غلاء المعيشة يُرهق ميزانية الأُسرة
تعمل غالبية المواطنين (96%) في القطاع الحكومي، حيث يتجاوز معدل الرواتب بالكاد الألف دينار شهرياً، أما رواتب المتقاعدين فتقل أحياناً كثيرة عن الألف دينار، وهناك أكثر من 25 ألف أُسرة تتلقى مساعدات اجتماعية من الدولة.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار معدل التضخم النقدي، (بحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء إذ ارتفع معدل التضخم بنسبة 3.16% في سبتمبر الماضي مقارنة بالشهر ذاته العام الماضي )، والطبيعة الاستهلاكية البذخية للمجتمع الناتجة عن نمط الاقتصاد الريعي وما يفرضه على الأسر من ضغوط معيشية والتزامات اجتماعية، فضلاً عن تردي مستوى الخدمات العامة واضطرار بعض الأُسر إلى الصرف من رواتبها على الدروس الخصوصية، وعلى "التطبيب" والتعليم في القطاع الخاص، فإن الراتب الشهري لرب الأسرة لا يكفي للوفاء بالالتزامات المعيشية الضرورية.
وفي ظل واقعنا الاجتماعي، وما يفرضه من التزامات كمالية، من الصعوبة بمكان في أحايين كثيرة الفكاك منها، علينا أن نتخيل حجم الضغوط النفسية والمعيشية التي تعانيها أسرة صغيرة تدفع أحياناً أكثر من نصف دخلها الشهري لإيجار السكن، وجزء كبير منه يذهب إلى المصاريف الشهرية الثابتة، فلا يتبقى ما يكفيها حتى نهاية الشهر. وسيزداد الأمر سوءاً إن لم تضبط الحكومة الأسعار بعد رفع الدعم عن الديزل والكيروسين ووقود الطائرات، لأنه من المتوقع أن تقوم شركات القطاع الخاص بتحميل المُشتري بدل الدعم عن طريق زيادة الأسعار.
على هذا الأساس فإن الدعوات غير الرشيدة أو المنحازة التي تطالب الحكومةَ بتحميل المواطنين نتائج الإدارة السيئة للمالية العامة من خلال ما يُسمى "ترشيد" الإنفاق العام الذي يقصدون به تخفيض الدعم الاجتماعي والإسراع في تنفيذ سياسات "نيوليبرالية" متوحشة يُمليها صندوق النقد والبنك الدوليان مثل الخصخصة، ستؤدي، في حال استجابة الحكومة، إلى زيادة المعاناة المعيشية للناس، مما سيترتب عليه زيادة عدد الفقراء والقضاء على الفئات الوسطى بينما تتركّز الثروة في أيدي القلة.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى بعض المؤشرات الاقتصادية التي تُستخدم أحياناً بشكل مضلل يترتب عليه تحليل واستنتاجات خاطئة، مثل التعامل مع متوسط نصيب الفرد في إجمالي الناتج المحلي (حاصل قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان) على أساس أنه مؤشر دقيق يعكس بالفعل مستوى دخل الفرد أو رفاهيته مقارنة بدول أخرى، مع أنه مجرد مؤشر حسابي عام لا يتطرق إطلاقاً إلى نوعية السياسات الاقتصادية والمالية وانحيازاتها الاجتماعية، أي كيفية توزيع الثروة في المجتمع، وحصة كل فرد منها في الواقع الفعلي!
د. بدر الديحاني
___________________________
منقول عن جريدة الجريدة تاريخ 03/11/2014