أعلن وزير المالية نايف الحجرف أرقام الميزانية العامة للدولة للعام 2018-2019 حيث بلغ تقدير العجز فيها نحو 6.5 مليار دينار، إذ تم تقدير جملة المصروفات بنحو 21.5 مليار دينار فيما تم تقدير الإيرادات بنحو 15 مليار دينار منها 13.3 مليار دينار من الإيرادات النفطية محتسبة على أساس سعر البرميل 50 دولاراً، وبداية فإنني ألفت الانتباه إلى ما اعتدناه من مبالغة حكومية متعمدة في تقديرات عجز الميزانية، إذ يكفي أن نقارن بين ما جرى التهويل به من تقديرات لحجم العجوزات في ميزانيات السنوات المالية السابقة وبين العجوزات الفعلية التي تحققت.
أما العلاج الحكومي المقترح لعجز الميزانية، الذي أعلنه وزير المالية في مؤتمره الصحافي لإطلاق الميزانية العامة الذي عقده يوم أمس، فهو لا يختلف بشيء عما كانت تطرحه الحكومة في السنوات السابقة من علاج ترقيعي قاصر يركّز على زيادة رسوم الخدمات ومراجعة الدعوم، وترديد شعارات "ضبط الإنفاق" و"الحد من الهدر المؤسسي" و"زيادة الكفاءة التشغيلية" و"زيادة كفاءة تحصيل الإيرادات غير النفطية"، التي لم تلتزم بها الحكومة يوماً، وربما كان الجديد هذه السنة هو تأكيد وزير المالية على ضرورة إقرار قانون الاقتراض لسد العجز بدلاً من السحب من الاحتياطي العام!
إنّ عجز الميزانية في الكويت بعد انخفاض أسعار النفط إنما هو أحد مظاهر اختلالات البنية الاقتصادية الرأسمالية الريعية المشوهة في بلادنا، وبالتالي فإنه لا يمكن أن تتم معالجة عجز الميزانية على نحو جدي وشامل أو معالجة غيره من اختلالات البنية الاقتصادية بمعزل عن انتهاج سياسة اقتصادية وطنية بديلة لبناء اقتصاد وطني منتج ومتطور.
ولكن قد يقول قائل إنّ هذا أمر استراتيجي بعيد المنال وطويل الأمد، وأن المطلوب هو علاج سريع ومباشر لأزمة عجز الميزانية... فهل هناك مثل هذا العلاج الذي يمكن البدء به الآن؟ أم علينا فقط انتظار ارتفاع مرتقب لأسعار النفط بحيث يسد العجز وينسينا إياه، ويكفى الله الحكومة شر القتال؟!
في ظني أنّ مثل هذا العلاج السريع والمباشر متاح وممكن على المديين القريب والمتوسط لسد العجز في الميزانية العامة للدولة، وهو ليس بديلاً عن العلاج الجدي والشامل، ولكن الحكومة تتعمد تجاهل مثل هذا العلاج تماماً، وذلك لأنه يتعارض بصورة مباشرة مع المصالح الآنية لكبار الرأسماليين.
إذ إنّ الخطوة الأولى لعلاج عجز الميزانية تبدأ بوقف النهب المتواصل لموارد الدولة ومكافحة السرقات والحد من الفساد والتنفيع، ولكن الحكومة تدرك أكثر منا جميعاً أنّ النهب والسرقات والفساد والتنفيع هي
المصادر الأهم التي يعتاش عليها الرأسماليون الطفيليون في الكويت، الذين هم أصحاب القرار الفعلي في الدولة.
أما الخطوة الأخرى لعلاج العجز في الميزانية العامة للدولة فهي تحميل القطاع الخاص مسؤولياته تجاه الميزانية العامة للدولة عبر فرض ضرائب تصاعدية على دخول الشركات الكبرى التي يمتلكها كبار الرأسماليين، مثلما هي الحال في معظم البلدان الرأسمالية، ولكن الحكومة بسبب انحيازها الطبقي مع كبار الرأسماليين تتهرب من مثل هذا الاستحقاق وتلوّح بدلاً من ذلك بزيادة الرسوم على الخدمات وفرض الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة التي تطال المستهلكين.
والخطوة الثالثة لعلاج العجز في الميزانية، خصوصاً مع التركيز الحكومي على أنّ مخصصات رواتب الموظفين وما في حكمها ضمن الميزانية العامة للدولة لهذه السنة تبلغ أكثر من 11 مليار دينار، يمكن أن تتحقق عبر إلزام القطاع الخاص بمسؤولياته تجاه توفير فرص عمل جدية للعمالة الوطنية الكويتية وزيادة النسب المقررة في قانون دعم العمالة الوطنية لتشغيل الكويتيين في شركات القطاع الخاص، وهو ما يرفضه كبار الرأسماليين لأنه يحرمهم من زيادة ثرواتهم وتكديسها عبر ممارسة أبشع أنواع الاستغلال الطبقي للعمالة الوافدة المحرومة من أبسط الحقوق.
هذه الخطوات الثلاث متاحة وممكنة على المديين القريب والمتوسط لعلاج مشكلة العجز في الميزانية العامة، ولكن العائق أمام تبنيها وتطبيقها يتمثّل في سطوة كبار الرأسماليين الطفيليين الذين يتحكمون في مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والتشريعي للدولة ويوجهونه وفق مصالحهم.
بقلم الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين٣٠ يناير ٢٠١٨