November 2014
11

العمل الجبهوي واستنهاض الشارع

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

د. فواز فرحان*

انعقد المؤتمر الأول للتيار التقدمي الكويتي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني من عام ٢٠١٤م، وهو بالمناسبة أول مؤتمر علني لحركة يسارية تقدمية منذ انطلاق الحركات اليسارية التقدمية في الكويت كالعصبة الديمقراطية في خمسينيات القرن الماضي والحركة الثورية الشعبية في الستينيات وحزب اتحاد الشعب في السبعينيات. انتقل التيار التقدمي بهذا المؤتمر من الوضع التأسيسي إلى الوضع المؤسسي، فبعد أن كان المجلس العام مُعيناً ومكوناً من المؤسسين ومن التحق بهم بعد إعلان التأسيس أصبح منتخباً ومحكوماً بنظامٍ أساسي ولوائح وقوانين طوّرها المؤتمر الأول وأقرّها. فتهانينا لكل الرفيقات والرفاق بهذه الخطوة التاريخية المهمة ونتمنى لهن ولهم المزيد من التقدم والحرية والعدالة الاجتماعية.

الذي قام به التيار التقدمي ليس إنجازاً غير مسبوق، بل هو من أبجديات العمل السياسي المنظّم. فمن غير المنطقي المطالبة بإشهار الأحزاب وهي غير موجودة على الأرض، ومن غير المفهوم المطالبة بالتداول السلمي لمناصب السلطة التنفيذية بينما الحركات السياسية غير جاهزة ولا يحكمها نظام أساسي أو لائحة داخلية وليس لديها خطوط سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، ومفارقة كبيرة أن نسعى لاكتمال النظام البرلماني الديمقراطي بينما بعض الأطراف في المعارضة لا قيادة جماعية لها وتقوم على الرغبات الشخصية وتفتقد للبرامج المرحلية. وكنا دائماً كتقدميين نحاور بعض الأصدقاء الناشطين في الحراك الشعبي المعارض والذين يرفضون فكرة الانتماء إلى حركات سياسية منظمة لإقناعهم بعدم جدوى العمل الفردي وانسداد أفقه مستقبلاً. وأعتقد بأن الكثيرين منهم اليوم باتوا شبه مقتنعين بذلك خصوصاً بعد حالة الركود التي سادت أوساط المعارضة لأسباب موضوعية وذاتية يصعب حصرها هنا.

وعندما راجعنا تجربتنا كتقدميين في الحراك الشعبي توصلنا إلى أن أغلب أسباب تعثر أغلب مراحله كانت تعود لغياب العمل المنظّم القائم على لوائح واضحة. ونظرة سريعة لتجربة الجبهة الوطنية لحماية الدستور وائتلاف المعارضة ستجعلنا نتلمس ذلك، وحتى الحركات الاحتجاجية كحركة (السور الخامس) و(كافي) و(نريد) و(كرامة وطن) يعود تعثر مسيراتها إلى غياب العمل التنظيمي و وجود النزعات الفردية في القرارات؛ رغم أهمية الأدوار المرحلية التي قامت بها. وفي مرحلة لاحقة انجرّت بعض أطراف المعارضة إلى معارك جانبية وتبنى بعضها لغة تخوينية وإقصائية، ثم وجدت بعضها الأخرى نفسها غارقة في مستنقعات الصراعات السلطوية-السلطوية. لذلك فأنا أدعو الأصدقاء والأحبة في الحراك الشعبي سواء كانوا مستقلين أو أعضاء في حركات سياسية إلى مراجعة هذه التجارب ليصلوا إلى ما وصلنا إليه من تشخيص وتحليل.

تتصاعد في هذه الأيام دعوات من هنا وهناك لإعادة (إنعاش) الحراك الشعبي، وهي دعوات نقدر دوافع أصحابها النبيلة والسامية، ولكننا يجب أن نتوقف عندها قليلاً. كلنا رأينا كيف أثرت الضربات السلطوية للناشطين المعارضين في حيوية ونشاط الحراك الشعبي، فالملاحقات الأمنية والقضائية والقمع الشديد للاعتصامات والمسيرات السلمية وحملات سحب الجناسي آتت أُكُلها بالنسبة للسلطة. وفي المقابل تفتقد أغلب القوى السياسية المعارضة للتنظيم والقيادة الجماعية والاحتكام للوائح لا للآراء الفردية، وبالتالي فشلت في إكمال أي عمل جبهوي لمواجهة هذه الضربات. نجاح النهج السلطوي بفعل القمع وعجز المعارضة عن مواجهة هذا النهج بفعل فقدان التنظيم هما أسباب ما نراه اليوم من تراجع للحراك الشعبي. لذلك من غير المنطقي أن نعيد تكرار نفس التجارب مع وجود نفس عوامل فشلها، ومن غير الملائم أن نطالب الناس بالنزول للشارع من غير مشروع متفق عليه وأسلوب مدروس و وسيلة واقعية، خصوصاً وأنهم يتعرضون لقمع السلطة من غير وجود منقذ. برأيي المتواضع: على القوى السياسية المنظمة مراجعة تجاربها، وعلى القوى السياسية شبه المنظمة إكمال تنظيم أنفسها، وعلى المعارضين المستقلين الانتماء للتنظيمات حتى لا يصحبوا مجرد ضحايا من غير قضايا. بعدها نتحدث عن العمل الجبهوي واستنهاض الشارع.

------------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.