March 2019
29

أوراق خليجية

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

قبل اسبوعين حضرت المنتدى الفكري السنوي الخامس للمنبر التقدمي في مملكة البحرين الشقيقة ، حيث كنت ضمن مشاركي الحركة التقدمية الكويتية، والتي دائماً ما يكون لها حضور بارز وفعال في هذا المنتدى. وكان عنوان المنتدى لهذا العام: "بلدان الخليج العربي - رؤى مستقبلية" ، حيث تم نقاش العديد من القضايا المستقبلية والتغييرات التي لابد أن تقوم بها هذه الدول لحقبة مابعد النفط، وهي الفترة الزمنية التي نعايشها الآن وأصبحنا نشهد مخاطرها وتحدياتها بشكل أكبر يوماً بعد يوم، فلا مفر من إجراء إصلاحات كبرى للنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الخليجية الحالية قبل فوات الأوان.

تناولت الجلسة الأولى للمنتدى الرؤية الاجتماعية والسياسية للمنطقة، وذكرت المحامية بسمة بنت مبارك الكيومي من سلطنة عمان العديد من النقاط المهمة في ورقتها، فعلى الرغم من مظاهر الحداثة في دول الخليج إلا أنه لاتوجد ديمقراطية حقيقية في معظم هذه الدول، حيث تماهت الدولة مع السلطة. والتباين الكبير –والمتعمّد- بين نسبة الوافدين إلى المواطنين وسيادة الأنظمة القبلية أدى إلى هشاشة الهوية الوطنية أمام هويات فرعية أخرى كالقبيلة أو الطائفة في أغلب هذه الدول. كذلك فإن استقرار الدولة أصبح مرتبطاً بالنفط، فأي هبوط في قيمته يهدد هذا الاستقرار. لذا فلابد من تأسيس نظام أكثر استدامة عن طريق حوار السلطات الحالية مع الشعب والتحول التدريجي إلى النظم المدنية.

وتناول الإعلامي البحريني الأستاذ غسان الشهابي الجوانب الاجتماعية للطفرة النفطية في دول الخليج، حيث كان المواطن الخليجي فرداً كادحاً ثم تحول فجأةً إلى إنسان مرفه في نظام الدول الريعية في عملية أشبه ما تكون بالانتقام من الماضي الصعب. لكن الإغداق المادي على الشعوب يجعلها هشة غير قادرة على الاعتماد على نفسها، ويؤدي إلى ضمور في النضوج النفسي للإنسان الخليجي وتعاليه على الوافدين على الرغم من عدم قدرته على الاستغناء عنهم. فنحن نملك الثروة الشرائية فحسب، لكننا نفتقر إلى القوى البحثية والذهنية. لذا فلابد من إعادة هيكلة هذه المجتمعات والسحب التدريجي للامتيازات المبالغ بها كي نحظى بالمزيد من الاستقلالية.

وفي الجلسة الثانية، فقد تناولت الرؤية الاقتصادية لمستقبل الدول الخليجية، حيث ذكر د.محمد الكويتي في ورقته رؤى واقتراحات حول كيفية التحول الخليجي من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد انتاجي، وأكد على مسؤولية المواطن، ورأى ضرورة فرض الضرائب كنوع من المساهمة في تمويل الدولة مابعد النفط، وأهمية دور المجتمع في خلق مناخ يساعد على الابتكار والابداع، والتنظيم المجتمعي عن طريق إنشاء منظمات مهنية وحقوقية وسياسية وثقافية توفق بين المصلحة العامة والخاصة. أما مسؤولية الدولة فتكمن في فرض قوانينها العادلة والمنصفة على الجميع. وذكر الدكتور محمد الصياد في ورقته أن ما حصل في الخليج كان تحولاً كاملاً للنظام الاقتصادي مابعد النفط ولم يكن إصلاحاً أو تغييراً جزئياً فحسب.

وجهات نظر متنوعة ومثرية أُتيحت لها الفرصة لأن تناقش فرص وتحديات المستقبل الخليجي وسط فسحة من الحرية والحوار المتمدن، فشكراً للمنبر التقدمي لتنظيم هذا المنتدى السنوي للمرة الخامسة على التوالي على الرغم من كثرة العوائق والصعوبات، وكل الامتنان على حسن استقباله ودفء استضافته لأشقائه الكويتيين، على أمل أن نلتقي مجدداً في العام القادم.


بقلم: دانة الراشد

٢٩ مارس ٢٠١٩