March 2014
17

هل النظام الملكي الدستوري يتعارض ونظرة اليسار؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: د. فواز فرحان*

يسعى اليسار دائماً إلى التغيير نحو الأفضل في نواحي العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية وبما يضمن تقدماً حقيقياً للمجتمع على جميع المستويات وفي مختلف جوانب الحياة. والعدالة الاجتماعية كما يفهمها اليسار تكون عن طريق تقليص الفوارق الطبقية باتجاه إلغائها تماماً بحيث تكون ملكية (وسائل الإنتاج) ذات طابع اجتماعي لا فردي؛ وهذا لن يتحقق كاملاً إلا في ظل الإشتراكية. وينظر اليسار للحرية على أنها الحرية العامة للمجتمع والتي لا تقمع الحريات الشخصية مع وضع مصلحة المجتمع ككل قبل المصلحة الشخصية الضيقة. والديمقراطية كما يراها اليسار هي الديمقراطية التي تكون فيها سيادة الأمة سيادة حقيقية وليست التي يتم استخدامها لتثبيت سطوة الطبقة المسيطرة ولإعادة إنتاج الواقع الإستغلالي الرأسمالي الذي تتسيّده البرجوازية.

لا يوجد عند اليسار نموذج واحد معلب يفرضه على كل واقع بمختلف ظروفه الزمانية والمكانية، ولكنه يقرأ الواقع طبقياً مع فهمه لمستوى تطور المجتمع ويضع مشروعه المرحلي بناءً على قراءته لهذا الواقع. والتطور السياسي والاقتصادي بناءً على فهم اليسار هو تراكم كمي يؤدي إلى تغيّر نوعي، وهذا التراكم مفتاحه النضال المستمر والحصول على المزيد من المكتسبات حتى الوصول إلى الهدف الأسمى والصورة الأفضل؛ وليست الملكيات الدستورية والأنظمة الإشتراكية غير المكتملة إلا مراحل أكثر تطوراً مما سبقها يحصل فيها الناس على مكتسبات أكثر ويسترجع حقوقاً أوسع. فمن يحصر مشاريع اليسار على مستوى التطور السياسي والديمقراطي بالجمهورية الديمقراطية فقط وعلى مستوى التطور الاقتصادي-الاجتماعي بالنظام الإشتراكي الكامل فقط عليه أن يعيد تعريفه وفهمه لليسار. قد يتحقق التطور السياسي والديمقراطي في ظل الملكيات الدستورية وقد يتراجع هذا التطور في ظل الجمهوريات الديمقراطية؛ وليست النرويج والدنمارك والسويد إلا نماذج ناجحة على اكتمال الحياة الديمقراطية ونضوج الواقع السياسي في ظل الملكية الدستورية. بحسب مؤشر الديمقراطية العالمي تتربع النرويج والدنمارك والسويد على قمة الدول المكتملة ديمقراطياً وتصنّف على أنها (ديمقراطيات كاملة)؛ بينما تقع الكثير من الجمهوريات الديمقراطية في مراكز أقل بكثير من مراكز الدول سالفة الذكر. وعلى مستوى العدالة الاجتماعة تحرز النرويج والدنمارك والسويد المراكز الأولى بناءً على مؤشر التنمية البشرية العالمي؛ بينما قد تكون هذه العدالة الاجتماعية متراجعة في دول ترفع شعار (الإشتراكية) وليس لها من هذا الشعار نصيب إلا البهرجة الإعلامية.

في الكويت على سبيل المثال باتت الدعوة إلى استكمال النظام الديمقراطي البرلماني في ظل الإمارة الدستورية مطلباً مستحقاً ومتبنى من أغلب الأطراف المعارضة الكويتية، وهذا يعتبر فهماً واقعياً لطبيعة مجتمعنا ولمستوى تطوّر النظام السياسي في الدولة. وعلى مستوى النظام الاقتصادي يجب التركيز على الحفاظ على المكتسبات الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة والإسكان والدعم الغذائي والعمل وعدم تصفية القطاع العام لصالح البرجوازية والرجوع إلى ما نصت عليه مناقشات اجتماعات المجلس التأسيسي في عام ١٩٦١م وخصوصاً الجلسة ٢٦ حيث قال الخبير الدستوري د.عثمان خليل عثمان في رده على استفسار السيد سليمان أحمد الحداد بأن الدولة تتبنى (الإشتراكية المعتدلة) كنظام اقتصادي.

خلاصة القول هي أن تبني النظام الديمقراطي البرلماني في ظل الملكية الدستورية أو الإمارة الدستورية كأفق للتطور السياسي وتبني الحفاظ على المكتسبات (الإشتراكية) والسعي نحو تطويرها كأفق للتطور الاقتصادي-الاجتماعي ليس تراجعاً من اليسار ولكنه فهم واقعي لمستوى تطور الدولة والشعب.

-----------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.