وليد الرجيب: تفشي ظاهرة الجرائم.
أتساءل: لماذا سُلَط الضوء على جريمة مجمع الأفنيوز البشعة فقط؟ بحيث أفردت لها الصحف مواقع بارزة على صفحاتها، وناقشها ودانها مجلس الوزراء، وتناولها الناس بوسائط التواصل والديوانيات بشكل واسع، وكأنها أول جريمة قتل تحدث في الكويت «تتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، ومع عاداتنا وتقاليدنا».صحيح أن جرائم العنف وغيرها من الجرائم مثل الخطف والاغتصاب والاتجار بالمخدرات والسرقة بالإكراه وبغير الإكراه، وجرائم التعدي على المال العام والرشوة الرسمية وغير الرسمية وغسيل الأموال والاتجار بالسلاح التي يرتكبها كبار التجار وصغارهم، صحيح أن هذه الجرائم تحولت إلى ظاهرة متفشية في السنوات الأخيرة، حيث ذكرت جريدة القبس في افتتاحيتها يوم 24 ديسمبر الجاري: «في الكويت ترتكب كل يوم نحو 57 جريمة بمختلف أنواعها خلال العام الحالي، أي بمعدل أكثر من جريمتين كل ساعة، وذلك وفق إحصائية صادرة عن مركز الدراسات والبحوث والإحصاء في وزارة الداخلية»، وهو مؤشر مرعب في مجتمع صغير ودولة تدعي تطبيق القوانين على الكبير قبل الصغير.وقد انبرت الأقلام المتخصصة وغير المتخصصة في تشخيص الظاهرة، فمنها من أنحت باللائمة على الأسرة والتربية، ومنها من ركز على غياب الوازع الديني أو الأخلاقي أو ضعف الرقابة الأمنية، بل حاولت بعض الأقلام استغلال هذه الجريمة البشعة لاتهام مكون من مكونات المجتمع.وفي ظننا أن الجريمة سلوك وثقافة ونتاج، وهذا يعني أنها «بنية فوقية» تستند إلى معطيات أو أرضية اقتصادية اجتماعية، ما يعني أن كل الأسباب الجزئية المذكورة آنفاً هي نتاج لشيء أكبر وأعم، وهو تراكم الفساد السياسي وسوء الإدارة السياسية التنفيذية وضعف المؤسسة التشريعية، وتلاشي دولة المؤسسات والقانون وتغييب مواد القانون الأساسي وهو الدستور وتجاوزه ومحاولات الانقلاب عليه من السلطة ذاتها، وتحول البلد إلى عزبة للقلة المتنفذة.لم تعد المؤسسة الأمنية تخدم وتحمي الشعب، بل أصبحت مثالاً لخرق القوانين التي تطبقها بتعسف وانتقائية، بل لم تعد الجرائم تقع في الشارع بين الشباب فقط ولكنها أصبحت تمارس أحياناً حتى في غرف التحقيق من خلال استخدام العنف والتعذيب الذي قد يفضي إلى الموت لانتزاع الاعترافات، دون محاسبة جدية لمرتكبي هذه الجرائم.فالشباب الكويتيون يعيشون في أسوأ ظروف تمر على البلد مثل تفشي البطالة وانتشار المخدرات وسوء الأحول المعيشية وغياب أماكن الترفيه البريء في ظل ضعف الاهتمام بالشباب وضعف الأنشطة التي يمكن أن يصرف فيها الشباب طاقاتهم.وتنتشر عادة ظاهرة الجريمة في المجتمعات التي تغيب فيها العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون فالسارق الكبير في الكويت يبرَّأ والصغير يُعاقب، إضافة إلى انتشار ثقافة الكراهية والتعصب القبلي والطائفي والفئوي التي تسهم السلطة بتأجيجها والتراخي في القضاء عليها.وكيف لا تنتشر ظاهرة العنف وهو يمارس على الشعب بنطاق واسع من خلال استخدام القمع من قبل رجال الأمن ضد الرأي المعارض، وتعزيز الحقد الاجتماعي من خلال التمييز بين مكونات المجتمع والاعتقالات الجماعية التعسفية وتوجيه التهم المعلبة ومعاملة الشباب المعتقل بمهانة؟إن القضاء على الظواهر السلبية بالمجتمع بما فيها الجريمة يبدأ بالاصلاح السياسي وتحقيق الديموقراطية الكاملة، وتعزيز المواطنة الدستورية والمؤسسات وتطبيق القانون على الجميع، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية في المجتمع، ولا يمكن القضاء عليها بالحلول الجزئية والترقيعية.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 26\12\2012 العدد:12231