شفروليت جامحة!
بقلم: عبدالهادي الجميل*
ما زلت أتذكر سيارة العم سالم "البيك أب شفروليت" أم غمارتين وحوض خلفي شاسع. اشتراها رغم أنه كان قد تجاوزالسبعين من عمره وأثار حسد الشباب والكهول معا!
وعدنا العم سالم بأنه سيتجول بنا بسيارته الجديدة صبيحة يوم الجمعة القادمة كي يمرّنها. كنا نتحرّق شوقا لهذا اليوم الذي ظننا بأننا سنشيب قبل أن يأتي!
في الصباح الموعود، كان رصيف بيت العم سالم، يشبه رصيف محطة قطارات بومباي المركزية، فقد تقاطر معظم أهل الحارة كي يحظوا بفرصة ركوب السيارة الجديدة، ومن بينهم سعيد الشامي الذي يقسم الجيران بأن أحدا لم يشاهده في يوم الجمعة قبل الساعة 4 عصرا لأنه لا يستيقظ إلّا متأخرا بسبب الخمر المحلي الرديء الذي كان يشربه مساء كل خميس.
طال انتظار الناس لخروج العم سالم، حتى ظن البعض بأنه قد توفي على فراشه بسبب عين خصمه اللدود ابو ابراهيم . تبدّدت هذه الظنون المخيفة عندما هتف أحد الصبية من فوق الجدار المطل على حوش العم سالم: طلع طلع.
ما أن أطلّ بغترته البيضاء المشجّرة حتى كاد الناس من فرط الحماس أن ينشدوا: طلع البدر علينا.... من ثنيات الوداع.
نظر العم سالم إلى الناس بازدراء ثم مشى نحو سيارته بخيلاء، ولم يصدّق أحد عبارات الضيق والاستياء التي تعمّد أن يرددها بصوت مسموع. توقف عند باب الوانيت ثم نادى 5 أشخاص ليس بينهم أي قاسم مشترك سوى أعراض الشيخوخة، أركبهم في المقدمة ثم التفت نحونا وقال: انتوا اركبوا بالحوض، وتمسّكوا عدل واذا بغيتوا شيء دقّوا على الغمارة بس شوي شوي.
تسلقنا مؤخرة السيارة كالقراصنة، وخلال عدّة ثوان كان حوض الوانيت يكتظ بـ15 صبيا وشابا يغنّون بسعادة وصخب.
طاف العم سالم بالشوارع القريبة ثم توقف عند الإشارة المرورية التي تقع في بداية الطريق الذي يغادر المدينة، صدح صوت عبدالله فضالة من داخل السيارة التي انطلقت عند الضوء الأخضر. كنا ما زلنا نغني، وإن بحماس يقل كثيرا عن السابق. وبعد مضي نصف ساعة شعرنا بأننا في مأزق حقيقي، فالسيارة لم تخفف من سرعتها العالية والشمس أصبحت أشد توحّشا، لكننا لم نستسلم كما استسلم أبطال رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس"، فدق الشباب على القاطع الزجاجي الفاصل بين الجيلين المختلفين، فنظر إلينا العم سالم من خلال المرآة الأمامية فأشرنا له بضرورة ايقاف السيارة، لكنه ظن بأننا نغنّي ونمرح فأخذ بالتصفيق والتمايل يمينا ويسارا، وزاد السرعة أكثر.
التفت نحونا أحد الجالسين في المقعد الخلفي، فألصقنا وجوهنا بالقاطع الزجاجي وصرخنا به كي يفتح الزجاج لكنه ظل ينظر نحونا بنظرات زائغة بلهاء.
قال أحد الشباب الأكبر سنا:
- ترى هالستّة اللي قدّام ما يدرون وين الله قاطهم، ولا يدرون عنّا، يشوفنا نصارخ ويحسبونا نغنّي ونأشّر لهم يحسبونا نرقص!!
قال آخر: والحل الحين؟
رد الأول: مافيه حل، يا نطب من السيارة المسرعة واحتمال نموت، أو نقعد فيها ونصدم سيارة ثانية واحتمال نموت أيضا، واذا حظنا زين، يخلص الوقود وتوقف السيارة من نفسها وأول من بينزل منها هو العم سالم وهالشيّاب اللي معاه، وبنقعد حنا ندزّها لين نموت.
---------------------------------------------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.