كلمة أحمد الديين في احتفالية الذكرى الرابعة عشر لتأسيس "وعد" والذكرى الرابعة لرحيل المناضل عبدالرحمن النعيمي
رفيقنا الكبير العزيز على قلوبنا عبدالرحمن النعيمي، الذي رحل عن دنيانا هذه قبل أربع سنوات لم يكن مجرد قائد "وعد"، هذه الجمعية السياسية الوطنية الديمقراطية المناضلة... ولم يكن رفيقنا عبدالرحمن الملقب بسعيد سيف الأمين العام للجبهة الشعبية في البحرين فحسب، بل لقد كان الرفيق عبدالرحمن النعيمي حالة نضالية متميزة؛ متعددة الجوانب؛ يندر وجودها ويصعب تكرارها.كان عبدالرحمن النعيمي مناضلاً بحرينياً وخليجياً؛ وفي الوقت ذاته كان مناضلاً قومياً عربياً تقدمياً… كان زعيماً وطنياً مرموق المكانة، ولكن من دون أن تبعده مهابة الزعامة، التي يستحقها بجدارة، عن بساطة العيش وعفوية السلوك… كان سياسياً حاذقاً ومنظماً بارعاً في الوقت ذاته سواءً في ظروف السرية أو ظروف العلنية... عرفته كذلك في بيروت ودبي وعدن عندما كان يتولى في بداية سبعينيات القرن العشرين قيادة تنظيم "الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي"، وأيضاً عندما قاد عملية توحيد صفوف اليسار القومي البحريني لتشكيل "الجبهة الشعبية في البحرين"، وفي المنفى الصعب عندما ساهم في تأسيس لجنة التنسيق بين جبهة التحرير والجبهة الشعبية وإصدار نشرة "الأمل"، التي كانت بارقة أمل لتعاون القوى التقدمية الديمقراطية المدنية البحرينية، ثم بعدها في بداية الألفية الثالثة عقب حالة الانفراج عندما قاد عبدالرحمن عملية تأسيس جمعية "وعد".كان الرفيق عبدالرحمن النعيمي ثورياً رومانسياً حالماً؛ ولكنه كان أيضاً واقعياً بكل ما تعنيه كلمة الواقعية من حسابات موزونة وتقديرات براغماتية وشيء من قسوة العاطفة وبرود الأعصاب، فهو الذي قاد في العام 1974 عملية الانشطار الطوعي لفروع "الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي" بعد أن أدرك انتفاء وجود أساس موضوعي لكونها حركة واحدة عبر الخليج كله، مثلما كانت عليه الحال فترة الاستعمار، ولم يمنعه من ذلك حنين عاطفي إلى الماضي وتشبث معاند بالحلم، وكذلك فقد كان عبدالرحمن النعيمي واقعياً عندما قاد عملياً قرار مؤتمر "وعد" في العام 2006 بالتخلي عن خيار مقاطعة الانتخابات النيابية.كان كاتباً ومؤلفاً له إسهاماته، وكان مثقفاً وقارئاً نهماً، وكان أيضاً أحد أبرز الناشرين العرب الذين أضافوا إلى المكتبة العربية مئات العناوين من الكتب المميزة التي نشرتها داره الرائدة "الكنوز".وعندما كان عبدالرحمن النعيمي يعيش متنقلاً بين المنافي كانت البحرين تسكن قلبه وعقله، وعندما عاد إلى وطنه في العام 2001 أصبح هو نفسه جسراً قومياً يربط البحرين مع الوطنيين الخليجيين والقوميين التقدميين العرب… كان صاحب مشروع وطني ورؤية قومية، اتفقنا أو اختلفنا معه… فلقد كانت لرفيقنا عبدالرحمن أخطاؤه ونواقصه وتناقضاته، شأنه في ذلك شأن أي إنسان مهما عَلَت مكانته وارتفع قدره، ولكن انجازات عبدالرحمن وصلابته ومبدأيته كانت هي السمات الغالبة في شخصيته... كان عبدالرحمن مثلما يُقال في الأمثال الخليجية "يشقّ ويخيّط... ويجرح ويداوي" ولكنه لم يكن يفعل ذلك عابثاً بلا هدف، وإنما كان هذا هو أحد أساليبه في العمل السياسي والتنظيمي ضمن واقع صعب ومعقد وظروف متبدلة وخيارات ضيقة.عرفت رفيقنا عبدالرحمن النعيمي على امتداد نحو أربعة عقود من الزمن في مواقع مختلفة وكان بالتأكيد حالة نضالية استثنائية يندر تكرارها.أما "وعد" فهي ليست مجرد جمعية سياسية، وإن كانت هي أول جمعية سياسية تُشهر لتعمل علناً في أحد بلدان مجلس التعاون الخليجي، وإنما هي تاريخ نضالي ومسيرة كفاحية طويلة للوطنيين والقوميين اليساريين والتقدميين في البحرين، شأنها في ذلك شأن "التقدمي" وجبهة التحرير، فهي ثمرة نضالات وتضحيات وعذابات ونجاحات مثلما هي محصلة دروس وعِبَر لأخطاء وعثرات... "وعد" كانت في بداية تأسيسها مشروعاً واعداً لجبهة وطنية لم تتح الظروف لها أن تكتمل... "وعد" التي تحتفل اليوم بذكرى تأسيسها الرابعة عشرة بقدر ما هي شابة فتية، فإنّ عمرها الحقيقي يتجاوز ذلك بكثير، فهي جزء من تاريخ البحرين وتاريخ شعبها... لها خطها المتميّز وأسلوبها النضالي الخاص، الذي عركته سنوات النضال وعجنته تجارب الرجال، هو خط يخطئ ويصيب، ولكنه لم يخطئ يوماً في إخلاصه للبحرين وقضية شعبها.وفي الختام لابد من أن نستذكر رفيقنا العزيز إبراهيم شريف الذي نتطلع إلى عودته القريبة ليسهم مع رفاقه في "وعد" في النضال الوطني والديمقراطي، مثلما نتطلع إلى أن تتجاوز البحرين أزمتها السياسية الوطنية التي أرهقتها عبر انفراج سياسي حان وقته؛ إن لم يكن قد تأخر كثيراً.أخيراً، يبقى الأمل قائماً ومشروعاً يا رفاق عبدالرحمن النعيمي ويا رفاق "وعد" في انطلاقة جديدة للحركة الوطنية الديمقراطية المدنية البحرينية ذات التوجه التقدمي لتحقق مراد شعبها في الديمقراطية والتقدم والعدل الاجتماعي .16 سبتمبر 2015