مارسيل
حلّق بنا ليلة الاثنين الماضي الفنان الكبير مارسيل خليفة، إلى سماوات الفن الراقي والمسؤول، والمرتبط بهموم الإنسان وقضايا الشعوب، وبالأخص الإنسان المهمش والمسحوق والمستغل، ومس أرواحنا بالوتر والنغمة والكلمة، وحرك الأمل في قلوبنا وشعرنا بتحرك الدماء في عروقنا.ظُهر الاثنين كان مارسيل قلقاً من عدم حضور جمهور كاف لأمسيته، بسبب اللغط الذي سببه نفر من المتشددين والمتخلفين، ولكنه فوجئ بأن الأعداد التي استطاعت الدخول، لم تجد لها كراسي للجلوس عليها، وظل كثير من الجمهور واقفاً أو جالساً في الممرات طوال ساعتين، بل إن الأعداد التي كانت تقف خارج المسرح أكثر من الأعداد التي تمكنت من الدخول، كانت أمسية كما عبر عنها أحد الأكاديميين أعادتنا إلى سنوات الألق الثقافي الكويتي.هذا الحضور الحاشد هو الرد على أصحاب الصوت العالي والتأثير القليل على رأي ومزاج الناس وميولهم واتجاهاتهم، كان مزاج الجمهور يعكس النفس التقدمي الوطني الديموقراطي لدى الكويتيين، باختلاف الأعمار نساء ورجالاً، ومن يريد التأكد أكثر فليعد إلى وسائل التواصل الاجتماعي، فأحد الأشخاص على سبيل المثال كتب تغريدة يقول فيها:«الحضور الكبير بحفلة مارسيل خليفة يؤكد أن الكثيرين إما يساريي الانتماء أو يساريين بالفطرة».فإضافة إلى الزخم الشبابي الكبير، رأيت وجوها من الزمن الجميل، أكاديميين ورجال أعمال ومتقاعدين وغيرهم من الوجوه القديمة والمألوفة من الجنسين، وهذا يعني أننا لا يجب أن نتوقف عند قراءتنا للثقافة على السائد أو الموجود على السطح، فهناك ثقافة تقدمية وطنية متوارية ولكنها موجودة وحاضرة بقوة، تعكس اهتمام الكويتيين بالثقافة والفنون الراقية.فمعظم من حاورتهم من جيلي الستيني نساء ورجالاً، يتحدثون بسخط عن رعاية الحكومة لقوى الإسلام السياسي المتشدد، حتى أصبحوا يفرضون أجندتهم على الوزراء والمسؤولين، وبنفس الوقت كانوا منتشين بعودة الوعي الحضاري الراقي، حيث جمعهم مارسيل خليفة الفنان والمثقف، وأيقظ فيهم هذا الحس الدفين والمغمور في خضم التخلف الظاهر.وفي ظني أن الحكومة يجب أن تأخذ هذا المزاج وهذا النفس لدى أبناء وبنات الكويت بعين الاعتبار، عندما تفكر بالمنع أو الحجر تحت ضغط المتخلفين، الذين يريدون جرنا للماضي السحيق والمظلم، وطمس حقيقة الشعب الكويتي ووعيه وحسه الراقي.إن للفن الملتزم بالإنسان وقضاياه رسالة سامية، فقد كان يجلس بجانبي في الحفل الشاعر البحريني الكبير قاسم حداد، ولسان حالنا يقول: هناك زهور تحت ركام الخرائب، وهناك أمل متجدد بأننا سنعود كما كنا وأفضل.بقلم: وليد الرجيب منقول عن جريدة الراي الكويتية تاريخ ٢٢ أبريل ٢٠١٥