يتحدد الخط السياسي للتيار التقدمي الكويتي في المطالبة بإطلاق الحريات الشخصية والعامة والدفاع عن الحقوق والمكتسبات الديمقراطية والعمل على توسيعها وتعميقها وصولاً إلى قيام نظام برلماني كامل وبناء دولة ديمقراطية حديثة، مع التصدي لنهج المشيخة في الانفراد بالسلطة والتضييق على الحريات وإعاقة التطور الديمقراطي.
إنّ الأزمة السياسية التي تشهدها الكويت ليست وليدة اللحظة، وإنما هي أزمة قائمة تكمن حيناً وتتفاقم حيناً آخر منذ السنوات الأولى للاستقلال، ويعود السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى الطبيعة الرجعية للسلطة ونزعتها غير الديمقراطية والطابع الطفيلي لمصالح قوى الحلف الطبقي المسيطر، والتناقض الواضح بين عقلية المشيخة ومتطلبات بناء الدولة الكويتية الحديثة التي يفترض أن تكون دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات.
إنّ النضال من أجل تحقيق إصلاح ديمقراطي يتطلّب بالأساس تشخيص العيوب والنواقص البنيوية التي تعانيها المنظومتان السياسية والدستورية، كما يتطلب تحديد العوامل التي أدّت إلى تعطيل عملية الانتقال نحو الديمقراطية، ليمكننا بعد ذلك أن نبلور أجندة للنضال من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي المنشود.
أولاً: تشخيص العيوب والنواقص البنيوية الرئيسية التي تعانيها المنظومتان السياسية والدستورية، وهي تتلخص في العيوب والنواقص التالية:
1- عدم اكتمال الطابع التمثيلي لمجلس الأمة، الذي يفترض أن يكون مؤسسة نيابية منتخبة بالكامل، إذ أنّ الوزراء غير المنتخبين هم أعضاء بحكم وظائفهم في مجلس الأمة ويشاركون في مختلف الأعمال البرلمانية، باستثناء أمرين هما: عدم إمكان ترشيحهم إلى عضوية لجان المجلس، التي يشاركون في انتخاب أعضائها، وعدم مشاركتهم في التصويت على طلبات طرح الثقة في الوزراء منفردين وعدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء... وهذا يعني أنّ مجلس الأمة ليس منتخبا بالكامل، وأنّ طابعه التمثيلي النيابي كان ولا يزال ناقصا.
2- الضمانات المبالغ فيها، التي تتمتع بها الحكومة، إذ لا يشترط دستور الحدّ الأدنى حصولها على الثقة النيابية المسبقة، ولا يمكن طرح الثقة في الحكومة ككل، وإنما يمكن فقط أن يتم طرح الثقة في كل وزير على حدة وذلك بعد استجوابه، أما رئيس مجلس الوزراء فلا يمكن أن تُطرح فيه الثقة، بل يمكن فقط تقديم طلب بعدم إمكان التعاون معه، وذلك بعد استجوابه، وهو طلب محفوف بالمخاطر لأنّه يفتح الباب أمام إمكانية حلّ مجلس الأمة نفسه.
3- انعدام وجود آلية مقررة دستوريا لتداول مناصب السلطة التنفيذية، مثلما هي الحال في أي نظام ديمقراطي، ما أدى إلى تثبيت ما يشبه الاحتكار الدائم أو طويل الأمد للعديد من هذه المناصب.
4- غياب الحياة الحزبية المنظمة، التي هي أحد أهم مكونات النظام الديمقراطي، ما أدى إلى تكريس الطابع الفردي للعملية الانتخابية، التي يخوضها المرشحون فرادى، وكذلك الطابع الفردي للعمل البرلماني.
5- نجاح السلطة في تعطيل العمل بالدستور وإفراغه من محتواه وتكريس نهج الإنفراد بالسلطة، وذلكإما بالانقلاب مباشرة على الوضع الدستوري مثلما حدث أول مرة في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين ومرة أخرى في النصف الثاني من الثمانينيات حتى بداية تسعينيات القرن العشرين؛ أو عبر التواطؤ مع الغالبية النيابية الموالية للسلطة في معظم المجالس النيابية المتعاقبة عندما تمّ تمرير مجموعة من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة والسالبة للحقوق الديمقراطية المقررة في الدستور، أو باستغلال ضعف المعارضة لتثبيت تدابير وإجراءات وتقاليد كرّست انفراد السلطة بالقرار.
6- النظام الانتخابي المعبوث به، الذي أدى إلى تحكّم السلطة في العملية الانتخابية ومخرجاتها وعرقلة إمكانية وجود غالية نيابية خارجة عن طوعها، وتكريس الطابع الفردي في خوض الانتخابات وفي العمل البرلماني.
ثانياً: تحديد العوامل التي أدّت إلى تعطيل عملية الانتقال إلى الديمقراطية في الكويت طوال نصف القرن المنصرم، التي نستطيع أن نلخصها في العوامل الموضوعية التالية:
1- موقف السلطة المعادي للديمقراطية ومحاولاتها المتواصلة لإعاقة تطورها وتقليص هامش الحريات وتكريس نهج الانفراد بالقرار، ونجاحها في إفراغ دستور 1962 من العديد من مضامينه الديمقراطية وفرضها ترسانة من القوانين المقيدة للحريات أو المناقضة لأسس النظام الديمقراطي، وتحكّمها في النظام الانتخابي، ما أدى شيئاً فشيئاً إلى انسداد أفق الإصلاح عبر الانتخابات وأساليب العمل البرلماني.
2- سطوة الدولة الريعية واستقلال قرارها عن المجتمع.
3- التأثيرات السلبية لقيم المجتمع الاستهلاكي، وكذلك التأثيرات السلبية للبُنى الاجتماعية التقليدية الطائفية والقبلية والعائلية، خصوصاً في ظل محاولات السلطة تمزيق النسيج الوطني الاجتماعي وتأجيج النزعات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية.
أما العوامل الذاتية فتتمثّل في:
1 - عدم إشهار الأحزاب السياسية.
2- الموقف الدفاعي الذي تشكّل تاريخياً لحماية دستور 1962 من الانقلاب السلطوي عليه، ما أدى إلى تحييد المطالبة بإقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل.
3- التعويل المبالغ فيه على الانتخابات والعمل البرلماني على حساب أشكال النضال السياسي الأخرى وبالأساس منها النضال الجماهيري.
ولئن كان من المهم إدراك العوامل الموضوعية وتأثيراتها، فإنّه يمكن بذل الجهود من أجل تعديل العوامل الذاتية أو العمل على تغييرها.
ثالثاً: بلورة أجندة النضال من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي:
حتى يمكننا أن نبلّور أجندة واضحة من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي، لابد أولاً من تحديد الهدف المراد بلوغه بدقة ووضوح، وبعدها لابد من رسم خارطة الطريق من أجل تحقيق هذا الهدف.
إنّ تحديد الهدف بدقة أمر مستحق، ذلك أنّ هناك التباسات تثيرها بعض الدعوات المطروحة للإصلاح الديمقراطي، فهناك مَنْ يدعو إلى "الإمارة الدستورية"، وهناك آخرون يدعون إلى "الحكومة الشعبية" أو "رئيس الوزراء الشعبي"، وغيرهم ينادي بما يسميه "الحكومة البرلمانية"، فيما تنتشر دعوات تطالب بإقامة "الحكومة المنتخبة"، وهي دعوات لا نرفضها ولكننا نرى ضرورة تدقيقها وإزالة ما يحيط بها من التباسات وخلط.
ذلك أنّ "الإمارة الدستورية" يمكن أن تُفسّر في حدّها الأدنى المتحقق شكلياً الآن بمعنى وجود دستور ينظم سلطات الأمير، بينما القصد من طرح هذا المطلب يتجاوز ذلك، كما أنّ مطلب "الحكومة الشعبية" يمكن أن يعني فقط أن يكون رئيس الوزراء والوزراء من المواطنين وليس من الشيوخ من دون استكمال شروط النظام البرلماني، حيث يتم توزيرهم كأفراد، ومثلها الدعوة إلى "الحكومة البرلمانية" التي يمكن أن تُختزل في حكومة تتشكّل في معظمها من أعضاء مجلس الأمة كأفراد... أما مطلب "الحكومة المنتخبة" فهو لا يمكن أن يتحقق بصورة دقيقة إلا في النظم الرئاسية، عندما يتم انتخاب الرئيس الذي يعيّن إدارته، بينما الأمر مختلف تماماً في الأنظمة البرلمانية، التي هي مآل التطور الديمقراطي للأنظمة الوراثية، إذ لا يتم انتخاب رئيس مجلس الوزراء والوزراء مباشرة، بل يتم تعيينهم من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان.
ومن هنا فإنّ المصطلح الأدق للهدف الذي نسعى إلى بلوغه من تحقيق الإصلاح الديمقراطي هو إقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل، الذي يقوم على خمسة أركان هي:
أولاً: وجود أحزاب سياسية.
ثانياً: تداول ديمقراطي للسلطة.
ثالثاً: ضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان.
رابعاً: اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان.
خامساً: أن يكون رئيس الدولة حَكَمَاً بين السلطات لا طرفاً في المنازعات السياسية.
ويمكن القول إنّ هناك مستويين مختلفين ولكنهما مترابطان للإصلاح الديمقراطية، المستوى الأول هو مستوى الإصلاح السياسي الذي يمكن تحقيقه من دون الحاجة إلى تنقيح الدستور، والمستوى الآخر هو الإصلاح الدستوري الذي يتطلب مثل هذا التنقيح المستحق.
المستوى الأول هو مستوى الإصلاح السياسي الديمقراطي:
والقصد هنا هو الإصلاح السياسي الذي يمكن تحقيقه من دون الحاجة إلى تنقيح "دستور الحدّ الأدنى"، ويتمثّل في:
1-تفعيل أحكام “دستور الحدّ الأدنى” ونصوصه التي لما تطبّق بعد ولا تزال مُعطلة ومعلّقة فيما يتصل بأمور عديدة من بينها تغليب الطابع البرلماني على الرئاسي في نظامنا الدستوري، واستعادة مجلس الوزراء لدوره الدستوري المفترض، وعدم احتكار مناصب رئاسة مجلس الوزراء ووزارات السيادة، والتمسك باحترام مبدأ الفصل بين السلطات؛ واستقلال القضاء، وتأكيد حق الأفراد في اللجوء المباشر إلى القضاء الدستوري من دون أي عراقيل، وكفالة حقّ التقاضي من دون تحصين لبعض القرارات الإدارية، وتشكيل مجلس الدولة ليتولى مهام القضاء الإداري والإفتاء والصياغة القانونية، وهي أحكام ونصوص دستورية معطّلة لما توضع بعد موضع التطبيق على الرغم من مرور نحو نصف قرن على إصدار الدستور.
2- مكافحة مختلف أشكال الإفساد والفساد والرشاوى واستخدام المال السياسي واستغلال النفوذ والتنفيع، وتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, والملاحقة القانونية والفضح السياسي للمفسدين والفاسدين.
3- رفض أي شكل من أشكال التدّخل السلطوي في العملية الانتخابية، وتعديل قانون الانتخابات بما يحدد سقفاً أعلى للإنفاق الانتخابي للمرشحين مع تقديم إعانات للمرشحين غير القادرين على توفير حد أدنى ومكافئ من الإنفاق الانتخابي.
4- إلغاء نظام الصوت الواحد في ظل الدوائر الخمس، الذي فرضته السلطة منفردة، وإصلاح النظام الانتخابي وصولاً إلى صيغة متوافق عليها في شأن نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بالارتباط مع استحداث نظام التمثيل النسبي للقوائم الانتخابية، شريطة أن تكون هذه القوائم مؤلفة على أسس سياسية ووطنية بعيدة عن التفرقة والاستقطابات القبلية والطائفية والفئوية. بالإضافة إلى توسيع القاعدة الانتخابية بتخفيض سن الناخب إلى 18 عاماً، وإلغاء وقف حقّ العسكريين في الانتخاب.
5- انتزاع الحق الديمقراطي في إشهار الأحزاب السياسية عبر قانون ديمقراطي يعتمد آلية قيام مؤسسي كل حزب بالإخطار عن تأسيس حزبهم من دون حاجة إلى حصول هؤلاء المؤسسين على الترخيص الحكومي بذلك، مع ضرورة تأكيد القانون على أن تتشكّل الأحزاب السياسية وفق أسس وطنية وليس طائفية أو قبلية، وأن تعمل بوسائل سلمية.
6- إلغاء القوانين المقيدة للحريات وخصوصاً حرية الاجتماع العام وحرية التعبير عن الرأي والحقّ في تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك إلغاء القيود المفروضة على حق التقاضي أمام المحكمة الإدارية، إلى جانب التأكيد على حماية الحريات الشخصية للأفراد من الوصاية والتدخل؛ وعدم المساس بالطابع المدني للدولة.
7- إطلاق سراح المعتقلين وسنّ قانون للعفو العام عن قضايا الرأي المعروضة أمام جهات التحقيق والمحاكم حالياً، وذلك من دون أي شروط أو تعهدات.
8- إلغاء عقوبة إسقاط الجنسية الكويتية أو سحبها أو فقدها عن المواطن الكويتي لاعتبارات سياسية وإلغاء القرارات الانتقامية الانتقائية الجائرة التي جرى اتخاذها في هذا الشأن .
9- تحقيق المساواة الكاملة بين الكويتيين كافة على أساس المواطنة الدستورية الحقة، ورفض سياسات التفرقة والتمييز وفق الاعتبارات العائلية والقبلية والطائفية والمناطقية.
10- المساواة الدستورية والقانونية الكاملة بين المرأة والرجل على أسس من العدالة وفي مختلف المجالات ومؤسسات الدولة وقوانينها وخدماتها، وإلغاء ما يتعارض مع هذا المبدأ الديمقراطي من قوانين وإجراءات تمييزية، مثلما هي عليه الآن قوانين الجنسية والرعاية السكنية والتعيين في القضاء والترقيات للمناصب الإدارية القيادية.
11- إلغاء الأجهزة الأمنية القمعية، وتحديداً الإدارة العامة لأمن الدولة، وتجريم التجسس السياسي على المعارضين وملاحقتهم، ووقف الاستدعاء غير القانوني لهم واستخدام أساليب التهديد والتعذيب أثناء التحقيق، وحظر استخدام العنف مع المتظاهرين السلميين.
12- رفض الاتفافيات الأمنية الموجهة نحو تقييد الحريات العامة أو الماسة بالسيادة الوطنية.
13- احترام الحقوق والحريات النقابية، وضمان حق الإضراب عن العمل، وتكوين النقابات الجديدة على أساس الاكتفاء بالتسجيل عن طريق إيداع وثائق التأسيس، والإقرار بحق التفرغ النقابي وحرية نشاط النقابيين في مرافق العمل.
14- المصادقة على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الإنسان، والتعامل معها كجزء من القانون الوطني، والالتزام بتطبيق هذه المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات وتقديم تقارير منتظمة عن مدى تنفيذها.
المستوى الثاني هو مستوى الإصلاح الدستوري الديمقراطي:
الذي يتطلب بدءاً تصحيح الموقف الدفاعي عن دستور 1962 الذي تشكّل تاريخياً في مواجهة الانقلابات السلطوية على الدستور، بحيث يتحوّل إلى موقف الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية المتحققة في دستور الحدّ الأدنى، مع المطالبة بإصلاح دستوري يستكمله ليصبح دستوراً ديمقراطياً.
إنّ عنوان الإصلاح الدستوري المستحق هو الانتقال إلى النظام البرلماني الكامل، وهو ما يتطلّب في حدوده الدنيا تنقيح عدد من مواد الدستور، وذلك كالتالي:
- تنقيح المادة 80 من الدستور لقصر عضوية مجلس الأمة على النواب المنتخبين.
- تنقيح المادة 98 بحيث تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة لتنال الثقة النيابية على أساسه.
- تنقيح المادتين 101 و102 بحيث يمكن طرح الثقة في الوزراء ورئيس مجلس الوزراء من دون الحاجة إلى المرور بآلية الاستجواب، ومن دون تفريق بين طرح الثقة في الوزراء أو في رئيسهم واعتباره معتزلاً لمنصبه شأنه شأنهم من تاريخ عدم الثقة به، وعدم اشتراط تحكيم رئيس الدولة عند طرح الثقة في رئيس مجلس الوزراء لاتخاذ قراره إما بإعفاء الرئيس أو بحلّ مجلس الأمة، مثلما هي الحال الآن عند تقديم طلب عدم إمكان التعاون معه.
- تنقيح المادة 116 من الدستور، أو تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، بما يؤدي إلى تأكيد صحة انعقاد جلسات مجلس الأمة من دون اشتراط حضور الحكومة، حتى لا يؤدي غيابها إلى تعطيل جلسات المجلس مثلما حدث وتكرر.
***
هذا هو الخط السياسي للتيار التقدمي الكويتي، الذي يوجّه نضالنا من أجل إطلاق الحريات الشخصية والعامة والدفاع عن الحقوق والمكتسبات الديمقراطية والعمل على توسيعها وتعميقها وصولاً إلى قيام نظام برلماني كامل وبناء دولة ديمقراطية حديثة، مع التصدي لنهج المشيخة في الانفراد بالسلطة والتضييق على الحريات وإعاقة التطور الديمقراطي.