December 2014
9

دوغمائية بعض الليبراليين في الكويت

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: د. فواز فرحان*

عندما قررت الصديقة لمى العثمان التوقف عن الكتابة في الشأن العام أصبت بخيبة أمل مؤقتة بدّدتها معرفتي بحدود الخط الليبرالي الاجتماعي الذي ُتكرر دائماً بأنها تنتمي إليه، ثم افتقدتها بمواقع التواصل الاجتماعي التي هجرَتها الصديقة منذ مدة لأسباب تخصها، لكنني فرحت عندما جاءتني إضافة جديدة باسمها في موقع (أنستغرام) وتوقعت بأنها جاءت ويحدوها الأمل للتغيير من واقعنا المؤلم، ولكن خاب ظني -نسبياً- عندما وجدتها تشن هجومها الليبرالي على الخط اليساري وبالأخص الشيوعي منه، وكأن هذا الخط هو أساس مآسي اليوم وتناقضات الواقع! سيكون مقالي هذا للرد على كلامها الحادّ والذي هلل له مجموعة من مريدي الحدة وربما أكثر من ذلك.

وضعتُ صورة جدار كُتب عليه: الشيوعيون مرّوا من هنا، وعلقتُ على الصورة بمقولة الرفيق لينين: حيث هناك إرادة هناك وسيلة، فكان تعليق الصديقة لمى دوغمائياً كعادة بعض الليبراليين في الكويت؛ كان يتمحور حول اختزال الخط الشيوعي بالديكتاتورية واعتبار الليبرالية الاجتماعية مخلّصاً، وضربت مثالاً بالدول الإسكندنافية. فلما رددت على تعليقها بذكر نضالات الشيوعيين وتضحياتهم والقمع الذي تعرضوا له كمثال على الجانب الآخر من الحقيقة -والذي تتحاشاه الصديقة لمى- اتهمتني بعدم تقبل النقد لأنني دوغمائي على حد وصفها. لم أستغرب من اتهامها لي بعدم تقبل النقد، لأن بعض الليبراليين في الكويت يعتبرون رد الشيوعيين على الاتهامات عدم تقبل للنقد وبعضهم قد يذهب أبعد من ذلك ليضع تعليقات الشيوعيين في خانة الإقصاء لغيرهم!

اليساريون عموماً والشيوعيون خصوصاً هم أكثر من يراجع تجاربه وينتقد تحليلاته واستنتاجاته لأنهم يتبنون الفكر المادي الجدلي؛ هذا الفكر الذي يقوم على معطيات الواقع وتتغير مشاريعه بحسب الظرف الموضوعي للمكان والزمان وبحسب الظرف الذاتي للطليعة التي تتبنى هذا الفكر. أكثر من انتقد وراجع تجربة الاتحاد السوڤييتي وتجربة الصين الإشتراكية هم اليساريون والشيوعيون، وكتبوا في ذلك العديد من المقالات والدراسات وألّفوا الكثير من الكتب التي توثق ذلك، ولكن هذه المراجعات والانتقادات قامت على التحليل العلمي وليس على ردود الأفعال والانجراف وراء الدعاية الغربية عموماً والأميركية خصوصاً. اليساريون والشيوعيون اليوم يحكمون أغلب أميركا اللاتينية، يحكمونها عبر الانتخابات الحرة النزيهة والتداول السلمي للسلطة وليس عبر تكرار طرق وأساليب أي تجارب يسارية وشيوعية أخرى، وتجربة اليسار في أميركا اللاتينية تتطور يومياً باتجاه المزيد من العدالة الاجتماعية وصولاً إلى الإشتراكية، وبالمناسبة فإن هذه التجربة تعرضت وتتعرض للتدخلات (الليبرالية) الأميركية عبر الانقلابات العسكرية -كما حدث مع أليندي وتشافيز- وعبر ضغط الشركات الرأسمالية كما يحدث اليوم في الأوروغواي والأرجنتين وبوليڤيا. التجربة الصينية الإشتراكية كذلك قفزت عدة قفزات خلال تاريخها وتعرضت للنقد والتعديل عدة مرات على أيدي مناضلي الحزب الشيوعي الصيني وغيره، قد يكون نظامها غير المكتمل ديمقراطياً أحد مثالب تجربتها؛ ولكنها بالتأكيد انتشلت الصين من بلد متخلف ومُستعمَر وغارق بالفقر والأوبئة إلى بلد قوي اقتصادياً ويصنف ثاني قوة اقتصادية في العالم. الأحزاب اليسارية والشيوعية في الدول الأوروبية انتقدت تحليلاتها وتجاربها السابقة وطوّرت مشاريعها، واليوم هي قوة لا يستهان بها في الكثير من برلمانات جنوب أوروبا. حتى الحزب الشيوعي الروسي الذي تلقى ضربة قوية بإلغاء الاتحاد السوڤييتي لايزال يحصل على قرابة ثلث مقاعد البرلمان! إذن التجارب اليسارية والشيوعية تتطور وليست مقدسة وهذا ينفي دوغمائيتها و وصمَها بالديكتاتورية.

بالنسبة للدول الإسكندنافية فهناك لبس شديد بخصوصها عند الصديقة لمى العثمان و عند الكثير ممن ينسب نفسه للخط الليبرالي في الكويت، أنظمة هذه الدول تقوم على (الإشتراكية الديمقراطية) والتي تعتبر أحد خطوط الماركسية، وتنطلق هذه الإشتراكيات الديمقراطية من مبدأ العدالة الاجتماعية، هذه الأنظمة يختلف خطها عن خط (الليبرالية الاجتماعية) والتي تعتبر أحد خطوط الليبرالية بنت الرأسمالية؛ ويضع هذا الخط مسألة الحرية الفردية فوق مبدأ العدالة الاجتماعية. ما يزال الواقع الرأسمالي مسيطراً على تجارب الإشتراكيات الديمقراطية في الدول الإسكندنافية ولكن الشعوب هناك تنعم برفاهية نسبية بسبب العامل الإشتراكي في أنظمة حكمها وليس بسبب العامل الرأسمالي بالتأكيد ولا بسبب علمانيتها فقط كما يعبّر بعض السطحيين. قد يكون تشابه المشاريع على الأرض بين (الإشتراكية الديمقراطية) و(الليبرالية الاجتماعية) أحد أسباب اللبس عند ليبراليي الكويت.

أين سنجد الدوغمائية والجمود الفكري؟ عند الأحزاب والتيارات والحركات اليسارية والشيوعية التي تطوّر تجاربها ومشاريعها بشكل دائم؟ أم عند البرجوازية التي تريد الحفاظ على الواقع عبر أحزابها الليبرالية الجديدة أو تحسين هذا الواقع شكلياً وجزئياً غير أحزابها الليبرالية الاجتماعية؟ من هو المثالي؟ اليساري والشيوعي الذي ينطلق من الواقع المادي ويطور فكره ومشروعه على حسب هذا الواقع؟ أم الليبرالي الذي يتبنى فكرة ثابتة ويريد فرضها على المجتمع؟ لماذا يعتبر الليبراليون تقديس الحرية الفردية ليس دوغمائية ولا جموداً فكرياً بينما يعتبرون التزام اليساريين والشيوعيين بالعدالة الاجتماعية دوغما وأصولية؟ لماذا ينتقد الليبراليون أي اقتباس من مقولات مفكرين كلينين وستالين وماو بينما لا يجدون غضاضة باقتباس مقولات من العنصري نيتشه أو ڤولتير الذي يعتبر الديمقراطية تمكيناً للرعاع؟ لماذا يتذكر الليبراليون من قتل في حروب أهلية وعالمية شارك بها اليساريون والشيوعيون بينما لا يركزون على ملايين الضحايا على أيدي (الليبراليين) الأميركيين في مناطق كثيرة من العالم؟ لماذا يعتبر الليبراليون كل اليساريين والشيوعيين من دعاة الدكتاتورية بسبب تجارب محددة ولها ظروفها بينما لا يجيئون على ذكر المليون شهيد من الحزب الشيوعي الإندونيسي وضحايا حرب ڤيتنام وزعماء اليسار والشيوعية الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الناس كالرفيق فهد وفرج الله الحلو وشهدي عطية وعبدالخالق محجوب وسلام عادل وغيرهم؟

كانت آخر فقرة من مقالي هذا عبارة عن تساؤلات أرجو أن تتم الإجابة عليها بعيداً عن التشنج، وأرجو ألا يتم اعتبار هذه التساؤلات عدم تقبل للنقد أو أنها دليل على أنني دوغمائي وإقصائي.

-----------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.