مقال للزميل حسين بوكبر بعنوان "ماذا يريد الشباب؟"
تبدو الحالة السياسية الكويتية في السنوات القليلة الماضية للمتابع صاخبة، وتعيش حالة من الهيجان غير المستكين، وممتلئة إلى حد التخمة بالأحداث والمجريات والصراعات التي تصعد وتهبط بوتيرة متسارعة، تاركة لمن يحمل همَّ تأريخ هذه الحقبة كماً كبيراً من الوقائع والملابسات، بدأً من تكوين التحالفات وسرعة هدمها من قِبل بعض الأطراف المتصارعة، إلى المزاج الشعبي العام المتغيّر للشعب الكويتي، الذي ينتقل من وإلى الحكومة أو المعارضة، تبعا للأحداث الجارية التي تشكل لديه ردود أفعال متباينة، إلى تأجج التجاذب والصراع بين القوى الإقليمية، وتغير موازين القوى في الأحلاف الدولية، وتأثير ذلك في أطراف اللعبة السياسية في الكويت.
إلا أن دور المؤرخ الحقيقي، في ظل دوامة التفاصيل اليومية، أن يبحث عن سر الصراع، وما وراء الظواهر والفقاعات، وأن يميز بين الأزمات الحقيقية والأخرى المفتعلة، وكذلك فهم الفعل السياسي للأطراف المتصارعة حيال ما يشغل الرأي العام من قضايا، لا، بل وإدراك التكسُّب السياسي الذي يمارس على جميع المستويات تجاه قضية قد تكون مستحقة وفعلية وواقعية وغير مصطنعة، لكن مع الأسف يتم استخدامها كمطية للوصول لأهداف غير معلنة، أو تجيير أي حدث لصالح أحد الأطراف، إذا كان الحدث إنجازا أو الضرب تحت الحزام، في حال كان الحدث كارثة.
فلندع التأريخ ومناهجه وفلسفته وشروطه الموضوعية لأصحابه، ولنركز الآن على ما نحتاجه نحن، لكي ندرك اللحظة التاريخية التي نعيشها بواقعية.
ما نفتقده فعليا، هو سيادة العقلانية في الوعي الجمعي الكويتي القادرة على تمحيص الوقائع وتعرية المواقف وقراءة الحدث بطريقة منطقية كاشفة قد تفضح لنا زيف السلطة في بعض المواقف، وضياع البوصلة لدى بعض أطراف المعارضة في مواقف أخرى.
إن رسوخ هذا النمط من التفكير يكشف للشعب الكويتي أن الحراك الشعبي، بإطاره العام، ليس هو أغلبية مجلس 2012 (المبطل)، وليس معبرا عنها بحال من الأحوال، كما تحاول السلطة إقناع نفسها والآخرين بذلك، وإن كانت كتلة الأغلبية تنشط مع الحراك كجزء من الشعب الكويتي.
وهو ليس كما يصوّر من أنه محاولة لقلب نظام الحكم من قِبل جماعة الإخوان المسلمين، تيار الإخوان هو جزء بسيط من تشكيلة شبابية واسعة تضم جميع الأطياف وواضحة المعالم والأهداف التي ليس من بينها المساس بنظام الحكم المتوافق عليه شعبيا، ومحاولة السلطة اللجوء إلى الحلول الأمنية والتوسع في حملة الاعتقالات من بين صفوف شباب الحراك تحت مبررات واهية قد تكون مضحكة في كثير من الأحيان دليل على تخبطها خبط عشواء، فبماذا يمكن للسلطة أن تقنع الشعب الكويتي بالزج بأبنائهم المخلصين لأوطانهم في السجون وتجديد حبسهم بمدد متكررة؟
لن نفهم من ذلك سوى السعي الحثيث لإذلال وكسر إرادة هذا الشباب الذي شئنا أم أبينا هو من سيقود الكويت في المرحلة المقبلة، وما حدث للمعتقل سلام الرجيب - وغيره - ما هو إلا مثال على ذلك يفضح توجها خطيرا للنزعة البوليسية في إدارة البلد وضيق صدر - وقد يكون أفق - السلطة في التعاطي السياسي مع الحراك الشبابي في اللحظة الزمنية الراهنة المختلفة كليا عن فترات تاريخية سابقة.
يدرك ويعلم الحراك الشبابي أن خروج بعض أطراف المعارضة الحالية من عباءة السلطة لم يكن غرضه مبدأي أو يستهدف الإصلاح الحقيقي، إنما كان للاهتزاز مصالحهم الخاصة، وبدا ذلك من فلتات لسان بعض الرموز التي كانت في خانة المعارضة في الآونة الأخيرة. نعم، نعي ذلك، ولن ننساق لتلك الأطراف، كما أننا لسنا سذجا حتى ننساق وراء الفتن الطائفية والقبلية من قِبل السلطة، لإخفاء ما يمكن إخفاؤه، وتمرير ما تريد تمريره، ولإحكام السيطرة، أخذا بالنصيحة الاستعمارية البريطانية «فرّق تسد».
إذا الحراك الشعبي لم ولن ينخدع بالمتكسبين، وما يجب أن تدركه السلطة أن الإصلاح الحقيقي هو ما ينشده الشباب، وهو يرى بلده الغني بالثروة النفطية يعاني قصوراً في الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية، ويرى التفاوت الطبقي وسوء توزيع الثروة، وعدم محاسبة المفسدين وسراق المال العام، فضلا عن الجمود السياسي، نتيجة الخلل في النظام الديمقراطي الكويتي، في ظل وجود دستور الحد الأدنى، والذي هو بحاجة إلى تنقيح وتطوير، ليواكب تطوُّر الوعي السياسي للشعب الكويتي، وذلك باستكمال الحياة السياسية لدورتها الصحيحة، وصولا إلى النظام البرلماني الكامل والحكومة الشعبية، من إخلال إقرار حزمة من الإصلاحات، منها على سبيل المثال إقرار قانون تشكيل الأحزاب والهيئات السياسية.
هذا هو طموح الشباب الكويتي، وهذا ما يسعى وما سيصل إليه قريبا، فهل تعي السلطة السبب الحقيقي للحركات الشبابية، بعيداً عن المهاترات بين أطراف سيتجاوزها الحراك، حتى لو حاولت التكسُّب عليه، وإن أدركت ذلك، فهل ستتعامل معه بمنطق زماننا أم بمنطق عفى عليه الزمن؟
حسين بوكبر
منقول عن جريدة الطليعة تاريخ 301\2013 العدد:1980.