April 2014
14

التقدميون وائتلاف المعارضة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: د. فواز فرحان*

يسعى اليساريون التقدميون لتغيير الواقع المتخلّف إلى واقع متقدّم على مستوى العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية وبوصلتهم دائماً هي سعادة الناس، وللوصول إلى ذلك يستخدمون مختلف وسائل وأساليب ودرجات النضال لتغيير هذا الواقع رابطين القول بالفعل والتنظير بالعمل على الأرض، وهؤلاء في الكويت ليسوا استثناءً عن أمثالهم في كل العالم مع اختلاف الظروف ومستوى درجات التطور. كان اليساريون التقدميون في الكويت منذ بدايات خمسينيات القرن الماضي وحتى هذا اليوم منحازين لمصالح الطبقات العاملة والفئات الشعبية ومحدودة الدخل ضد مصالح ومشاريع الحلف الطبقي المسيطر وما يمثلها من ممارسات سلطوية كثيرة يصعب حصرها هنا، ولم يتأخروا يوماً عن المشاركة بكل التحركات الشعبية ضد نهج السلطة...وعندما أقول (كُل) فأنا أعني ما أقوله حرفياً.

شارك اليساريون التقدميون بفاعلية في الحراك الشعبي الذي أسقط رئيس مجلس الوزراء السابق، وساهموا بتأسيس الجبهة الوطنية لحماية الدستور في عام ٢٠١٢ برئاسة رفيقنا أحمد الديين والتي أدت مهمة معينة عند صدور مرسوم الصوت الواحد المجزوء، وكانوا عناصر فاعلة في حملة مقاطعة الانتخابات ذات الصوت الواحد الأولى حيث ترأس لجنتها رفيقنا آنذاك محمد قاسم، وتفاعلوا مع التصدي لنهج الانفراد بالسلطة حيث كان أول من ردد خطاب (كفى عبثاً) هو رفيقنا أنور الفكر ثم ردده رفيقنا فواز البحر، واستمروا بمقاطعة الانتخابات الثانية لقناعتهم بانسداد أفق العمل البرلماني، ثم شاركوا ممثلين بالتيار التقدمي الكويتي بتشكيل ائتلاف المعارضة وإعداد بيان تأسيسه؛ وذلك لإيمانهم بوجوب تطوير الحراك الشعبي الاحتجاجي إلى حراك سياسي منظم يحمل مشروعاً إصلاحياً واضحاً، ولم تكن الخلافات الفكرية عائقاً أمام انضمامهم للائتلاف لمعرفتهم بأهمية العمل (الجبهوي) في المراحل التاريخية المفصلية.

برزت خلال اجتماعات الائتلاف الأولى تناقضات حتّمت على التيار التقدمي أن يبدي موقفاً منها ويطلب توضيحات من رئاسة الائتلاف بخصوصها لأنها ستعيق عمل الائتلاف وبالتالي ستفشله مستقبلاً أو ستنحرف به إلى غير الهدف الذي أسس على أساسه؛ وكانت أهم الاستفسارات التي قدمت لرئاسة الائتلاف تدور حول تعريف التيارات والتجمعات والكتل السياسية لمعرفة مدى جديتها وضمان عدم تحكم الأفراد بقراراتها وحول موقفها من الانتخابات القادمة وكذلك حول ازدواجية عضوية البعض في الائتلاف وفي غيره من الجبهات، إلا أن الرسالة لم يتم الرد عليها ربما لمصالح رأتها بعض أطراف الائتلاف في وقتها وحتى لا يتم تقويض هذا الائتلاف في بداية تكوينه كما تعتقد هذه الأطراف، فاتخذ التيار التقدمي موقفاً واضحاً من هذا الفعل بامتناعه عن المشاركة في تشكيل المكتب السياسي واكتفائه بعضوية الجمعية العمومية فقط؛ والتي لم تجتمع منذ عامٍ إلا مرة واحدة قبل عدة أيام رغم نص إعلان تأسيس الائتلاف على وجوب اجتماعها مرةً في كل شهر... و بدا عدم انعقاد الجمعية العمومية والاكتفاء باجتماعات المكتب السياسي وكأنه إقصاءٌ غير متعمد للتيار التقدمي ارتاحت له بعض الأطراف ولم تكن واعيةً له أطراف أخرى... والطريف في الأمر أن ممثلي التيار التقدمي في الائتلاف اقترحوا أن تنعقد الجمعية العمومية مرة كل ثلاثة شهور إلا أن أغلب مكونات الائتلاف ذهبت إلى انعقادها مرة في كل شهر.

رغم كل ما سبق ظل التيار التقدمي محافظاً على علاقته المتوازنة بائتلاف المعارضة، وكان أول من قدم مشروعه كمساهمة منه في صياغة مشروع الائتلاف للإصلاح السياسي، وقدم تعديلاته واقتراحاته بخصوص المسودتين اللتين سبقتا الإعلان النهائي عن مشروع الائتلاف، ثم انقطع الاتصال بين الائتلاف والتيار التقدمي لفترة تزيد على الشهر ليفاجأ بتاريخ ٧ أبريل/نيسان الجاري بدعوة لانعقاد الجمعية العمومية لأول مرة وذلك بعد أقل من ٤٨ ساعة من الدعوة! مرفقة بالصيغة النهائية لمشروع الائتلاف والتي تجاهلت أغلب التعديلات المقترحة من التيار التقدمي... والملفت للنظر أن هذه الصيغة النهائية أُقحمت بها جرعة زائدة من الخطاب الديني والتي لم يجد التيار التقدمي لها تفسيراً إلا إرضاء التيارات الدينية داخل مكونات الائتلاف واستغلال الدين لأغراض السياسة؛ ناهيكم عن غياب التأكيد على مدنية الدولة واحترام الحريات الشخصية في هذا المشروع بينما تم ذكر ما يسمى بـ(الحكم الشرعي) والذي يحتاج إلى توضيح من الائتلاف!

امتناع التيار التقدمي عن الموافقة على هذا المشروع سببه الرئيسي الخلل الكبير في آلية عمل الائتلاف والمتمثل بعدم الالتزام بالطرق المؤسسية في العمل، والسبب الثاني هو عدم ثقته بمستقبل مواقف بعض أطراف الائتلاف من السلطة وممارساتها خصوصاً بعد الكثير من المواقف الملتبسة والتصريحات المثيرة للجدل وكذلك موقف هذه الأطراف من مدنية الدولة؛ وليس توقيع ممثل الحركة الدستورية الإسلامية على مشروع الائتلاف وربطه بالتحفظ على عدم تعديل المادة ٧٩ من الدستور إلا تثبيتاً لعدم الثقة هذه، أما السبب الثالث هو وجود انتقادات جدية وعميقة لجوانب كثيرة في مشروع الائتلاف من أهمها استحداث آلية الاستفتاء الخطيرة في ظل هذا الواقع الذي تتحكم به السلطة وأدواتها. هذا المشروع قام أساساً على رؤية التيار التقدمي الكويتي للإصلاح وعلى مشروع الحركة الديمقراطية المدنية (حدم)... إلا أنه تعرض لزيادة الجرعة الدينية وزيادة اقتراحات تعديل المواد الدستورية غير الحاسمة في تطوير البلد ديمقراطياً ولكنها مربكة للقوى السياسية وللجمهور الشعبي.

لا أعتقد بأن اليساريين التقدميين سيكونون عائقاً أمام الائتلاف للمضي في مشروعه لأنهم يتفقون مع وجهته العامة الساعية لاستكمال النظام الديمقراطي البرلماني؛ بل سيكونون متعاونين معه ومع غيره من القوى وخصوصاً القوى الوطنية الديمقراطية كالمنبر الديمقراطي الكويتي، وسيكونون -كعادتهم- في مقدمة كل حراك على الأرض يتفق وما دعا له التيار التقدمي في رؤيته التي نشرها في أغسطس ٢٠١٣م.

---------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.