November 2014
18

الموقف التقدمي تجاه استغلال الدين في السياسة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

د. فواز فرحان*

الطبقات الحاكمة -كلها- من أجل الحفاظ على سيطرتها تحتاج إلى وظيفتين اجتماعيتين: الجلاد والكاهن؛ هكذا عبّر لينين عن دور الدين في السياسة. من منطلق التحليل الماركسي نعتقد بأن الصراع الحقيقي في كل المجتمعات ليس إلا صراعاً طبقياً؛ أي أن الصراع يكون بين طبقة تستحوذ على ثروات المجتمع وطبقة ليس لها إلا الفُتات وتخضع لقوانين هذه الطبقة المستحوذِة بسبب موازين القوى. وتلجأ هذه الطبقة المستغِلة المستحوذة على ثروات المجتمع إلى وسائل وأساليب تضمن استمرارية هذا الاستغلال والاستحواذ، و من ضمنها استخدام الموروثات الدينية والاجتماعية. وتستخرج الطبقة المسيطرة وما يمثلها من سلطة سياسية من الموروث الديني والاجتماعي ما يساعدها على إقناع الناس بأن الوضع الحالي هو الوضع الطبيعي، بل هو الوضع الأمثل.

يقول ماركس في كتابه (نقد فلسفة الحق عند هيغل): إن العذاب الديني هو تعبير عن العذاب الفعلي، وهو في الوقت ذاته احتجاج على هذا العذاب الفعلي. فالدين هو زفرة المخلوق المضطهد، وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب، والروح في أوضاع خلت من الروح. إنه أفيون الشعوب. واضح من تعبير ماركس في سياق نقده أنه يتطرق إلى الدين من وجهة نظر سياسية - اقتصادية - اجتماعية وليس من وجهة نظر تنتقد أصل الدين أو صحته من عدمها، هو هنا يحلل دور الدين واستخدامه سياسياً في التخفيف عن الناس في ظل وضع غير عادل اجتماعياً. ومن هذه النظرة وهذا التحليل يجب على الماركسيين أن ينطلقوا، وليس من منطلقات مثالية يتبناها من يسمون أنفسهم بالتنويريين أو العقلانيين. فنقد محتوى الدين مباشرة أو استهجان وجوده في المجتمع من غير قراءة سياسية اقتصادية واجتماعية له في سياقه التاريخي الصحيح يعتبر سطحية وسذاجة وافتعال لصراعات لا نتيجة لها مع السواد الأعظم من الناس، هؤلاء الناس الذين وجدوا في (التفسيرات) الدينية راحة نفسية وخروجاً مؤقتاً من زوبعة المشاكل اليومية التي تواجههم.

إذن الصراع الرئيسي في أي مجتمع هو صراع (طبقي) أو أفقي، بينما الصراعات (الفئوية) بين المؤمنين والملحدين وبين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة هو صراع عمودي؛ أي جانبي وغير رئيسي وغير حاسمٍ لحل المشاكل الحقيقية التي تلف المجتمع مثل الفقر والبطالة وعدم العدالة في توزيع الثروة والتشرّد وانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها. والمسألة المهمة الأخرى هي أن الموروثات الدينية والاجتماعية تشكل رافداً رئيسياً للكثير من العادات والأعراف والأخلاق التي تنظم حياة الناس في مرحلة تاريخية معينة، بغض النظر عن نظرتنا لهذه الموروثات وموقفنا منها، والاصطدام بها بطريقة مباشرة وفجّة تعني استفزازاً لمشاعر الناس من غير تقديم بديل يضع حداً لما يواجهونه في حياتهم اليومية، ناهيك عن أن الخطاب المنتقِد للموروث يعتبر خطاباً فوقياً متعالياً على السواد الأعظم من المجتمع والذي لا يملك الثقافة والاطلاع كما تمتلكه الطليعة الواعية والتي لا تشكل شيئاً إذا ما نظرنا إلى نسبتها في المجتمع. كل تغذية للصراعات الفئوية تعني ابتعاداً عن الصراع الطبقي الرئيسي؛ وهذا يعني عدم وجود حل حقيقي لمشاكل الناس. وكل مجموعة مهما ادعت التنوير والعقلانية وما يتبعهما من مبادئ الحرية والمساواة والعدالة تغذّي الصراع الفئوي هي بشكل من الأشكال تدعم سيطرة الطبقة المستغِلة وديمومة سطوتها واستمرار المشاكل الناتجة عن استغلالها.

في منطقتنا العربية انطلق الحراك الثوري الذي تم الاصطلاح على تسميته بالربيع العربي لسبب محدد؛ ألا وهو انعدام العدالة الاجتماعية و وجود التفاوت الطبقي، وليست المطالبات بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون إلا تعبيراً عن الحاجة لوجود وضع صحي تترسخ به هذه العدالة الاجتماعية. ورأينا كيف انحازت أغلب النخب (التنويرية والعقلانية) إلى جانب السلطات القمعية بسبب خلل في تحليلها. هذه النخب تعتقد بأن التغيير يكون من خلال تغيير ثقافي؛ أي من خلال صراعات جانبية بين الأفكار المختلفة (إيمان وإلحاد أو علمانية ودينية)، وهذا بحد ذاته ابتعاد عن الصراع بين الطبقات المستَغَلة والطبقات المستغِلة. نحن لا ننفي رجعية الأفكار الأصولية وخطورة وصولها إلى السلطة، ولكننا نعتقد بأن الحركة الثورية يجب أن تقودها الطلائع الديمقراطية والوطنية والتقدمية للابتعاد بها عن هذه الأفكار، و في نفس الوقت لتوجيهها نحو الصراع الرئيسي مع من يستغل المجتمع ويرسخ هذا الاستغلال بمختلف الوسائل والأساليب؛ والتي من أبرزها استغلال الموروثات لتشويه طبيعة الصراع وقمع الأفكار والحركات التي توجّه الناس نحو الصراع الرئيسي.

--------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.