الحكومي السّخي، في حين لا يدفع ضرائب على الدخل والأرباح والثروة ولا يخلق فرصاً وظيفية للعمالة الوطنية، أي أنه يأخذ من الدولة أكثر بكثير جداً مما يضيف لها، بقطاع خاص إنتاجي في دول رأسمالية صناعية وديمقراطية متطورة، يعتمد على نفسه ويخلق فرص عمل ويدفع ضرائب تصاعدية.
د.بدر الديحاني
٢٣-مايو-٢٠١٦
جريدة الجريدة