July 2015
29

سياسيون ومحامون: تعديل «الحبس الاحتياطي» غير مبرر ومرفوض

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

كتب آدم عبدالحليم:
أكد عدد من السياسيين والمحامين، رفضهم بشكل قاطع محاولات إصدار مرسوم ضرورة لتعديل عدد من مواد قانون الجزاء، التي تتعلق بمد فترة الحبس الاحتياطي، مشددين على أن التعديلات بمثابة ردة وعودة للخلف.

وأضافوا لـ «الطليعة»، أن هذا التوجه لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الهجمة على الحريات في الفترة الأخيرة، التي استهدفت التضييق على الحريات، وتقليص الحقوق الديمقراطية للمواطنين، رافضين أن يتم تعديل قانون، ليكون عقوبة تتجاوز الفعل المرتكب.

في البداية، أكد عضو المكتب السياسي بالمنبر الديمقراطي د.عبدالله الوتيد، أن اللغط الدائر حاليا حول زيادة مدد الحبس الاحتياطي يؤكد ضرورة احترام القانون، مبينا أن الغاية من سنّ القوانين وتنفيذها، هي حماية المجتمع، والأهم ألا يتخطى وتتجاوز عقوبات القانون فعل الجريمة نفسها.

العقوبة على قدر الجرم

وضرب الوتيد مثالاً، بأنه لا يجوز قتل السارق أو التمادي في عقوبات أولية تتخطى الجرم المرتكب، مشيراً إلى أن القوانين دائماً تراعي أن يكون الجزاء والعقوبة على قدر الجرم المرتكب، لذلك من الضروري ألا تتجاوز العقوبة الفعل المرتكب، خصوصاً لو أخذنا في الاعتبار أن الأمر مجرد اتهام في ما يتعلق بالحبس الاحتياطي.

وأضاف: من خلال قراءتي لتلك القضية، فهمت أن الأمر والتوجه لإصدار مرسوم ضرورة مرتبط بقضايا الإرهاب، بعد أحداث مسجد الصادق، وسنّ قانون مبالغ فيه يكون ملزماً للجميع، ويطبَّق على كل العقوبات، بما فيها الأمور البسيطة، أمر مرفوض تماماً، وغير منطقي، ويتجاوز المبادئ التشريعية.

واختتم الوتيد حديثه، قائلاً: إذا كانت هناك ضرورة من ذلك، فعلى الحكومة أن تسنّ قانوناً خاصاً بالإرهاب، كما حدث ويحدث في جميع دول العالم، أو تقتصر مدد الحبس الاحتياطي على جرائم محددة فقط تتعلق بالإرهاب والقضايا المشابهة، ولا تمتد إلى بقية القضايا الأخرى.

هجمة على الحريات

من جانبه، قال المنسق العام للتيار التقدمي، ضاري الرجيب، إن التحركات الحالية، التي تصبُّ جميعها في اتجاه إصدار مرسوم ضرورة بشأن تمديد الحبس الاحتياطي، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الهجمة السلطوية على الحريات وتضييق الهامش المتاح من الحريات مع تقليص الحقوق الديمقراطية للناس.

وأضاف أن تلك الهجمة اتضحت بمجموعة من القوانين والإجراءات، التي مرَّت ويجري التحضير لها، ومنها على سبيل المثال، قانون هيئة الاتصالات، وقانون البصمة الوراثية، ومشروع بقانون «الإعلام الموحد»، الذي يجري التحضير له، إلى جانب الاقتراح بقانون الخاص بتنظيم اتحاد الطلبه، فضلاً عن حزمة أخرى من الاقتراحات والمشاريع المنتظر تمريرها.

وأكد الرجيب أن كل ما يدور جزء من الهجمة، ومن الواضح أن السلطة تحاول استخدام الحبس الاحتياطي كعقوبة، من دون حكم قضائي تعاقب فيه مَن تريد معاقبته تحت ذريعة الحبس على ذمة التحقيق في قضية، بغض النظر عن توافر متطلبات مثل هذا الحبس في مدد طويلة.

وأشار إلى أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن له بُعداً آخر، يتمثل في محاولة النيل من مكسب من المكاسب التي تحققت في مجلس ٢٠١٢ (المبطل الأول)، وذلك بعد أن أقرَّ المجلس وقتها تعديلات على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وقلص مدة الحبس الاحتياطي ووضع ضمانات أكثر للمتهمين.

ووصف الرجيب في نهاية حديثه ذلك المرسوم المنتظر، بأنه تراجع في مجال الحريات والحقوق المكتسبة، داعياً الجميع إلى التصدي له، مؤكدا رفضه بشكل شخصي وتنظيمي لتعديل القانون الحالي بمرسوم ضرورة، أو أي قانون أو إجراء يهدف إلى التضييق على الحريات أو الحقوق الديمقراطية للناس.

خطيئة

من جهته، أكد عضو مكتب أركان للاستشارات القانونية المحامي حسين العبدالله – المتابع للتشريعات المقيدة للحريات – خطورة النهج الحكومي حول التعديلات على قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، معتبرا أن دواعي التعديل الذي تريد الحكومة أن تقدم عليه – بمرسوم ضرورة – بمثابة ارتكاب خطيئة مرة أخرى، واصفا تلك الخطوة بغير المبررة في الوقت الحالي.

وأضاف أن ما تردده الحكومة حالياً بشأن ضيق مدة الحبس على المتهمين بحبسهم 10 أيام، وتأكيدها أن الوضع السابق – قبل تعديلات المجلس المبطل الأول – يريح جهات التحقيق بحبسهم 21 يوماً، مبررات سببها عدم رغبة الأجهزة المعاونة للقضاء – الداخلية – التأقلم مع نصوص القانون الجديد، علاوة على فشلها في عدم تجاوز المصاعب العملية التي يتم ترديدها بشأن مشاكل التعديل، وعدم اطلاعها على تجارب الدول التي سبقتنا.

ولفت العبدالله إلى أن التعديل، الذي أقر بتقليص مدة الحبس الاحتياطي، تم تمريره عام 2012، وأن المبررات التي تسوق لمد فترة الحبس الاحتياطي قد تكون مقبولة لبعض القضايا، كقضايا القتل أو الشروع فيه، أو الإرهاب أو التخابر أو التجسس، وكلها أمور تحتاج إلى بعض التقارير الأمنية والفنية، ولا يمنع فيها من وضع مدة الحبس كاملاً، بألا تتجاوز الـ90 يوماً، وليس 45 يوماً، لكن من غير المنطقي أن نعود إلى فترة الحبس الاحتياطي (مدة 6 أشهر) لكل القضايا بأنواعها من جنح وجنايات وغيرها من جرائم بالإمكان الانتهاء منها في غضون فترة أقل من أسبوعين.

تراجع

واعتبر أن عودة مدة الستة أشهر مرة أخرى تعني تراجع حق الفرد في الحصول على محاكمة سريعة له، كما تتعارض مع حقه في المثول أمام قاضيه الطبيعي، لينال جزاءه أو براءته، مضيفا أنه ليست هناك ضرورة لعودة مدة الأيام الأربعة «حجز» للاشتباه، على اعتبار أن الأجهزة التي تقوم بالتحقيق، كالنيابة العامة، لم تشتكِ من المدة الحالية المحددة للاشتباه، متسائلاً: ما مبررات عودة فترة الاشتباه إلى مدة الأيام الأربعة، بدلاً من يومين؟

وتساءل العبدالله: ألم نأخذ الدروس من جريمة خطف وتعذيب وقتل المواطن محمد الميموني، أم ننتظر «ميموني» آخر، حتى نقتنع بأن مدة الاشتباه مبالغ فيها وغير مبررة؟، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية قادرة عندما يتم تفعيل قوانين «البصمة الوراثية والكاميرات وغيرها من القوانين الحديثة» على الكشف عن المجرمين في 24 ساعة، وليس في 48، لكن يبدو أن هناك إصراراً على تعديل مدة الاشتباه لأربعة أيام، ما يدل على أن الأمر بمثابة ردة تشريعية غير مقبولة وغير مبررة نهائياً.

٢٩ يوليو ٢۰۱٥

جريدة الطليعة