بيان حول إضراب عمال النفط وتداعياته صادر عن التيار التقدمي الكويتي
لم يأتِ إضراب عمال القطاع النفطي عن العمل بناءً على رغبة ذاتية غير مسؤولة لبعض القيادات النقابية العمالية لتعطيل العمل في مرافق النفط والإضرار بمصالح البلاد والمساس بسمعتها، مثلما ورد، مع الأسف، في البيان الأخير لمجلس الوزراء، وإنما جاء هذا الإضراب بعد أن تعنتت الحكومة نفسها ممثلة في وزير النفط بالوكالة وقيادات مؤسسة البترول الكويتية ورفضت الاستجابة للمطلب العمالي العادل بإلغاء القرارات التي تنتقص من الحقوق المكتسبة لعمال النفط، ثم بعد ذلك عندما أصرّت على الاكتفاء بالإعلان فقط عن تجميدها مؤقتاً، ما يعني تمسك الحكومة بهذه القرارات ومحاولة كسب الوقت لتطبيقها لاحقاً بعد انتهاء الإضراب.والمؤسف أكثر أنّ بيانات الحكومة وتصريحات قيادات مؤسسة البترول الكويتية تتعامل مع الإضراب عن العمل على أنه عمل محظور وتدعي على خلاف الحقيقة أنه عمل مجرّم قانوناً، بل على خلاف ما هو مقرر في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي ترى أنّ الإضراب عن العمل حقّ ديمقراطي أصيل للعمال، الذين لا يقومون بالإضراب من أجل الإضراب، وإنما يلجؤون إليه للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم المشروعة، بوصفه السلاح الأخير المتاح للطبقة العاملة عندما تُسدّ أمامها السبل الأخرى، مثلما حدث بعد التعنت الحكومي والإصرار على الانتقاص من الحقوق المكتسبة لعمال النفط.والأخطر من هذا كله أنّ الحكومة عبر البيان الأخير لمجلس الوزراء وتصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل كشفت عن توجهها لاتخاذ إجراءات تستهدف حلّ اتحاد عمال البترول والنقابات العمالية العضوة فيها، بل ملاحقة القيادات النقابية العمالية تحت غطاء قانوني بذريعة التسبب في تعطيل المرافق الحيوية للبلاد والإضرار الجسيم بمصالحها، وهذا ما يكشف أنّ السلطة لا تزال مصرّة على المضي في نهجها غير الديمقراطي وتضييقها على الحريات العامة، بما فيها الحريات النقابية، التي كفلها الدستور وأقرّتها المعاهدات والمواثيق الدولية، وهي لم تكتفِ بالتضييق على الحريات السياسية وحرية التعبير عن الرأي والتجمع السلمي وملاحقة قيادات المعارضة وعناصرها، مثلما فعلت ولا تزال، وإنما هي تسعى الآن للتضييق على الحريات النقابية واستهداف الحركة النقابية العمالية بالحلّ وملاحقة القيادات النقابية المنتخبة التي تقوم بواجبها في الدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم، وهذا ما يمثّل تطوراً بالغ الخطورة.إننا في التيار التقدمي الكويتي نتفهّم الأسباب والدوافع التي قادت عمال النفط إلى الإضراب عن العمل، بعدما سُدّت أمامهم الأبواب الأخرى بسبب تعنت الحكومة، وهذا ما سبق أن أعلناه مبكراً في بياننا الصادر في 12 مارس/ آذار الماضي تجاه محاولات الانتقاص من الحقوق المكتسبة لعمال النفط، وكذلك في بياننا الصادر في 22 مارس/ آذار الماضي في أعقاب التجمع العمالي الجماهيري الحاشد بمقر اتحاد عمال البترول بالأحمدي مساء ذلك اليوم، كما أكدناه في بياننا الصادر عن المجلس العام للتيار التقدمي الكويتي في 11 أبريل/ نيسان الجاري.ونحن نرى أنّ عمال النفط إنما يتصدون الآن إلى ما هو أخطر من القرارات التي تنتقص من حقوقهم المكتسبة، من منطلق "المصالح الضيقة" مثلما جاء في البيان الأخير لمجلس الوزراء، فهم يتصدون لنهج رأسمالي "نيوليبرالي" خطير لا يستهدف عمال النفط وحدهم، بل يستهدف المساس بالمكتسبات الاجتماعية للغالبية الساحقة من أبناء الشعب الكويتي، وتحديداً ذوي الدخول المتدنية من الفئات الشعبية والفئات الوسطى في المجتمع، وتحميلهم أعباء معيشية ترهق كواهلهم، وتقليص الدعوم وبنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية وتصفية القطاع العام للدولة والقطاع التعاوني عبر خصخصتهما، وهذا ما يعبّر عنه عمال النفط برفعهم شعار رفض خصخصة القطاع النفطي، وذلك في الوقت الذي تتمتع فيه القلة المحدودة من كبار الرأسماليين والمتنفذين بخيرات البلاد وثرواتها من دون أن تتحمّل أي مسؤولية اجتماعية في دفع ضرائب على الدخول الكبيرة للمساهمة في تمويل الميزانية العامة للدولة، أو لتوفير فرص عمل حقيقية للشباب الكويتي في القطاع الخاص.وختاماً فإننا نبدي قلقنا الشديد تجاه ما أعلنته الحكومة من توجهات للتضييق على حرية العمل النقابي وملاحقة العمال المضربين والقيادات النقابية العمالية في القطاع النفطي، وندعو القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني كافة وعموم المواطنين، وكلّ مَنْ تعزّ عليه قضية الحرية والديمقراطية، إلى رفض هذا التضييق الخطير على الحريات والحقوق الديمقراطية، كما نهيب بمنظمة العمل الدولية إلى المبادرة بالتحرك السريع في هذا الشأن.الكويت في 18 أبريل/ نيسان 2016