فيدل كاسترو
حتى أشد خصومه عداوة له ليس بوسعهم السجال حول أنه كان واحداً من أهم شخصيات عصرنا، وأنه كان على مدار عقود طويلة مالئ الدنيا وشاغل الناس في العالم كله.
لقد كان، ولا جدال، أحد صنَّاع التاريخ، حين أفلحت الثورة التي قادها مع مجموعة صغيرة من أخلص رفاقه، وبينهم الثائر الأسطوري، من أصل أرجنتيني، تشي غيفارا، وشقيقه راؤول في فتح صفحة جديدة، لا في تاريخ الجزيرة الكوبية وحدها، وإنما في القارة الأمريكية اللاتينية كاملة.بسبب هاته الثورة ظلت القارة مختبراً ثورياً بامتياز، رغم ما عرفته من بطش الطغم العسكرية والديكتاتورية التي كانت تنقض على الحكومات الشرعية المنتخبة بانقلابات عسكرية مدبرة أو مدعومة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. حول شخصه ودوره سيختلف المختلفون، لكنه يظل الرجل الذي ظل متمسكاً بموقفه من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن القيم التي تروّج لها، داخلاً في منازلة عير متكافئة معها، ولكنه لم ينكسر أمامها.والمدهش أنه ظل ثابتاً على هذا الموقف رغم انهيار عضده الرئيسي: الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية في شرقي أوروبا، وانقطعت عن كوبا أوجه الدعم المختلفة التي كانت تصلها من هؤلاء.سيختلف حول شخصه ودوره المختلفون، لكنه، وبشهادة المنظمات المتخصصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة التي لا مجال للطعن في صدقيتها، ولا لافتراض أي درجة من درجات انحيازها لنظامه، استطاع، رغم ظروف الحصار الخانق المفروض على الجزيرة، أن يحقق لشعبه خدمات طبية وتعليمية متقدمة بالقياس بالكثير من دول العالم، بالمعايير التي تتخذها هذه المنظمات للقياس من حيث عدد الأطباء والمعلمين وأساتذة الجامعة مقارنة بعدد السكان. وأهلت كوبا كفاءات عالية في هذين المجالين.واستطاع رياضيو تلك الجزيرة المحاصرة المعزولة أن ينافسوا في المسابقات الدولية على ميداليات الذهب في العديد من الرياضات.والأكثر من ذلك، أن كوبا ظلت، رغم كل الصعوبات التي تعاني منها، ملهماً لشعوب القارة الأمريكية اللاتينية، تحت قيادته، وقيادة شقيقه من بعده، لأن هذه الشعوب رأت فيها عنواناً للكرامة وللقرار الوطني المستقل، والإصرار على عدم الخضوع لإرادة الجار الأكبر، الذي طوّع دولاً ومجتمعات لا تعد ولا تحصى في مشارق الأرض ومغاربها.وحدها كوبا فيدل كاسترو استعصت على الجار الأمريكي، رغم محاولات الغزو والإنزال الحربي البحري، لدرجة أن الموقف من سيادة الجزيرة أوشك أن يتحول إلى مواجهة نووية بين العملاقين الأمريكي والسوفييتي في عهد الثنائي خروتشوف - كيندي، فضلاً عن محاولات الاغتيال المتكررة التي كيدت ضده باعتراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.خلَّف فيدل كاسترو تراثاً سيطبع نهج كوبا طويلاً، حتى لو كان التغيير سنة الحياة.
د. حسن مدن
جريدة الخليج