June 2020
24

سمعة العدالة vs سمعة القضاة: عبدالهادي الجميل

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

أن يحكم القاضي ببراءة مظلوم واحد أهم وأولى من إدانة 100 مذنب.
هذه المقولة هي أصدق مثال على فداحة الظلم وأثره المدمّر على نفس الإنسان وسلامة المجتمع.
لست قانونيا ولا أستطيع مجاراة المتخصصين في القانون. ولهذا أتجنب، دائما، خوض المناقشات القانونية. لكن أثار انتباهي اللغط الذي كثر، مؤخرا، حول قانون مخاصمة القضاء الذي أقرّه البرلمان قبل أيام. هذا القانون ليس إلا عنوانا فرعيا صغيرا تحت العنوان الإنساني الأعظم المتمثّل بالعدالة.
ولهذا أجد أنه من الضروري المشاركة في النقاش الدائر حول هذا القانون المهم.

أستغرب أن يعارض بعض القضاة ومعهم، للأسف، بعض المحامين، تطبيق قانون مخاصمة القضاء بذريعة أن القضاة سيشعرون بالخوف عند إعلان أحكامهم!

في رأيي أننا، كبشر عاديين، سنشعر بالطمأنينة التامة عندما نتأكد من شعور القضاة بالخوف قبل إصدار أحكامهم. بل إنني أرى أن على القاضي أن يشعر بالذعر والهلع، وليس الخوف فقط، عندما يتعلق الأمر بالحكم في قضايا تتعلق بحقوق ومظالم ومصائر البشر.
أعتقد بأن الحالة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها القاضي، حال نظره القضايا، هي الخوف المستمر…الخوف من الله أولا، ثم من ضميره ثانيا، ثم من الظلم ثالثا، ثم من المظلوم. وحينها ستشعر العدالة بالطمأنينة وسينعم الإنسان بالأمان.

وإذا افترضنا أن بعض القضاة لا يشعرون بالخوف من الله ولا من ضمائرهم، فإن قانون مخاصمة القضاء سيعمل على مدهم وتزويدهم بالإحساس اللازم بالخوف والخطر كي يتخذوا الحذر ويتوخوا العدل ويتحرّوا النزاهة قبل إصدار أحكامهم.
ومتى ما أصدر القاضي حكمه النابع من يقينه التام بالعدالة، فلا شيء في هذا العالم يستطيع تخويفه أو هز طمأنينته وشعوره الداخلي بالرضا والسلام.
هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا إذا
علم القاضي بأن الإنسان العادي الذي يمثل أمامه بكل خضوع، منتظرا حكمه العادل، يستطيع أن يوقف القاضي في نفس الموقف اذا ما أخطأ أو انحرف في حكمه.

مهنة القاضي ليست مقدسة، ولا يجب أن تكون مقدسة. وقد شاهدنا في الكويت قضايا الفساد في الجهات والمؤسسات التي تحظى بالحصانة أو الحماية من النقد أو المحاسبة مثل الجيش والتأمينات والبرلمان ونحن بالطبع لا نريد أن ينضم لها سلك القضاء.
القضاء مهنة محترمة كبقية المهن الشريفة التي يتقدّم لشغرها الناس.
لذا على المتقدمين للعمل كقضاة أن ينظروا إلى واجبات الوظيفة قبل حقوقها وإلى حساسيتها قبل مكانتها وإلى صعوبتها قبل مزاياها. وعليهم، قبل كل شيء، أن يعوا بأنهم سيتعرضون للمحاسبة إذا ما أخطأوا أو أساءوا استخدام سلطاتهم.
فإذا رأوا أنهم قادرون على القيام بواجبات الوظيفة فأهلا وسهلا وإلّا فليبحثوا عن وظيفة أخرى بعيدا عن حقوق ومصالح ومصائر البشر وحينها سينعمون بحياة آمنة ووادعة لا خوف عليهم فيها ولا هم يحزنون.

ختاما..
إذا أُقِر قانون مخاصمة القضاء، فهذا يعني أن سمعة العدالة مقدّمة على سمعة القضاة، وإذا رُفِض القانون بعد رده كما يثار، فإن سمعة القضاة ستكون أهم لدينا من سمعة العدالة.

عبدالهادي الجميل