عجز الموازنة العامة... ما العمل؟
بقلم: د. بدر الديحاني
لا جدال، كما ذكرنا مراراً وتكراراً، أن الموازنة العامة للدولة ستواجه عجزاً فعلياً في السنوات القليلة القادمة إذا ما استمرت أولويات المالية العامة وتوجهاتها على ما هي عليه الآن.بمعنى آخر، لا يمكن تجنب العجز المالي المحتمل ما لم تتغير الأولويات والتوجهات الحالية، بحيث تدار المالية العامة للدولة على أسس رشيدة وعادلة، وهو الأمر الذي لن يتحقق من دون إصلاح المنظومة السياسية التي تدير الدولة، فالعجز المالي والتراجع التنموي والديمقراطي مسؤولية من بيده السلطة، أي من تسبب في ذلك، وأي قرارات مصيرية لن يتحمل مسؤوليتها المواطنون ما لم يشاركوا في اتخاذها، إذ إن المسؤولية بقدر السلطة.لهذا، فمن الظلم الاجتماعي القفز مباشرة لتحميل المواطنين تبعات فشل سياسات مالية لم يشاركوا في اتخاذها من الأساس، وذلك من خلال "التهديد" بإلغاء أو تخفيض دعم السلع والخدمات الضرورية أو فرض رسوم جديدة وزيادة الرسوم الحالية، أو عدم زيادة رواتب صغار الموظفين بحسب التضخم النقدي وغلاء المعيشة، وجميعها سياسات اقتصادية منحازة تأتي دائماً وأبداً في مقدمة "الروشتة" النيوليبرالية لصندوق النقد الدولي الذي استضافته الحكومة الأسبوع الماضي، فدعا الكويت إلى تبني "استراتيجية لتقليص فاتورة الدعم والرواتب" ("الراي"- 7 مايو 2014).إن الحديث عن مسؤولية المواطن عن سياسات فاشلة في الوقت الذي يُحرم من المشاركة في سلطة اتخاذ القرار هو حديث غير موضوعي لا قيمة له؛ لهذا فإن المطلوب، بدلاً من تحميل المواطن تبعات سياسات مالية فاشلة ومنحازة لم يكن له دور في رسمها وتنفيذها، هو البدء باتخاذ خطوات جادة وعاجلة لإصلاح إدارة المالية العامة للدولة، ومواجهة العجز المالي المتوقع بعد ثلاثة أعوام (2017)، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ومن ضمن هذه الخطوات، التي سبق أن أشرنا إلى بعضها في هذه الزاوية، التالي:1- الإصلاح السياسي والديمقراطي أي إصلاح الإدارة السياسية للدولة والمكافحة الجادة للفساد وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في إدارة الدولة، وفي تحديد التوجهات المستقبلية ثم تحمل تبعاتها، فالمسؤولية بقدر السلطة.2- تغيير نمط الاقتصاد الريعي السائد حالياً إلى اقتصاد منتج مع ضرورة تنويع مصادر الدخل.3- تغيير جذري لأولويات الموازنة العامة وتوجهاتها الحالية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الوطنية.4- إعادة النظر بشكل جدي في تضخّم أبواب الميزانية كافة، خصوصاً الباب الرابع (مشاريع إنشائية وصيانة واستملاكات عامة) وليس التركيز فقط على الباب الأول (الرواتب والأجور وما في حكمها) لاسيما رواتب صغار الموظفين.5- فرض ضرائب تصاعدية على الدخول المرتفعة وعلى أرباح الشركات الكبرى والمؤسسات الخاصة التي تدعمها الدولة دون مقابل.6- إعادة تسعير أراضي الدولة وأملاكها بأنواعها كافة التي تمنح حالياً بأسعار زهيدة جداً، وعدم تعديل قانون (بي. أو. تي.) رقم (7/ 2008).7- إعادة تسعير الكهرباء والماء والخدمات الإدارية في المناطق الصناعية والتجارية.8- تحصيل مستحقات الدولة على الشركات والمؤسسات والأفراد.9- إلغاء، أو على الأقل تخفيض، الامتيازات والمكافآت والبدلات التي تمنح، من دون مبرر، لكبار المسؤولين في الدولة.10- إلغاء الأجهزة الحكومية التي أنشئت لأغراض سياسية من دون أن يكون لها حاجة تنموية، وإلغاء الدرجات القيادية التي مُنحت وتمنح من دون أي مبرر إداري أو اقتصادي.11- إقامة مبانٍ دائمة للأجهزة الحكومية بدلاً من تنفيع كبار ملاك العقار.12- وقف هدر المال العام واستنزافه واستخدامه وسيلة من وسائل التنفيع من أجل تحقيق أغراض سياسية آنية.
_______________________
منقول عن جريدة الجريدة تاريخ 12\05\2014