إفراغ "دستور الحدّ الأدنى" من محتواه الديمقراطي المحدود.
طوال نصف قرن، نجح المسعى السلطوي لإفراغ الدستور من محتواه إما بالانقلاب مباشرة على الوضع الدستوري أو بالتواطؤ مع الغالبية النيابية الموالية للسلطة في معظم المجالس النيابية المتعاقبة، وذلك عبر تمرير مجموعة من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة والسالبة للحقوق الديمقراطية المقررة في الدستور، ومن أمثلة ذلك:
1- نجد أنّه بينما يقر الدستور في المادة 30 منه الحرية الشخصية، وهي إحدى الحريات المطلقة، التي لا يجوز تنظيمها بقانون، تأتي الممارسات والإجراءات الحكومية والدعوات النيابية من شاكلة الضوابط الـ 13 على الحفلات ومنع الكتب لتضيّق على الحريات الشخصية للأفراد، فتصادر حقهم في الفرح والغناء؛ وتفرض عليهم وصايتها فيما يحقّ لهم الاطلاع عليه وما لا يحقّ لهم ذلك.
2- على خلاف ما قرره الدستور في المادة 30 من صون لحرية المراسلة تحاول الحكومة أن تفرض رقابتها على التراسل الإلكتروني.
3- بينما تكفل المادة 43 من الدستور حرية تكوين الجمعيات والنقابات يأتي قانون جمعيات النفع العام ليمنح الحكومة سلطة شبه مطلقة في إشهار ما تشاء من جمعيات أو منع إشهارها، بالإضافة إلى تمكين الحكومة من سلطة مطلقة في اتخاذ قرارات بحلّ مجالس الإدارات المنتخبة أو الجمعيات نفسها وتصفيتها نهائياً.
4- كذلك الحال مع المادة 44 من الدستور، التي كفلت حرية الاجتماعات، حيث لا تتورع السلطة عن اتخاذ إجراءات بوليسية غير معهودة لمنع عدد من الاجتماعات العامة، التي لا يسري عليها ما تبقى من مواد المرسوم بقانون غير الدستوري.
5- قانون المحكمة الإدارية، الذي يحصّن القرارات الحكومية في قضايا الجنسية والإقامة وتأسيس دور العبادة مهما كانت جائرة ويمنع القضاء الإداري من النظر فيها، وذلك على خلاف ما قرره الدستور في المادة 166 من كفالة لحقّ التقاضي.
6- قانون المحكمة الدستورية الذي يسلب حقّ الأفراد ذوي الشأن في اللجوء المباشر إلى القضاء الدستوري، الذي تقرّه المادة 173 من الدستور.
__________________________________________
منقول عن كتيب "دستور 1962 في الميزان الديمقراطي"