مقال للزميل حسين بوكبر بعنوان "روح التقدم"
عاشت الكويت في ستينات وسبعينات القرن الماضي نهضة شاملة في كل المجالات، وعلى كا الصعد، مما جعلها تتبوأ مواقع الصدارة مع شقيقاتها في الأقطار العربية الأخرى، وكانت بحق بلد العرب، ووطن الحريات وشعاع الثقافة النافذ الذي أضاء ظلام الجهل والتخلف، فمن تطور سياسي ملحوظ على قياس الزمن والجغرافيا، ضمن لمن يعيش على هذه الأرض هامشا من الحريات والانفتاح الثقافي الذي مثل الرافد الأساسي لتحقيق النهضة، إلى تطور عمراني بديع أعطى الكويت رونقا خاصا، ورسم لها صورة مميزة حدد لها هويتها، وليس آخراً ذلك الزخم الثقافي الذي وصل ذروته على يد عمالقة الفن والأدب والفكر.مثل هذه النهضة في تلك المرحلة التاريخية يجب أن ينظر إليها بنظرة بانورامية، فلا يمكن فهم سبب النهوض والتطور، وكذا أسباب الرجوع والتأخر، بمعزل عن إدراك الروح الخفية التي تتمظهر في مجمل التطورات الحياتية.هذه الروح من الممكن أن نطلق عليها روح التقدم التي آمن بها ذلك الجيل، وعمل على تجسيدها وتأطيرها بإطار عروبي قومي طليعي.كان النتاج الفني والأدبي والفكري الكويتي ينطلق من واقعية اجتماعية موصولة بمحيطها العربي، وغير منقطعة عنه، يتبنى القضايا العربية والأطروحات الجادة التي تصل من الناس إلى الناس، استهدفت رفع درجة الوعي عند الجماهير .. لكن ما الذي حدث؟على عكس حركة الزمن، وبدلا من استمرار التقدم والتطور، نجد أنفسنا في تراجع مستمر حتى غدونا في مؤخرة الركب، وما سبب ذلك؟ الجواب ليس بهذه البساطة، بل يحتاج الى مراجعة شاملة تستكشف الأسباب بموضوعية تامة مجردة من أي تحيز أو تحامل، إلا أنه من الممكن أن نرجع ذلك إلى سببين رئيسين؛ الأول هو نكوص السلطة بالكويت عن هذا الواقع المتطور الذي قبلته على مضض في لحظة تاريخية حرجة، وبفرضه كأمر واقع عليها من قبل قوى سياسية تقدمية، وافقت حركتها وجود زعامة سياسية بحجم الراحل الشيخ عبد الله السالم، وما تميز به من عقلية ديناميكية بزّ بها أقرانه في الأسرة الحاكمة، فضلا عن أنظمة الحكم السائدة في الدول المجاورة.قامت السلطات المتعاقبة بعد العهد التنويري لعبد الله السالم بالتضييق على المكتسبات السياسية، وقمع الحريات بمختلف الطرق، وكان السبب الآخر لحالة التراجع هو التحالف الذي أقامته تلك السلطات مع القوى السياسية الدينية الأصولية، وقمع التيارات المدنية من قومية وليبرالية ويسارية، والذي ألقى بظلاله على الساحة الثقافية في الكويت.فمن قوى دينية متطرفة تؤمن بحرمة الفن والجمال، وتتهم الفكر بالإلحاد والأدب بقلة الأدب إلى سلطات شجعت على الفن التجاري الهابط الذي يشغل الناس عن قضاياهم الحقيقية.وبالرغم من كل ذلك هناك حركة صحوة دبت في صفوف مجموعة من الشباب الكويتي استحضرت التجربة التاريخية النهضوية، وبنت عليها مضامينها الفكرية الخاصة منطلقة من مدرسة الواقعية الاجتماعية والفن للمجتمع. هذه الحركة تشكلت في منتدى ثقافي تحت عنوان «قادمون» مع ما يحمله هذا العنوان من معان مملوءة بالثقة والتفاؤل والندية.نتمنى لمثل هذه الحركة النجاح في خضم حراك شبابي سياسي وفكري وفني وأدبي طموح يمثل بارقة أمل في تغيير الواقع الجامد.حسين بوكبرمنقول عن جريدة القبس 23/11/2012 العدد:14181