الإرهاب الأسود يستهدفنا
استطاع الإرهاب الأسود، مع كل أسف، أن يصل إلينا ويرتكب جريمته النكراء في وضح النهار وداخل المسجد، والتي راح ضحيتها 25 شهيداً و202 مصاب، بالرغم من الاستعدادات الأمنية التي قالت الحكومة إنها اتخذتها لحماية المساجد ودور العبادة.
الآن، وقد حصلت الجريمة البشعة، فإن ذلك يتطلب بداية إدانة واضحة لا لبس فيها من قِبل جميع الفئات الاجتماعية، والمجاميع السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، ولكن المفارقة هي أن هناك عناصر وقوى طائفية وفئوية وعنصرية، مدعومة من بعض أطراف متنفذة، سواء في السلطة أو خارجها، تعتاش منذ سنوات طويلة على خطاب الكراهية الطائفي والفئوي والعنصري، وهو ما يجعل إدانتها لأي عمل إرهابي كلاماً مُرسلاً لا قيمة له على أرض الواقع، أو إدانة عاطفية وقتية من أجل الاستهلاك الإعلامي فقط!
علاوة على ذلك، فإن بعض سياسات الحكومة، كالمحاصصة السياسية والنظام الانتخابي وبعض المناهج الدراسية وتقييد الحريات، مثالاً لا حصراً، تُكرّس الفئوية والطائفية والعنصرية، وتُغلق المجال العام أمام عموم الناس فتهمش فئات اجتماعية معينة وتقصيها، الأمر الذي يؤدي إلى خلق بيئة منغلقة وحاضنة للأفكار البدائية المتخلفة، وعناصر ناقمة على المجتمع.
الإرهاب يستهدف، أول ما يستهدف، شق الصف الوطني، وإثارة النعرات الطائفية بشكل سافر، مما قد يؤدي إلى زيادة تفتيت المجتمع والاحتراب الأهلي. أضف إلى ذلك أن الأعمال الإرهابية الخسيسة من الممكن أن تتخذ أشكالاً مختلفة ومتعددة، كما أن لدى مخططيها ومنفذيها قدرة فائقة على الاستفادة من أي تراخٍ أمني قد يحصل في أي وقت، ناهيك عن أن الإجراءات الأمنية وحدها غير كافية لمكافحة الإرهاب والقضاء على بيئته الحاضنة الموجودة داخل المجتمع.
على هذا الأساس، ومع ضرورة الإدانة الصريحة والواضحة للجريمة الإرهابية البشعة وتحمّل الحكومة مسؤولياتها السياسية، فإن المكافحة الجديّة للإرهاب تتطلب القضاء على البيئة الحاضنة له أو المشجعة عليه، وذلك من خلال الالتزام الفعلي بالدستور الذي وضع أسس دولة مدنيّة ديمقراطية، ثم مشاركة الشعب في اتخاذ القرارات العامة، والعمل الجدّي على تلاحم الجبهة الداخلية وتماسكها، فعلاً لا قولاً فقط، فضلاً عن عدم التسامح مع مُروّجي خطاب الكراهية الطائفي والقبلي والعنصري.
وهذا الأمر يتطلب طرح مشروع مدني ديمقراطي طموح وجريء يستند إلى الثوابت الدستورية، ويعالج أسباب الأزمة السياسية التي أدت إلى انقسام المجتمع بشكل غير مسبوق، وجعلتنا نتراجع ديمقراطياً وتنموياً وندور منذ سنوات في حلقة مُفرغة، على أن يتضمن المشروع السياسي الجديد سياسات عامة تقوم على مبدأ المواطنة الدستورية المتساوية لا على أساس طوائف المواطنين وأصولهم ومذاهبهم، بالإضافة إلى ضرورة وجود سياسات عادلة تُحقق العدالة الاجتماعية، وتفتح المجال العام من أجل مشاركة الجميع، دون استثناء ومن خلال الأطر الدستورية، في اتخاذ القرارات العامة وتحمل مسؤولية ما يترتب عليها من نتائج، حيث إن الإرهاب يستهدف وجودنا جميعاً، دولة ونظاماً وشعباً، والمسألة لم تعُد تحتمل الطمطمة والنفاق والتزلف، فالجريمة البشعة التي جرى تنفيذها ظهر الجمعة الماضي قد تتكرر في أي وقت، وبأساليب وطرق مختلفة إن لم نقضِ على البيئة الحاضنة للإرهاب والغلو، ونتصدَّ جميعاً للفاشية الدينية بأشكالها المختلفة.بقلم: د. بدر الديحانيجريدة الجريدة 29 حزيران / يونيو 2015