مقال للزميل د. فواز فرحان تحت عنوان "يا مصر قومي و شدّي الحيل"
بقلم: فواز فرحان*
كان للثورة المصرية في ٣٠ يونيو الماضي (أو كما يسميها البعض بالحركة الثورية المصححة لانحراف ثورة ٢٥ يناير) دور مهم في كشف تناقضات الكثيرين ممن يرفعون شعار الديمقراطية والحرية بهدف استخدامهما كجسر للعبور إلى مشروعهم الخاص والبعيد كل البعد عن آمال وطموحات الشعب المصري وشعوب منطقتنا عموماً، وأن تعريفهم لهذين المصطلحين يختلف تماماً عما اصطلح واتفق عليه غالبية المهتمين في الشأن العام والسياسيين ممن يسعون لإقامة دول مدنية حديثة.
اكتشفنا أنّ شعار الديمقراطية الذي يرفعونه ليس المقصود به إلا الفوز بالانتخابات عن طريق الحصول على أغلبية الأصوات، وأنّ من حق الفريق الفائز وضع دستور (بدلاً من أن يكون توافقياً) لا يشارك بالاستفتاء عليه إلا ثلث الشعب المصري ولا يوافق عليه إلا ثلثا هؤلاء المشاركين! والذين لن يتعدوا بأفضل الأحوال حاجز الـ٢٠٪ من الشعب... وأنّ من حق هذا الفريق الفائز أن يحصَن قرارات الرئيس المنتخب من خلال إعلان دستوري أشبه ما يكون بوثيقة تمليك لهذا الرئيس عبر منحه سلطات تكاد أن تكون مطلقة... كما يعتبر هؤلاء هذه الديمقراطية ذات التعريف الغريب ضوءاً أخضر لتسخير كل إمكانيات الدولة لخدمة مشروع الإخوان المسلمين والمتمثل في سيطرة طبقتهم البرجوازية على ثروات المجتمع تحت غطاء أسلمة الدولة و دروشة مفاصلها.
ويستمر كشف تناقضات البعض عندما يركزّون فقط على التدخل العسكري الذي حاول حسم الاحتقان و إنهاء احتدام الأزمة بين المعارضين لحكم الإخوان والمؤيدين له بمعزل تامٍ عما سبقه من خروج مظاهرات مليونية تحدثت عنها وسائل الإعلام الدولية بوصفها من أكبر مظاهرات العالم في التاريخ، وعندما يصورون الحركة الثورية التي حدثت بأنها ليست إلا انقلاباً عسكرياً قام به السيسي بتسطيح وتبسيط شديدين، والمثير للاستغراب أن هؤلاء المتناقضين لا يعتبرون تدخل الجيش في ثورة ٢٥ يناير انقلاباً عسكرياً مع أنه شكّل مجلساً عسكرياً للحكم، وبينما تم الآن تشكيل مجلس مدني! و بغض النظر عن كون رئاسة مرسي نتاجاً لعملية انتخابية؛ بينما لم يكن مبارك كذلك، إلا أنّ فكرة وجود إرادة شعبية لإسقاطهما ثم تدخل الجيش هي واحدة في الحالتين! رغم أنني لم أكن أتمنى دخول العسكر على خط هذه الحركة الثورية وأخشى من تبعاته مستقبلاً وأتوجس خيفة من انقضاض العسكر على السلطة بعذر الحفاظ على أمن الدولة وسلامة الشعب، إلا أنني في الوقت نفسه لا أستطيع اختزال كل نضالات الشعب المصري بهذا التدخل!
أنا أرفض وأستنكر إغلاق القنوات الفضائية الإخوانية والطريقة المهينة التي اعتقل فيها بعض قيادييها، وأدين قتل المتظاهرين المؤيدين لحكم الإخوان، ولكن ما هو موقف المتناقضين من قتل المتظاهرين المعارضين لحكم الإخوان و من الخطاب الفئوي الذي يشبّه الصراع في مصر بالصراع بين الكفر والإيمان أو بين الإسلام وأعداء الإسلام؟... لا موقف معلناً لهم، وربما يكون موقفهم هو إضمار الفرح بذلك! ومن أشد تناقضات هؤلاء؛ استنكارهم الشديد لتدخل الأنظمة الخليجية الفج في الوضع المصري بينما هم صامتون صمت الموافق على دعم الإدارة الأميركية لمرسي وجماعة الإخوان لدرجة أنّ وسائل الإعلام الأميركية لم يبق إلا أن ترفع شعار عودة الخلافة الإسلامية!... وكذلك عدم تعليقهم على تأييد النظام الإيراني القمعي للرئيس المعزول رغم ارتفاع أصواتهم ضده بخصوص دعمه للنظام السوري المجرم!
بعيداً عن هؤلاء المتناقضين أحيي نضالات الشعب المصري الأبي المستمر في ثورته وفي طريقه نحو بناء الدولة الديمقراطية التي تنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية، وفي الوقت نفسه يجب أن يحذر هذا الشعب، خصوصاً الطلائع الثورية الواعية فيه، من تحوّل التدخل العسكري -الذي سعى لإنهاء الأزمة- إلى سلطة عسكرية تنحرف بمسار ثورة الشعب المصري مرة أخرى إلى المسار الدكتاتوري... وعلى الشعب المصري والقوى الثورية الحذر من دخول فلول نظام مبارك والعناصر المشبوهة التابعة للغرب على خط الحركة الثورية وربما تصدُّر مشهدها، وعليهم كذلك التيقظ لكي لا تجهض الأنظمة العربية المتربصة بالثورة المصرية مشروعهم الثوري والنهضوي من خلال ادعاء دعمها له؛ ومن ثم ضربه بوسائل مختلفة.
في النهاية أنا مؤمن بهمة الشعب المصري وعزيمته وإصراره وتصميمه على النهوض ببلده.. و يا مصر قومي و شدّي الحيل..
----------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي