November 2014
5

وعد بلفور والشرق الأوسط الجديد

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

مرت في 2 نوفمبر الجاري الذكرى 97 لوعد بلفور المشؤوم، من خلال الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى الزعيم اليهودي اللورد ليونيل روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فيما وصفه مناصرو القضية الفلسطينية بأنه «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، إذ لم تكن تتعدى نسبة عدد اليهود حينها 5 في المئة من مجموع السكان، في مقابل 95 في المئة من العرب في فلسطين، كان ذلك في 2 نوفمبر 1917، قبل أن يحتل الجيش البريطاني فلسطين ويحدث الانتداب.

ورغم جملة «تنظر بعين العطف» التي وردت في رسالة بلفور إلى روتشيلد حول اليهود، إلا أن بلفور كان معروفاً بمعاداته لليهود، كما أن القرار لم يكن ملزماً للحكومة البريطانية، لكنها السياسة والمخطط للهيمنة على المنطقة العربية ووراثتها بعد الحكم العثماني، والذي استلزم تقسيم الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا من خلال سايكس – بيكو، ووجود وكيل معتمد في المنطقة هو إسرائيل.

عندما هُزمت الجيوش العربية وفشلت في تحرير فلسطين، كانت تواجه عصابات «الهاغانا» فقط ولم تكن تواجه الجيش الذي لا يُقهر، كما سّمي الجيش الإسرائيلي، وآنذاك لم يكن الصهاينة يسيطرون على أكثر من ثلاثة في المئة من الأراضي الفلسطينية، وهذه الهزيمة لها تفسير واحد هو تواطؤ الأنظمة العربية وخيانتها لشعوبها ورضوخها للمستعمر ومصالحه، بالضد من مصالح شعوبها، فالتقى مشروعا الاستعمار والأنظمة العربية في استغلال وإذلال الشعوب العربية.

بينما أثبتت المقاومة الوطنية الشعبية قدرتها على هزيمة ودحر أقوى الجيوش، فقد أورد الأستاذ علي غريب في (الطريق العدد 10)، أن «الأوبزيرفر» البريطانية كتبت في 9 مارس 1985:«لأول مرة منذ عام 1948 يشعر العرب أنهم مقاتلون ممتازون كعدوهم إن لم يكونوا أفضل بكثير، فالحروب العربية-الإسرائيلية انتهت قبل أن يتوافر للعالم العربي الوقت الكافي لمعرفة ماذا حدث، فبدت إسرائيل قوة لا تقهر لكن المفهوم انقلب رأساً على عقب، نتيجة الضربات التي وجهتها (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية)، فبالنسبة للعرب أصبحت إسرائيل فجأة قوة قابلة للتحطيم»، أليس ذلك ما تكرر مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية عدة مرات، وآخرها الهزيمة المذلّة لإسرائيل في حربها على غزة بفعل بسالة فصائل المقاومة الفلسطينية؟ لقد تطور وعد بلفور إلى المخطط الأميركي لخلق شرق أوسط جديد، من خلال تفتيت أكبر تكون أداته التأجيج الطائفي والإرهابي، وبقاء الأنظمة العربية على تواطئها ضد شعوبها، من أجل إيجاد دويلات طائفية صغيرة متناحرة، تمهيداً للسيطرة السياسية التامة والاستيلاء على ثروات المنطقة، وضمان تفوق إسرائيل.

إن المخططات ضد الدول العربية مستمرة بأشكال مختلفة، وآخرها استغلال جماعات الإسلام السياسي والفاشية الدينية الإرهابية الطائفية، ولن تستطيع الجيوش ولا التحالفات الدولية أو لا ترغب في مقاومة الاحتلال «الداعشي»، بينما حققت المقاومة الشعبية الكردية والعربية انتصارات ملحوظة على العصابات الإرهابية المزروعة في أراضينا العربية.

وقد كررنا كثيراً أن نجاح أي مقاومة وطنية شعبية، يجب أن يرتبط بمشروع النضال من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير السياسي والاجتماعي، وإلا ستكون انتصاراتها لو حدثت وقتية، وسيكون ضحاياها وشهداؤها قد راحوا هباءً، ما دام الظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي يظلان بوضع مصلحة الولايات المتحدة وأوروبا أولاً، بدلاً من مصلحة الشعوب في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وإنهاء التبعية وتحقيق التنمية الذاتية.

وليد الرجيب

___________________________

منقول عن جريدة الراي تاريخ 05/11/2014 العدد:12910