May 2014
12

الدولة والديمقراطية

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: آدم صابر

في الوقت الحاضر تكتسب مسألة الديمقراطية والدولة أهمية كبيرة وبالخصوص بعد محاولات التحرر التي أضحت تعرفها المجتمعات، وكونها من أكثر المفاهيم التي تعرضت للتحريف و التشويه لأغراض طبقية وتضليلية، لذا كان من الضروري إعادة توضيح هذه المسائل في محاولة للتمكن من إعطاء بوصلة للشعوب السائرة في الطريق من أجل التحرر، وجعل ثوراتها ذات معنى حتى تخرج من الدائرة المفرغة للاستبداد، فلا تحرر بوجود دولة ولا دولة بدون طبقات.لقد جاءت الدولة عند درجة معينة من تطور المجتمع، حيث كانت إفصاحا عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها، والمتمثلة في ظهور طبقات ذات مصالح اقتصادية متنافرة كنتيجة لهذا التطور، فهي حسب كتاب ومفكري الطبقة السائدة آلية تهدف إلى التوفيق بين مصالح الطبقات التي أفرزها التطور التاريخي للمجتمع وتجنب وقوع اصطدام بينها، إلا أن هذا التعريف يخفي واقع كون الدولة جهاز خاص لاستعمال العنف بصورة منتظمة لإخضاع طبقة تتعارض مصالحها مع مصالح الطبقة الحاكمة، وتتجلى مظاهر هذا العنف في فصائل الجنود المسلحين والسجون والقوانين وغير ذلك من وسائل إخضاع الآخرين.وبرأي ماركس، الدولة هي هيئة للسيادة الطبقية، هيئة لظلم طبقة من قبل طبقة أخرى، فهي ممسحة تمسح هذا الظلم بالمشروعية والقانون وتوطده، وهذا يبرز بشكل واضح وجلي عند تناول الوصف التاريخي الذي انبثق فيه هذا الجهاز - يبرز- أنه قد ظهر في لحظة انقسام المجتمع إلى طبقات، أي خلال تشكل المجتمع الطبقي الأول أو ما ينعت بمرحلة العبودية، عندما أصبح عندنا عبيد وأسياد، وانقسم المجتمع إلى جماعات من الناس يستطيع بعضها أن يتملك على الدوام عمل الآخرين، ويستثمر فيه أحد الناس الآخر، فقبل هذا الانقسام كانت توجد فقط العائلة وما تزال مظاهر هذا الأمر بادية بوضوح لدى الشعوب البدائية التي تعيش في مرحلة المشاعية البدائية، ولا يحتاج تركيبها المجتمعي إلى جهاز يخول استعمال العنف لإخضاع إحدى الطبقات لمصالح الطبقة الأخرى، وحيث تكون ملكية وسائل الإنتاج ملك للجميع، وبمعنى أدق فإن ظهور الدولة قد تزامن مع بلوغ المجتمع إلى مرحلة يقوم فيها على الاستثمار الطبقي والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج (الأرض، الأدوات، الناس – عبيد. فلاحين.عمال...-) والرغبة في شرعنة احتكار الأقلية قوة عمل الأغلبية، مما يوضح حقيقة الغرض الذي جاءت لأجله الدولة.وإذا ما تم النظر إلى مسألة نشوء الدولة من هذا المنظور أي عبر تتبع تاريخ تطور المجتمع وانقساماته يمكن الكشف عن حقيقة أنها تقسم المجتمع إلى طبقتين، طبقة محرومة من كل الحقوق ولا تمتلك سوى قوة عملها وهي الأوسع، وطبقة جعلت تمسك في يدها أدوات بيروقراطية تثبت مكانتها وأحقيتها في امتلاك كل الحقوق، ولعل أبرز هذه الأدوات البيروقراطية في الوقت الراهن نجد الديمقراطية المتطرفة.فبالعودة إلى التاريخ نرى أنه من غير الممكن أن تسود أقلية غير كبيرة من الناس على أكثريتهم الكبرى بدون القسر، والتاريخ زاخر بالانتفاضات التي كانت الطبقات المظلومة تقوم بها على الدوام لإسقاط الظلم، وبالتالي كان لابد من البحث عن أدوات للمحافظة على سيادة الطبقة وتتناسب مع المرحلة والشروط الموضوعية لها، بحيث أضحى من المستحيل استعمال السوط بمعناه الحرفي لحكم الشعوب فكان لابد من خلق سوط جديد.إن الديمقراطية المتطرفة قد نشأت بسبب الدولة ومن أجل الطبقات المسيطرة أيضا، فهي مادة للاستغلال، مادة يسهل استعمالها طبقيا للوصول إلى مآرب خاصة وأداة قمع لا شعورية للصراع الطبقي، من خلالها تتراكم سلطة السيادة في أيدي عدد ضئيل من الناس مما يجعل الأكثرية خاضعة للأقلية وتحويل أكثرية الناس إلى عبيد، فهنا لا يبقى الحكم وسن القوانين حر يتمكن منه جميع أعضاء المجتمع خلال سير الصياغة، ليسود الخضوع الإجباري، خضوع تستثمره طبقة لتحويل المجتمع لأناس لهم كل الحقوق وأناس ليس لهم أي حق.كلمة ديمقراطية هي ترجمة حرفية عن اليونانية، ويقصد بها حكم الشعب نفسه بنفسه، إلا أن الأمر الغير مترجم أو المحرف هو طريقة ممارسة الديمقراطية، أو كيف يصبح الشعب حاكما بنفسه وعلى نفسه، أما الديمقراطية التي جاءت بها الدولة فقد تمت صياغتها من زاوية نظر البرجوازية المسيطرة وكأثر تولده هذه السيطرة، فهي ديمقراطية متطرفة تحكم فيها أقلية الأكثرية وتستثمر فيها بشكل مشروع حسب ديمقراطيتهم، ومن خلال انتخاباتهم وحصر السلطة في يد طبقة لتظلم طبقة أخرى.وهكذا فعند الدعوة إلى الأممية التي تنتفي فيها الدولة، تصبح دعوة إلى مجتمع لا يحترم إرادة الشعب من منظور تحليلهم للديمقراطية، والمسخ الذي يعرفونها به، وهو تعريف مثالي لا يربط بين المعنى والواقع، يخضع فيه الشعب لإرادة غريبة عنه، إرادة الطبقة الحاكمة.على كل فإننا نحاول هنا الإجابة عن السؤال المطروح : لماذا كل محاولة لثورة الكادحين والمقهورين ضد ظالميهم، قد لا ينتج عنها إلا قيام صورة ثانية للوضع القائم سابقا ؟ لذلك أضحى من اللازم على الشعوب الثائرة تجنب الخطأ في السياسة، فلا تحرر بوجود الدولة ولا دولة دون طبقات، حيث بانتفاء الطبقات تنتفي الدولة، فغياب النتائج رهين بغياب المسببات.

__________________________

منقول عن موقع الحوار المتمدن تاريخ 04\05\2014