April 2014
24

فواز فرحان لـ«الطليعة»: مشكلات «الصحة» لن يقوى على حلها وزير أو مجلس أمة.. وتحتاج إلى قرار سياسي من السلطة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

حوار عزة عثمان: قال طبيب الأمراض الباطنية في مستشفى مبارك الكبير د.فواز فرحان إن مشكلة القطاع الصحي في الكويت عرض وليست مرضاً، وأن مشكلة وزارة الصحة تتكرر في كل مفاصل الدولة ووزاراتها، مشيراً إلى أن المشكلة الرئيسة في البلد تكمن في وجود خلل دستوري، وعدم اكتمال النظام ديمقراطياً، ووجود سلطة تستغل هذا الخلل لخدمة مشروع تقويض الهامش الديمقراطي، وإقامة دولة المشيخة، لتخدم مصالح الحلف الطبقي المسيطر من «الشيوخ والتجار».

وأشار في حوار مع «الطليعة» إلى أن أهم مشكلات القطاع الصحي تهالك المباني وعدم توافر عامل الأمان في الأبنية الجديدة، إلى جانب وجود مشكلات في التخصصات والكادر بالنسبة للأطباء.

وأضاف د.فرحان أن الأطباء طالبوا، مراراً وتكراراً، بتعديل أوضاعهم، إلا أن ديوان الخدمة كان يسكتهم بكوادر متواضعة وبدلات غير ثابتة، معتبراً أن الجمعية الطبية مختطفة من مجلس الإدارة الحالي، لأنه يرفض الإعلان عن الانتخابات، التي ينبغي أن تتم منذ أشهر، غير مبالٍ باللوائح والقوانين، وأنها باتت نموذجاً للفساد والإفساد والتبعية للمتنفذين في الدولة.

«الطليعة» تفتح ملف القطاع الصحي، من خلال حوارات مع أهل الاختصاص، للوقوف معهم على الأسباب الحقيقية لترهل هذا القطاع والبحث عن الحلول.

● ما أسباب تدني مستوى القطاع الصحي في الكويت، رغم الدعم المادي الكبير لهذا القطاع؟ ـ في البداية، علينا أن نستوعب أن مشكلة وزارة الصحة أو القطاع الصحي عموماً عرضٌ وليست مرضاً بحد ذاتها، العرض موجود في الوزارة، أما المشكلة الرئيسة، فهي في مكان آخر، وبتعبير آخر، نستطيع القول إن مشكلة وزارة الصحة مكررة في كل مفاصل ووزارات الدولة، ولكن بأشكال مختلفة، وما يجعل وزارة الصحة ومشكلتها محط الأنظار والاهتمام أنها تمس حياة الإنسان وصحته مباشرة، وأي خطأ، سواء كان كبيراً أم صغيراً، أو أي تراجع في الأداء يكون ظاهراً وواضحاً وبارزاً، وربما مضخماً جداً للجميع، ولا يحتاج إلى متخصص كي ينتبه إليه، ويبدو جلياً أن أي شخص يتعامل مع القطاع الصحي، بما يشمله من قطاع إداري ومستشفيات ومستوصفات، يستطيع أن يدرك أن هناك خللاً ما أدَّى ويؤدي إلى تدهور هذا القطاع.

خلل دستوري

● ذكرت أن العرض في وزارة الصحة، في حين أن المشكلة في كل وزارات الدولة.. هل من توضيح أكثر؟ ـ أي أن مشكلتنا الرئيسة في البلد تكمن في وجود خلل دستوري، يتمثل في الخلط بين النظامين البرلماني والرئاسي، وعدم اكتمال نظامنا ديمقراطياً، ووجود سلطة تستغل هذا الخلل لخدمة مشروع تقويض الهامش الديمقراطي وإقامة دولة المشيخة، لتخدم مصالح الحلف الطبقي المسيطر (الشيوخ والتجار)، ويترتب على ذلك عدم وجود حكومة تتم محاسبتها محاسبة شعبية حقيقية، في حال إخفاق مشاريعها، أو استشراء الفساد والإفساد في مختلف مفاصل الدولة، والتي ضمنها وزارة الصحة.

● نعلم أن جميع وزارات الدولة فيها مشكلات، ولكل وزارة مشكلاتها الخاصة بها، وفق طبيعة عملها.. ماذا عن وزارة الصحة؟ وكيف يمكن تصنيف مشكلاتها؟ ـ إذا قسَّمنا المشكلات في وزارة الصحة إلى أنواع، سنجدها تنحصر بمشكلات تخص البنى التحتية للوزارة، ومشكلات إدارية وفنية تخص الجسد أو الطاقم الطبي، وتتمثل مشكلات البنية التحتية بالعدد غير الكافي للمستشفيات والمراكز الصحية وعدد الأسرّة القليل بالنسبة لعدد السكان، مقارنة بالدول المتطورة، وكذلك التجهيزات الطبية، التي لم تصل إلى المستوى المطلوب، وتدني عدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان، مقارنة بالدول المتقدمة صحياً، وكذلك عدد الممرضين بالنسبة لعدد المرضى في المستشفيات يُعد كارثياً، حيث نجد أن أغلب شكاوى الناس في المستشفيات تتجه إلى طاقم التمريض وعدم قدرته على متابعة أو خدمة المرضى بالجودة والسرعة المطلوبين، وهذا بالتأكيد يرجع إلى قلة عدد هذا الطاقم بالدرجة الأولى وإلى مستوى الخبرة بدرجة أقل.

مبانٍ متهالكة

● وماذا عن مباني الوزارة، التي تتمثل طبعاً في المستشفيات وغيرها من المراكز، هل تراها مناسبة؟ ـ مباني وزارة الصحة متهالكة، ولا أعني فقط المباني القديمة من أيام الثمانينيات، ولكن حتى التوسعة الأميرية في مستشفى مبارك، مثلاً، والتي افتتحت قبل أربع سنوات تقريباً تهالكت أيضاً، لأن البناء نفسه جودته متدنية وبني أغلبه من «الجبسنبورد»، وفي موسم الأمطار السابق دخلت المياه إلى مكاتب الأطباء، بسبب سوء البناء، بالإضافة إلى أن التوسعة في مستشفى مبارك لا توجد فيها خطة أمان أو أبواب جاهزة ومعروفة للطوارئ، وإذا احترق المبنى لأي سبب، فسيكون ذلك كارثياً.

● وماذا عن مشكلات الجسد الطبي؟ ـ نظام التخصص المتبع حالياً غير مريح، وهناك مشكلات تمس الأطباء داخل تخصصهم تؤرقهم، وتمثل عائقاً بالنسبة إليهم، وهذه المشكلات تحديداً يتحمَّل مسؤوليتها معهد الكويت للتخصصات الطبية، فهو المسؤول عن كل الأطباء الخريجين من الكويت أو خارجها، وهو من يقوم بفرز الأطباء على التخصصات المختلفة، فعدد السنوات المبالغ به في بعض التخصصات، وعدم جودة برامج التدريب في بعضها الآخر، ومشكلات أنظمة الاختبارات.. كلها مشكلات يواجهها الأطباء، فضلاً عن صعوبة اختيار الأطباء للتخصص الذي يريدونه داخل الكويت، بسبب عدد المقاعد المحدود في بعض التخصصات، وفي الوقت نفسه محدودية المقاعد المخصصة للكويتيين في الخارج.

● ما مشكلات الكادر الطبي التي ترى أنه لابد من حل جذري وعاجل لها؟ ـ بالنسبة للكادر الطبي راتب الطبيب، فهو حتى الآن دون المستوى المطلوب، مقارنة بدول مثل قطر والإمارات، ولابد من توفير بيئة مريحة للطبيب، نسبياً، بحيث يؤدي مهمته على أكمل وجه من غير انشغال بهموم المعيشة اليومية، ويكون متفرغاً للتطوير والإبداع في مجاله، إذا قارنا الأطباء من نفس الفئة العمرية بمهندسي النفط، مثلاً، فسنجد أنهم يأخذون ما يقارب نصف راتب المهندسين.

الجمعية الطبية مختطفة

● ولماذا لم يطالب الأطباء خلال السنوات الماضية بتعديل أوضاعهم من خلال كادر خاص بهم؟ ـ طالبوا، مراراً وتكراراً، وكان ديوان الخدمة يسكتهم بكوادر متواضعة وببدلات غير ثابتة تختفي مؤقتاً في فترات الإجازات الرسمية، وستختفي كلياً بعد التقاعد، لكن تظل هذه المطالبات ضعيفة التأثير، لعدم وجود جهة معينة تمثل الأطباء تمثيلاً حقيقياً، فلا يوجد إلا الجمعية الطبية، وهي مختطفة من مجلس الإدارة الحالي، الذي يرفض الإعلان عن الانتخابات، التي ينبغي أن تتم منذ أشهر، غير مبالٍ باللوائح والقوانين، حتى النقابات الصورية في عهد الدكتاتوريات البائدة التي أسقطها الربيع العربي لم تكن تجرؤ على فعل ذلك، فيما عندنا الجمعية الطبية باتت نموذجاً للفساد والإفساد والتبعية للمتنفذين في الدولة.

● وأين دور وزارة الشؤون من تلك التجاوزات، كونها مسؤولة عن متابعة الأمور الإدارية، وخصوصا عملية الانتخاب في جميع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني؟ ـ أخيراً، تذكرت وزارة الشؤون أن توقف أرصدة الجمعية الطبية، لأنها غير مطبقة للوائح، ونحن في انتظار الخطوات العملية لإيقاف هذه المهزلة في الجمعية الطبية.

● ما أهم مشكلات التي يواجهها الممرضون ويجب حلها برأيك؟ ـ أولاها أن عدد الممرضين متدنّ في الكويت، مقارنة بعدد المرضى أو الأسرّة في المستشفيات، وهناك خلط في عمل التمريض يجب ألا يكون، لأنه يتنافى مع صحة العمل الطبي والخدمة الصحية التي تقدم للمريض، ففي الدول المتقدمة نجد أن الممرضين متخصصون بإعطاء الأدوية ومتابعة الوظائف الحيوية للمرضى فقط، فيما مساعدو الممرضين هم المسؤولون عن طعام المريض وشرابه والعناية بنظافته، ومن غير المعقول أن الذي يغيّر حفاظة المريض هو نفسه من يعطيه الإبرة في الوريد! أصلاً هذا يتناقض مع لوائح مكافحة العدوى والعناية بنظافة وتعقيم المعدات والمواد الطبية، عموماً هذه المشكلات الكبيرة لا يوجد حل جذري لها الآن، لأن النظام في مفاصل الدولة كلها يسير على نفس المنوال وبنفس عقلية الإدارة.

● لو استمر العمل والنظام بنفس الطريقة في كل مؤسسات الدولة.. هل ترى أن هناك خطورة على الوضع العام، كما يتوقع العديد من السياسيين؟ ـ الكويت ليست استثناء عن الدول التي انهار فيها النظام العام أو انهارت بها مفاصل الدولة، بسبب الإهمال وسوء الإدارة، وإذا لم تستوعب السلطة هذا الخطر وتغيّر نهجها وتسعى لإصلاحات سياسية ودستورية عميقة، فسيحدث انهيار كبير حتماً، لأن الديرة لن تسير على البركة.

قرار سياسي

● كل هذه المشكلات من المسؤول عنها ومن يستطيع حلها؟ ـ كل هذه المشكلات لن يقوى على حلها وزير أو مجلس أمة، بل تحتاج إلى قرار سياسي من السلطة، وإذا لم يأتِ هذا القرار، فبالتأكيد سيكون للإرادة الشعبية دور محوري في إحداث الإصلاح والتغيير مستقبلاً.

● الاستخدام الخاطئ لبعض الأدوية من المسؤول عنه المريض أم الطبيب؟ ـ من المفترض أن الطبيب هو من يصف الدواء للمريض وفق وضعه الصحي والمرضي، ويجب عليه أن يشرح للمريض كل الآثار الجانبية، سواء في حالة الجرعة العادية أو في حالة الجرعة الزائدة، والتي قد تكون بالخطأ، أما استخدام بعض الناس لبعض الأدوية لأهداف أخرى غير العلاج، فهذا لا يتحمله الطبيب، بل وزارة التربية ووزارة الإعلام ووزارة الداخلية ووزارة الصحة مجتمعة.

● كيف ترى مستوى الأجهزة الطبية الموجودة حاليا؟ ـ جيدة في بعض التخصصات، ومتواضعة في تخصصات أخرى.

أقوى من الوزير

● هناك كوادر قديمة جدا في وزارة الصحة لم تصبها نوبة التقاعد، بعد قانون إحالة من أتمّ ثلاثين عاماً خدمة للتقاعد.. لماذا لم يطبق هذا القانون في وزارة الصحة؟ ـ المجموعة المتحكمة في وزارة الصحة أقوى من الوزير نفسه، وبالأساس طريقة اختيار الوزراء ووكلاء الصحة ومديري المناطق لا تتم على أساس مهني وفني بحت، ولكنها تتم في إطار التوازنات السياسية والاجتماعية والترضيات، وكلها أساليب تمارسها السلطة، حتى تكسب أغلبية معينة في مجلس الأمة، وكذلك لكسب دعم شعبي لها.

● لا يزال ملف العلاج في الخارج مرهونا بالترضيات والتكسبات السياسية.. كيف يمكن حل هذه القضية من وجهة نظرك؟ ـ يمكن حلها باستقدام أطباء متخصصين من الخارج بشكل منتظم ومستمر في التخصصات المختلفة، لأننا لو حسبنا تكلفة سفر مجموعة من المرضى لإجراء جراحات معينة، مثلاً، مقارنة بتكلفة استقدام جراحين متخصصين، سنجد الفرق كبيراً جداً في التكلفة، ويوفر أموالاً طائلة على ميزانية الدولة، ومن المفروض في الوضع الحالي ألا تسافر للعلاج في الخارج إلا الحالات المستعصية التي تعجز الإمكانات الموجودة عندنا عن التعامل معها أو السيطرة عليها، ولكن للأسف يتم استغلال العلاج في الخارج للترضيات وكسب الولاءات والتنفيع.

● ما الرؤية التي يجب من خلالها إصلاح القطاع الصحي؟ ـ أعتقد بأن السلطة الحالية غير قادرة على الإصلاح، لأن الإصلاح سيأتي بعد التطور الديمقراطي في البلد.