July 2015
13

الـ «لا» اليونانية

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

لعل المتابع لما يحدث في جنوب أوروبا، وبالتحديد في اليونان واسبانيا والبرتغال، يرون حجم التدهور الذي أصاب اقتصادات هذه الدول، جراء الشروط القاسية التي تفرضها دول اليورو وأدواتها في البنك المركزي الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي تطالب هذه الدول بإجراءات تقشفية وفرض سياسة الخصخصة والانتقاص من الحقوق الاجتماعية لشعوبها، وهو ما أدى إلى إفقار هذه الدول، وتضخم نسب البطالة فيها، وتفاقم سوء الأحوال المعيشية للفقراء وأصحاب الدخول المحدودة.

هذه السياسة الاقتصادية النيوليبرالية، جعلت دولة مثل اليونان تلجأ إلى الاستدانة، ليس في عهد حكومة سيريزا اليسارية، ولكن في عهد حكومات اليمين والاشتراكية الديموقراطية السابقة، وهو ما هدد بخروج اليونان من منظومة اليورو، وهو ما جعل الأحزاب اليسارية والنقابات العمالية (بامه)، تخرج منذ سنوات في تظاهرات احتجاجية ضخمة، ضد سياسة التجويع وسرقة أموال الشعب اليوناني من قبل المستثمرين الأوروبيين واليونانيين، بدلاً من توجيه الأموال ناحية التنمية وبناء اقتصاد البلد، فقد كان الفساد اليميني المتحالف مع الرأسمال الأوروبي، ينخر في الجسد اليوناني منذ سنوات.

لكن الضغوط الأوروبية بقيادة ألمانيا، ازدادت بعدما جاءت حكومة سيريزا اليسارية، فأوروبا لا تريد أن ينشأ جسم يساري في داخلها، وهذا يذكرنا بما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استولى الحزب الشيوعي اليوناني على الحكم، بعدما قاد المقاومة ضد الاحتلال النازي، فاستنفرت بريطانيا وقامت بانقلاب في اليونان وقبرص، وجرت عملية تصفيات جسدية للعناصر الشيوعية، وهذا تكرر في إيطاليا أيضاً، فكل خشية الرأسمالية من أن تنشأ كيانات يسارية اشتراكية في أوروبا، قد تصيب الشعوب الأخرى بعدوى الانتفاضة والتمرد على برجوازية بلدانها.

وأتى انتخاب الشعب لائتلاف سيريزا، بسبب وعوده بمقاومة الإذلال الأوروبي ومحاولة تركيع اليونان، رغم أن سيريزا ليس يساراً جذرياً، وقد تنبأ الحزب الشيوعي الذي يطالب بحكومة عمال، أن يتراجع سيريزا أمام الضغوط الأوروبية للقضاء على مكتسبات الفقراء والكادحين، ولن يصمد سيريزا طويلاً رغم نتيجة الاستفتاء التي قال فيها الشعب: «لا» كبيرة بوجه أوروبا وإجراءاتها، ودعم اليمين الفاشي اليوناني للبرجوازية اليونانية.

وبالنسبة لدول منطقة اليورو، فإن خروج اليونان من المنطقة سيترك أثراً سلبياً على اقتصاد الدول الأوروبية، وقد يدفع لوصول اليسار الجذري المتمثل بالحزب الشيوعي اليوناني للحكم، وهو ما يعني من الناحية السياسية، تغيّر العلاقة والموقف من حلف الناتو ووجوده العسكري، وهو ما قد يدفع اليونان إلى التحالف مع دول البريكس، خاصة أن روسيا والصين وبعض دول أميركا اللاتينية أعلنت عن استعدادها لدعم اليونان وشعبه.

وأخيراً قدم حزب سيريزا الحاكم، مجموعة من التنازلات المتمثلة بالتقاعد وضريبة القيمة المضافة والخصخصة، وهو ما لاقى قبولاً لدى الدائنين لإعادة جدولة الدين اليوناني، لكن ابتعاد سيريزا عن وعوده وخططه أثناء الانتخابات، قد يجعل الجماهير تسحب الثقة من الحكومة، حيث بدأت هذه الجماهير تقول: إن حزب سيريزا يدعم الرأسمالية في النهاية.بقلم وليد الرجيبجريدة الراي الكويتية۱٣ يوليو / تموز ٢۰۱٥