April 2014
13

من لا يسوس المُلك يخلعهُ*

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: عبدالهادي الجميل*

التاريخ يعيد نفسه دائما، وإن بأسماء وأماكن وظروف وأساليب مختلفة!

في عام 1531م، أبحر القائد الإسباني "فرانشيسكو بيزارو" وشقيقه "هيرناندو" لاستكشاف العالم الجديد، مدفوعَين بالطمع للثروة والمجد، فـ رست سفنهما على سواحل أمريكا الجنوبية. كان "بيزارو" قد تحالف، في سبيل ذلك، مع قائد عسكري إسباني مغامر إسمه "دييغو دالماغرو"، وتعاهدا على الوفاء المتبادل وتقاسم الغنائم المنتظرة بالتساوي.

توغّل "بيزارو" وجنوده، الذين لم يتجاوز عددهم الـ 150، في أمريكا الجنوبية، وكان يقدّم الهدايا للسكّان الأصليين من الهنود الحمر ليستميلهم ويحظى بثقتهم، فأخبروه عن مكان إمبراطورية "الإنكا" الغنيّة بالأحجار الكريمة والذهب والفضّة، فسال لعابه وسار إليها، فوصلها عام 1532م.

في تلك الفترة، كانت إمبراطورية الإنكا تشهد صراعا ضاريا بين الأخوين " آتاوالبا" و" هواسكار" للظفر بالحكم. انتهى الصراع بانتصار الأوّل وتسميته إمبراطورا جديدا للإنكا. استغل "بيزارو"، كعادة الإنتهازيين، ما حدث، فأخذ بالتقرّب من" آتاوالبا"، حتى اطمأن إليه الإمبراطور الساذج الذي دفع ثمن ذلك غاليا فيما بعد.

استخدم "بيزارو" الحيلة في السيطرة على الإمبراطور ونجح في عزله عن شعبه وأخفائه في مكان سرّي!

واستغل مكانة الإمبراطور الروحية باعتباره أحد الآلهة المقدّسة لدى أبناء شعب الإنكا الذين كانوا لا يردّون له أمرا ولا يناقشونه في أقواله أو أفعاله، فقام "بيزارو" بإجبار الإمبراطور على إصدار الأوامر العليا لأبناء شعبه، بأن يجلبوا كل ثروات الإمبراطورية من أحجار كريمة وذهب وفضّة ليعطوها لـ"بيزارو"، فوقعت الإمبراطورية الثريّة تحت سيطرة القائد الإسباني، وأصبحت تعمل بكل طاقاتها من أجل مصلحته الشخصية بدلا من مصلحة الشعب، وأصبح "بيزارو" الحاكم الفعلي للإمبراطورية والمتصرّف بها ولكن بشكل غير رسمي، فقد كان بدهائه، يقوم بذلك عبر الإمبراطور المغلوب على أمره!

جمع "بيزارو" ملايين القطع من الأحجار الكريمة والذهب والفضّة، وأعطاها لشقيقه الذي أبحر بها باتجاه إسبانيا. بعد ذلك شعر "بيزارو" بضرورة التخلّص من" آتاوالبا" لانتفاء الحاجة إليه، فقرر البحث عن حاكم جديد للإنكا كي يؤمّن غطاءً سياسيا ودعما أمنيّا لمشاريعه الجهنمية، فأغرى أحد أقرباء "آتاوالبا" بالعرش مقابل أن يدين له بالسمع والطاعة، وهذا ما حدث بالفعل.

أعدم "بيزارو" الإمبراطور الأسير بتهمة قتل أخيه "هواسكار" ونصّب قريبه "مانكو كاباك" كزعيم للإنكا.

لم يهنأ "بيزارو" طويلا بعد ذلك، لأن حليفه " دالماغرو" استاء كثيرا من طريقته في تقسيم الغنائم بخلاف ما تم الإتفاق عليه سابقا، حيث لم ينل "دالماغرو" وأتباعه سوى القليل من الذهب في حين أخذ شقيق "بيزارو" معظم الغنائم، فنشب القتال بينهما، كما يحدث دائما بين اللصوص، فقتل"بيزارو" حليفه" دالماغرو"، ما جعل أتباع المقتول يهبّون للانتقام له، فقتلوا "بيزارو" في عام 1541م.

  • العنوان هو شطر من أحد أبيات قصيدة إبن زريق الشهيرة.

____________________________________*عضو في التيار التقدمي الكويتي