مقال للزميل د. حمد الأنصاري بعنوان "الحراك الشعبي ليس من أجل رفض المرسوم وحده!"
يحاول البعض اختزال الحراك الشعبي الحالي في قضية واحدة هي رفض مرسوم تعديل النظام الانتخابي أو بصورة أبسط رفض الصوت الواحد والعودة إلى نظام الأصوات الأربعة، والحقيقة عكس ذلك تماماً.
فالحراك الشعبي الحالي ما هو إلا امتداد لحراك الآباء والأجداد الذين طالبوا بالدستور والديمقراطية، ذلك الحراك الذي واجهته السلطة بكل قوتها إلى أن فٌرضت عليها الاستجابة الجزئية، فجاء دستور 1962 "وهو دستور الحد الأدنى" كمكسب سياسي للحراك الشعبي حينذاك، وما لبثت السلطة حتى بدأت محاولاتها بالانقضاض على هذا المكسب والانتقاص من الحق الاصيل للشعب بتزويرها انتخابات1967 ثم انقلابها على الدستور في 1976 و1986، ولاننسى حركة دواوين الاثنين والحراك المطالب بعودة العمل بالدستور والحياة البرلمانية، التي سبق أن وصفتها السلطة في وقتها بأنها حركات تخريبية وقمعتها، حتى جاء الاحتلال العراقي الذي أثبت خلاله الكويتيون مدى تمسكهم بحرية وطنهم وبحريتهم في آن واحد معاً، حيث ضحوا بأرواحهم من أجل السيادة الوطنية والشرعية الدستورية.
فجاء الاتفاق التاريخي في مؤتمر جدة مقرراً عودة العمل بالدستور وعودة الحياة البرلمانية بعد تحرير الكويت.
ومنذ ذلك الحين والمطالب الشعبية مستمرة نحو استكمال الديمقراطية، فكانت البداية بالمطالبة بفصل منصب رئيس الوزراء عن ولاية العهد، ثم الإقرار بالحقوق السياسية للمرأة، ثم انطلقت في العام 2006 حركة "نبيها خمس" وهي أول حركة احتجاجية شبابية منذ دواوين الاثنين لجأت إلى الشارع لفرض مطالبها على السلطة ونجحت بذلك خلال فترة وجيزة.
إنّ الحراك الحالي الذي تعود بداياته إلى العام 2009 إنما هو امتداد لتلك المطالب ولا يمكن أن يتم عزله عنها... فالمتابع للشأن السياسي يعلم جيداً أنّ مطالب الشباب منذ 2009 لم تكن محصورة في عزل رئيس الوزاء السابق، بل كانت المطالب واضحة حول ضرورة أن يكون هناك نهج جديد، وقد أصبحت المطالب الديمقراطية صريحة جداً في الفترة السابقة لإبطال مجلس فبراير 2012 في شأن إشهار الأحزاب السياسية؛ والدائرة الانتخابية الواحدة؛ والانتقال إلى النظام البرلماني الكامل.
وعلى الرغم من أي ملاحظات انتقادية يمكن أن توجّه إلى مجلس فبراير 2012 إلا أنّه عبّر في بعض اقتراحات القوانين التي قدّمها عدد من نوابه وجرت مناقشتها في لجانه عن رغبة الجماهير في الإصلاح السياسي الديمقراطي، حيث تم تقديم اقتراحات بقوانين لإشهار الهيئات السياسية، وكذلك في شأن الدائرة الانتخابية الواحدة والقوائم النسبية، كما طرح النائب السابق فيصل اليحيا اقتراحاً لتنقيح الدستور بما يحقق الانتقال إلى النظام البرلماني، وبذلك ارتفع سقف مطالب الشارع الكويتي وأدركت السلطة أن الإصلاح السياسي الديمقراطي، الذي يمثّل لها كابوساً مخيفاً سيتحقق عما قريب، ما لم تشغل الشارع وتلهيه وتخفّض سقف مطالبه.
ولهذا فعندما صدر حكم المحكمة الدستورية بابطال انتخابات مجلس 2012 وإعادة مجلس 2009 فقد زال الهمّ الجاثم على صدر السلطة، ولكنها رغم وعودها بتصحيح الخلل الاجرائي الذي أبطل انتخابات مجلس فبراير 2012 وإجراء انتخابات جديدة وعدم العبث بالنظام الانتخابي وتوزيع الدوائر إلا انها كانت في حقيقة الأمر تناور، إذ سرعان ما تراجعت عن وعودها السابقة وأحالت قانون إعادة تحديد الدوائر الانتخابية، الذي كان بالأساس مشروعاً مقدماً من الحكومة، إلى المحكمة الدستورية طاعنة بعدم دستوريته، فأشغلت الشارع مؤقتاً وأبعدت الأنظار قليلاً عن المطالب الأساسية للاصلاح السياسي.
ورغم أنّ حكم المحكمة الدستورية رفض الطعن الحكومي وحصّن القانون إلا أنّ السلطة أبت إلا أن تشغل الشارع في قضية أخرى لتلهيه عن المطالب الاصلاحية باستكمال الديمقراطية، فصدر مرسوم قانون الصوت الواحد، الذي رفضته غالبية القوى السياسية والمجاميع الشبابية وأعلنت عن ذلك عبر مسيرات "كرامة وطن"، التي واجهتها السلطة في بدايتها بعنف غير مسبوق وغير مبرر، وحاولت أن تقلل من شأنها بوصف المشاركين فيها بالحفنه أو النفر القليل، وقد واصلت القوى الشبابية والسياسية رفضها للمرسوم بقانون وقادت حملة ناجحة لمقاطعة انتخابات ديسمبر 2012 التي سجلت أقل نسبة مشاركة في التصويت بالانتخابات في تاريخ الكويت حيث لم تتجاوزـ 39.6 % وفق إعلان اللجنة العليا للانتخابات و 28% تقريبا حسب احصائيات لجان المقاطعة والمعارضة، ومازال الحراك مستمراً من خلال مسيرات كرامة وطن والمسيرات في المناطق، فيما تحاول السلطة وقف هذا الحراك عبر اللجوء إلى الخيار الأمني الذي ثبت فشله.
إنّ القول الذي يتردد بين حين وآخر بأنّ المسيرات والاحتجاجات الحالية هي "فقط" لرفض مرسوم قانون الصوت الواحد ما هو الا تزوير للواقع ومحاولة سمجه للتقليل من شأن الحراك الشعبي المطالب باستكمال الديمقراطية وبتفعيل المادة السادسة من الدستور، فالأمة هي مصدر السلطات!
رسالة أخيرة:إلى القوى السياسية الكويتية، على الرغم من أهمية وضرورة وجود حراك شعبي شبابي إلا أنّ هذا الحراك يتسم بالعفوية والحماسة، ما قد يؤدي إلى بروز سلبيات وثغرات وتشتيت الجهود، لذلك فإنّ المسؤولية الملقاة على عاتقكم كبيرة جداً وعليكم تحملها، فلا مجال للتكسب الانتخابي ولا يصح أن تكون الأولوية للخلافات الفكرية فيما بينكم، إذ أنّه من دون أن تكون هناك أرضية ديمقراطية حقيقية فلن يؤدي اختلافكم الفكري وخصامكم السياسي إلى أي نتيجة ذات معنى... إنّ الحراك الشعبي والشبابي أحوج ما يكون إلى قيادة سياسية تضع برنامجاً متكاملاً للتغيير الديمقراطي المنشود، فاجلسوا اليوم على طاولة واحدة وارسموا خارطة طريق واتركوا خلافاتكم جانباً، فالخصم الحقيقي الآن هي السلطة التي تحاول الانفراد بالقرار وترفض تلبية استحقاقات التطور الديمقراطي.د. حمد الأنصاريمنقول عن جريدة الطليعة تاريخ 12\12\2012.