الحركة التقدمية الكويتية تنتقد اقتراح قانون المدن الإسكانية وتراه وجهاً آخر لمشروع التمويل العقاري بتحويل السكن من حق إلى سلعة… وتقترح بدائل للإسراع في تلبية طلبات الرعاية السكنية
نؤكد بداية على تقديرنا للنائب د. حسن جوهر ودوافعه السليمة ونواياه الحسنة عندما قدم اقتراحه بقانون المدن الأسكانية بهدف معالجة مشكلة التأخر في تلبية الطلبات المتراكمة للرعاية السكنية والإسراع في معالجة المشكلة الإسكانية.
ولكن يؤسفنا ان هذا الاقتراح بقانون بغض النظر عن حسن النوايا، لا يعدو كونه شكلاً آخر من أشكال قانون التمويل العقاري للسكن الخاص، الذي سبق لنا أن تحفظنا عليه.
فنحن نرى أن هناك منظورين متناقضين تماماً للسكن:
– المنظور الأول هو المنظور الاجتماعي، الذي يرى السكن حقاً إنسانياً أساسياً ومنزلاً للعيش الكريم تنمو فيه الأسرة وتشكّل ذكرياتها، ومن واجب الدولة مساعدة الناس على توفير السكن في إطار الخدمات العامة.
-أما المنظور الآخر للسكن فهو المنظور الرأسمالي الذي ينظر للسكن كسلعة وكواحد من الأصول الرأسمالية وكمجال لاستثمار رأس المال وتحقيق الأرباح… وشتان ما بين المنظورين الاجتماعي والرأسمالي للسكن.
ولقد كان نظام الرعاية السكنية منذ بداية خمسينات القرن العشرين، على الرغم من انتقاداتنا له وجوانب قصوره، يمثّل مقاربة ما للمنظور الاجتماعي للسكن كحق إنساني أساسي وكخدمة عامة…أما مشروع قانون التمويل العقاري للسكن الخاص، الذي قدمته الحكومة، وكذلك اقتراح قانون المدن الإسكانية فإنهما على خلاف ذلك، إذ من شأنهما تكريس المنظور الرأسمالي للسكن كسلعة وكمجال استثمار وتحقيق أرباح، وهذا هو المنطلق الأول والرئيس لمعارضتنا ليس فقط للمشروع الحكومي بقانون التمويل العقاري للسكن الخاص والاقتراح النيابي بقانون المدن الإسكانية، وإنما لمعارضتنا هذا التوجه الرأسمالي بشكل عام، فنحن كاشتراكيين نتمسك بأن السكن والتعليم والصحة حقوق إنسانية أساسية، ومن واجب الدولة تقديمها كخدمة عامة، وهذا ما يتفق مع دستور البلاد، وبالتالي فإننا نرفض من حيث المبدأ تحويل السكن إلى سلعة ومجال استثماري لتحقيق الأرباح لقلة من كبار الرأسماليين على حساب حياة غالبية الناس وحقوقهم.
إنّ مشروع قانون التمويل العقاري للسكن الخاص، أو بالأحرى قانون الرهن العقاري، الذي سبق أن قدمته الحكومة ضمن انحيازها الطبقي لصالح قلة من كبار الرأسماليين الطفيليين، وللأسف كذلك الاقتراح النيابي الأخير بشان المدن الإسكانية من شأنهما أن يفتحا الأبواب على مصاريعها لتحويل السكن إلى سلعة ومجال استثماري رأسمالي كبير ومفتوح لتحقيق الأرباح والفوائد للبنوك والشركات العقارية.
وفي المقابل فإننا في الحركة التقدمية الكويتية نطالب مجلس الأمة والحكومة بتحقيق التالي:
١- سن قانون إيجارات عادل يراعي مصالح جمهور المستأجرين من السكان، ويقوم على تأجير السكن وفق سعر المتر المربع.
٢- إنشاء شركات مملوكة للحكومة بالكامل متخصصة في الإنشاءات العقارية.
٣- السماح بإنشاء جمعيات تعاونية سكنية، كما هي الحال في بعض البلدان.
٤- الإسراع في انجاز المشروعات الإسكانية عبر تعاقدات مباشرة مع شركات مقاولات محلية وخارجية مشهود لها بالإنجاز والكفاءة.
٥- توسيع المساحات المتاحة للسكن.
٦- زيادة قيمة الضريبة العقارية على الملكيات الكبيرة والأراضي الفضاء غير المستغلة، تمهيدًا لتحريرها، ومنع المضاربة بالعقار.
٧- تقليل تكلفة بناء المنازل والشقق للسكن الخاص، وذلك عبر ضبط أسعار المواد الإنشائية وتوفرها بالسوق، وكذلك مراجعة نظام البناء للسماح باستخدام مواد وتصاميم وتكنولوجيا بناء ذات تكلفة منخفضة، مع المحافظة على جودة البناء واستدامته وملاءمته للبيئة.
وختاماً فإنه يجب الوعي أن أزمة كبيرة مثل الأزمة الإسكانية، بتراكماتها الممتدة على مدى عقود، ليست أزمة فنية أو تشريعية فحسب بحيث نتصور أنها ستحل بالدرجة الأولى بحلول فنية أو تشريعية على أهمية هذه الحلول، إنما أساس هذه الأزمة وغيرها من الأزمات الكبرى في قطاعات مثل الصحة والتعليم هي نهج السلطة الفاشل في الإدارة وانشغالها بأولويات غير تحسين الخدمات العامة، ومن ملامح ذلك سوء اختيار الوزراء والطاقم الأعلى في الأجهزة الحكومية على مدى عقود وتغييرهم دونما اعتبار للكفاءة والإنجاز، بل على أساس الترضيات والمعالجات الآنية للأزمات السياسية، لكل ذلك نقول أن الحلول الفنية والتشريعية مهما كانت تفاصيلها فإنها لا يمكن أن تكون الحل الوحيد ولا حتى الأساسي، بل إن تعديل النهج العام للسلطة هو الأساس.
الكويت في ١١ يوليو ٢٠٢٣