August 2017
13

عبد الحسين عبد الرضا

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

عام 1961 كان زكي طليمات الذي أثرى المسرح في الكويت بخبرته، يقدم مسرحية صقر قريش باللغة العربية الفصحى. ظرف طارئ حال دون تمكن أحد الممثلين، هو عدنان حسين، من الالتحاق بفريق المسرحية، فكان أن حلّ محله في أداء الدور الشاب، يومها، عبد الحسين عبد الرضا. لم يكن ذلك الدور محط إعجاب طليمات فحسب، وإنما شكّل بداية الانطلاقة الفنية لهذا الممثل القدير، الذي رسم البسمة على وجوه الملايين من المعجبين بفنه خلال عقود متتالية، دون توقف، زارعاً البهجة والسعادة في القلوب، وملوناً الحياة بالفرح، حتى وافاه القدر المحتوم قبل يومين بعد أزمة صحية وهو في لندن، التي كان قد ودّعها، مجازاً، قبل ذلك بسنوات في مسرحيته الساخرة: «باي. باي لندن»، التي عرّت تشوهات وعاهات مجتمعاتنا الاستهلاكية، كما دأب على ذلك في أعمال مسرحية وتلفزيونية كثيرة. اقترنت بدايات عبد الحسين عبد الرضا بمرحلة من أكثر مراحل الكويت خصوبة وثراء على كافة الصعد. كانت الدولة المستقلة حديثاً تصنع المستقبل بدأب ومثابرة، فقد دشنت حياتها الدستورية الأكثر تقدماً بين نظيراتها العربيات على يد الشيخ عبد الله السالم، الذي لم يكن أباً للدستور وحده، وإنما للكويت كلها، وكان للدولة رجال من وزن عبد العزيز حسين وحمد الرجيب، وفي البرلمان نواب شجعان من وزن أحمد الخطيب وجاسم القطامي. واستقطبت جامعة الكويت نخبة من خيرة الأدمغة العربية، من وزن الدكاترة فؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي ويحيى الجمل وغيرهم، الذين جعلوا من الجامعة منارة للمعرفة والتنوير والإبداع، وليس بؤرة لخلايا «الإخوان المسلمين» والسلفيين وكارهي التنوير كما هي حال جامعات خليجية أخرى. وكانت صحافة الكويت عنواناً للجرأة والحرية والمهنية، وإلى جانب الأقلام الكويتية الشجاعة، كان يشارك في تحريرها رجال من وزن غسان كنفاني، ويرسم الكاريكاتير فيها فنانون من وزن ناجي العلي. عبد الحسين عبد الرضا ومجايلوه مثل سعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح وسعاد عبد الله وحياة الفهد هم نتاج تلك المرحلة، مرحلة بناء الدولة الدستورية الحديثة في الكويت، وحمل عبد الحسين تلك الروح في أعماله طوال حياته الفنية، التي لم تكن مجرد كوميديا تتوخى الإضحاك أو التسلية، وإنما كانت نقداً عميقاً لكل ما ينخر المجتمع من عاهات وأوجه فساد وتبذير عبثي للثروات وانغماس في نمط الحياة الاستهلاكي، ودعوة للتنمية الرشيدة، الحصيفة، التي تنظر بعيداً إلى المستقبل كما نلمس ذلك مثلاً في مسرحيتي «حسين بن صامت» و«الكويت عام 2000»، اللتين كانتا أشبه بالنبوءة أو الاستشراف لما سيكون عليه حال الخليج بعد نضوب الثروة النفطية، التي يجري تبذيرها دون التفكر في المآلات الصعبة القادمة بعدها، ودون توظيف عوائدها لبناء المستقبل.حسن مدن كاتب بحرينيصحيفة الخليج الاماراتية