لا تنمية مع تقييد الحريات
من غير الممكن عملياً تحقيق تنمية إنسانية مُستدامة من دون مشاركة شعبية في صنع السياسات واتخاذ القرارات العامة، ومن دون إطلاق الحريات العامة وحمايتها، وذلك لسبب بسيط، وهو أن هدف التنمية الإنسانية الأساسي هو تلبية حاجات الناس ومطالبهم وتحسين مستوى معيشتهم، إذ إن محورها هو الإنسان، وهذا يتطلب مشاركته مشاركة فعلية في اتخاذ القرارات العامة، وسماع صوته من أجل معرفة احتياجاته ورغباته ومطالبه، علاوة على عدم تقييد حريته في إبداء آرائه في تقييم السياسات العامة كي يمكن معرفة درجة رضاه عن أعمال الحكومة وما تقدمه من خدمات عامة.على هذا الأساس، فإن عدم المشاركة الشعبية أو ضعفها، وتقييد الحريات العامة ومن ضمنها حرية الرأي والتعبير التي تعكس جانباً أساسياً ومهماً منها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي معناه أن الحكومة منفصلة عن هموم الناس وتطلعاتهم وآرائهم، ومن ضمنها الآراء التي لا تتفق مع توجهاتها مهما كانت حادة وقاسية. أضف إلى ذلك أن عدم سماع آراء الناس معناه الانعزال التام عن نبض المجتمع واحتياجاته وتطلعاته عن الواقع، وهذا يتناقض مع الغرض الرئيس من وجود الحكومات، وهو إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وتوفير الأمن العام والاجتماعي، وتحسين مستوى المعيشة عن طريق خطط التنمية الموجهة بالأساس لخدمة الناس.هل معنى هذا أن الحريات العامة لا تحتاج إلى تنظيم؟ بلى بالطبع، ولكن الفرق شاسع بين تنظيم الحريات العامة وبين تقييدها، فالأصل هنا هو الإباحة أما التنظيم فمجرد إجراءات إدارية تنظيمية تضمن حماية الحريات لا تقييدها أو حظرها مثلما تُبيّن ترسانة القوانين المقيّدة للحريات العامة التي أقرتها الحكومة في الآونة الأخيرة، أو تلك التي تنوي إقرارها قريباً مثل قانون الإعلام الإلكتروني.سياسة القبضة البوليسية معناها إغلاق المجال العام أمام الناس، وموت السياسة، وتقييد الحريات العامة، وبالتالي، الانفصال عن الواقع الفعلي، وغياب المشاركة الشعبية الفاعلة التي تعتبر حجر الأساس لعملية التنمية الإنسانية المستدامة. سياسة القبضة البوليسية لا ينتج عنها سوى عدم الرضا الشعبي واضطرار الناس إلى العمل تحت الأرض، بدلاً من العمل في وضح النهار وضمن القنوات الطبيعية التي تُنظّم الصراع المجتمعي، بحيث يكون صراعاً صحياً ومفيداً، ولا يتحوّل إلى فوضى عارمة وصراع مُضرّ بالمجتمع ومدمّر للوطن كما حصل في جمهوريات الرعب والخوف في كل من العراق وليبيا وسورية واليمن وفي غيرها من الدول المتخلفة في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية.بقلم د. بدر الديحاني٤ نوفمبر ٢۰۱٥جريدة الجريدة