د. بدر الديحاني:الاستقرار والتنمية لا يتحققان بالاتفاقيات الأمنية.
في الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون نتائج ما سُمّي "خطة التنمية" التي صُرف عليها مليارات الدنانير و"بشرتنا" بها الحكومة مراراً وتكراراً على أساس أنها هي التي ستحل مشاكلنا العامة كافة، في هذا الوقت تهلّ علينا الاتفاقيات الأمنية من كل حدب وصوب، حيث لا يقتصر الأمر على الاتفاقية الأمنية الخليجية المخالفة للدستور، فهناك اتفاقية أمنية مع بريطانيا وأخرى مع الأردن (أشار إليها من دون تفاصيل رئيس مجلس الأمة السابق السيد أحمد السعدون في لقاء تلفزيوني)، وربما يكون هناك اتفاقيات أمنية أخرى لا أحد، سوى الحكومة، يعرف عنها شيئاً، فهل هذه هي نتائج ما سُمي "خطة التنمية"؟!والأمر المثير للاستغراب هنا هو إحاطة هذه الاتفاقيات الأمنية بالسرية التامة، باستثناء الخليجية التي أُعلنت بنودها بعد أشهر من توقيعها، بالرغم من أنه من حق المواطنين دستورياً معرفة تفاصيلها، وبالرغم أيضا من عدم حاجة الكويت لاتفاقيات أمنية طابعها بوليسي.صحيح أن قضية الأمن تعتبر أولوية وطنية لكن أي أمن يُقصد هنا؟ هل هو أمن الشعوب أم أمن الأنظمة القائمة؟ أمن الشعوب يعني المزيد من الحريات والعدالة الاجتماعية والمساواة والمشاركة الفعلية بالسلطة والثروة؛ لذلك تقاتل الشعوب الحرة الكريمة من أجل المحافظة على أمنها.أما أمن الأنظمة فيركّز على الإبقاء على الوضع القائم وملاحقة النشطاء السياسيين ومراقبة تصرفاتهم وقمع الحركات الشعبية الاحتجاجية، وتقييد الحريات من أجل إجهاض أي محاولة للإصلاح السياسي، هدفها مشاركة الشعب مشاركة حقيقية في إدارة شؤونه العامة، وفي الثروة الوطنية أيضا مع المحافظة على النظام السياسي مثلما هو مطروح حالياً في دول التعاون الخليجي.وكما هو معروف فإن الاتفاقيات الأمنية والقبضة البوليسية لم تستطع على مر التاريخ حماية الأنظمة الاستبدادية التي تتساقط بسرعة البرق عندما تقرر الشعوب ذلك، وخير شاهد هنا هو ما جرى ويجري منذ ثلاثة أعوام تقريبا في منطقتنا العربية.في الكويت وبخلاف بعض الدول العربية والخليجية فإنه لا وجود إطلاقاً لأي صراع سياسي على الحكم الذي حصنته المادة الرابعة من الدستور، بل أثبت الشعب الكويتي مراراً وتكراراً، وبشكل عملي ملموس، تمسكه بالأسرة الحاكمة كما حصل، على سبيل المثال، في مؤتمر جدة أثناء الاحتلال العراقي سيئ الذكر.كل ما هناك هو مطالبة شعبية مستمرة للتمسك بالدستور، باعتباره العقد الاجتماعي المتوافق عليه وطنياً، وتطبيقه كاملاً ثم القيام بإصلاحات سياسية وديمقراطية تحمي أول ما تحمي نظام الحكم الذي أجمع وما زال يجمع عليه الكويتيون كافة.إن رفض السلطة للإصلاحات السياسية المستحقة والمحاولات الدؤوبة لتجاوز الدستور من جهة، وتشديد القبضة البوليسية من خلال الاتفاقيات الأمنية سواء السرية أو العلنية من جهة أخرى، لن يؤدي ذلك كله إلى الاستقرار السياسي، ولن يحقق التنمية المستدامة، بل على العكس من ذلك تماماً فإنه سيؤدي إلى احتدام الصراع السياسي حول النظام الدستوري ذاته مما يحوله إلى صراع مباشر بين السلطة والشعب، وهو ما لا يتمناه أي حريص على استقرار وطننا وتقدمه.
د. بدر الديحاني
منقول عن جريدة الجريدة تاريخ 10/06/2013