March 2013
26

نجيب الخنيزي: جولة أوباما .. هل من جديد ؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

في مستهل رئاسته الثانية ، دشن الرئيس الأمريكي باراك أوباما جولته الحالية لمنطقة الشرق الأوسط ،بزيارة إسرائيل ،و التي تعد الأولى لها منذ انتخابه في نوفمبر عام 2008 ، كما تعد الجولة الخارجية الأولى له منذ انتخابه لولاية رئاسية ثانية والتي ستشمل إلى جانب إسرائيل ، الضفة الغربية والأردن . في إسرائيل حيث لقى ترحيبا حارا وكان في استقبال أوباما لدى وصوله مطار تل أبيب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، ورئيس الوزراء بنيامين نتناياهو، الذي وصف زيارة أوباما بأنها "تاريخية" وقد رد أوباما التحية الودية بأكثر منها حيث وصف الصلة المتينة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل، بأنها "غير قابلة للانفصام" ، ومضيفا "إن الولايات المتحدة فخورة بالوقوف إلى جانب إسرائيل، باعتبارها أقوى حلفائها، وأعظم أصدقائها " . زيارة أوباما لإسرائيل جاءت بعد يومين على تأدية الحكومة الإسرائيلية ذات الطابع اليميني المتطرف اليمين الدستورية برئاسة بنيامين نتانياهو الذي أكد على أن "الأولوية الرئيسية للحكومة هي الدفاع، وأمن الدولة ومواطنيها"، مشيرا إلى التهديدات البالغة الخطورة" الآتية من "إيران وسوريا". ومن المتوقع أن تركز محادثات أوباما مع قادة إسرائيل على برنامج إيران النووي، والصراع في سوريا، والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين . الرئيس الأمريكي استبق أي تكهنات بوجود مشروع أمريكي للسلام ، حيث أوضح بجلاء أنه لا يحمل خطة سلام لعلاج ذلك الصراع. وأنه جاء للإستماع لوجهة نظر الطرفين ، وهو ما سبق أن طرحه قبل شهر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في جولته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط بعد تعينه في منصبه . من الواضح بأن الأهتمام بالقضية الفلسطينية ، باعتبارها محور الصراع العربي / الإسرائيلي ، و قضية مركزية عربية ، قد تراجع كثيرا في ضوء ما تعيشه المنطقة العربية من أوضاع داخلية واقليمية ملتهبة ، ناهيك عن فشل المصالحة الوطنية و استمرار الإنقسام الفلسطيني / الفلسطيني . اللافت هنا هو عدم إدراج دول مهمة ورئيسية في المنطقة ، مثل مصر والسعودية والعراق والتي تعد حليفة أو صديقة للولايات المتحدة ، في هذه الجولة الرئاسية . زيارة أوباما لن تحمل أي جديد على صعيد المنطقة العربية وما حولها من جوار اقليمي، و التي تشهد توترات واحتقانات و أضطرابات طائفية، و صراعات دامية و شبه حروب اهلية ، ومرشحة للإمتداد والتوسع ، في ضوء تداخل البعدين الاقليمي والدولي ، و التي تعد بحق الأخطر في تاريخها الحديث ، حيث يتضح للعيان ملامح سايكس - بيكو 2 ، من حيث تفتيت المفتت وتقسيم المقسم ، وتذرير المذرر وفقا للهويات الطائفية والدينية والاثنية ، كما هو الحال في مصر وتونس وسوريا ولبنان والعراق واليمن والخليج . هذه الزيارة جرى تقييمها من قبل بعض المحللين، بمثابه علاقات عامة ، وزيارة سياحية ولن تكون لها أي نتائج على أرض الواقع . محددات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء ما يجري في المنطقة العربية سواء في ظل إدارة أوباما أو الإدارات الأمريكية السابقة ، تظل محكومة بعاملين أساسيين هما أولا : ضمان الولايات المتحدة لتدفق النفط ، والحفاظ على مكاسبها و نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري . ثانيا : حماية ودعم إسرائيل وسياساتها العدوانية والتوسعية ، و العمل على تثبيت أتفاقيات السلام المجحفة بحق الفلسطينيين و العرب . السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل من جديد في زيارة أوباما للمنطقة ؟ وهل هناك ملامح وعناصر جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية بوجه عام وسياستها إزاء المنطقة العربية بوجه خاص ؟لا شك في حقيقة كون الولايات المتحدة ، لا تزال القطب الأكبر في العالم ، وخصوصا من حيث قوتها ومكانتها العسكرية والسياسية ، غير أنها فقدت هيمنتها الإحادية الكونية ، في ضوء ظهور لاعبين دوليين جدد ، وخصوصا الصعود الصيني المبهر ، والعودة الروسية القوية على الصعيد الدولي ، كما أنها تغرق في أزمتها الاقتصادية الهيكلية والمزمنة ، والتي في احدى جوانبها نتاج لما عرف بالليبرالية الجديدة التي تكرست منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان . فضلا عما أحدثته تدخلاتها العسكرية الخارجية الفاشلة ، وما سمي بالحرب على الإرهاب ، كما حصل في افغانستان والعراق وباكستان وغيرها ، والتي كبدتها تريليونات الدولارات وهو ما فاقم من أزمتها الاقتصادية ، إلى جانب سقوط الاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين من جنودها ، ناهيك بما أحدثته ألتها العسكرية في البلدين من قتل ودمار وخراب ذهب ضحيته ملايين القتلى والمعاقين والمهجرين . في ظل هذه المعطيات والتبدلات في أنساق القوة والهيمنة العالمية نلحظ بعض التغييرات في المشهد الأمريكي ، ومن منطلق واقعي ( براجماتي )، حيث التركيز على القضايا الداخلية الملحة ، مثل البطالة ،والفقر ، والهجرة الأجنبية ، والضرائب ، انتشار العنف و تنظيم حيازة السلاح الفردي ، والمديونية ، والعجز المزمن في الميزانية الفيدرالية ، والميزان التجاري ، وغيرها . لقد تعهد الرئيس باراك أوباما بأن عهد الحروب الخارجية المباشرة التي شهدها العقد الماضي قد ولى ولن يعود ، وبأن عهدا جديدا قد أرسي يتسم بالقوة الأمريكية الناعمة ، دون أن يستبعد نهائيا امكانية اللجوء إلى القوة حين تتهدد المصالح الأمريكية أو الأمن القومي الأمريكي للخطر. من هنا نفهم احجام الولايات المتحدة عن التدخل العسكري المباشر لإسقاط النظام الليبي ،أو التدخل العسكري ضد إيران ، أو التسليح المباشر للمعارضة السورية ، لكن حين تتطلب المصالح الأمريكية ، تدخلا أمريكيا سيكون في الغالب ، عن طريق حلفائها وأتباعها . من الواضح بأن المجال الحيوي و مركز الثقل الاستراتيجي للولايات المتحدة سينتقل من أوربا والشرق الأوسط ، إلى حوض الباسفيكي ، و منطقتي شرق أسيا وجنوب شرق أسيا حيث التحدي الصيني المتنام بشقيه الاقتصادي والعسكري . مع أن الرئيس باراك أوباما بات في ولايته الثانية والأخيرة متحررا من الناحية النظرية من ابتزاز و سطوة اللوبي اليهودي / الصهيوني القوي الموالي لإسرائيل ، وبالتالي تجعله قادرا على التدخل الإيجابي لحل القضية الفلسطينية بشكل متوازن ، وفقا لمنظوره المعلن في خيار الدولتيين ، غير ان أولوياته تتجه نحو الداخل الأمريكي ، في ظل علاقاته القلقة والمتوترة مع الكونغرس الأمريكي ، الذي يهيمن عليه صقور الجمهوريين ( المناصرون بقوة لإسرائيل ) ، وصراعه الدائم معهم من أجل تمرير مقترحاته ومشاريعه ، لمعالجة العديد من القضايا ، وأخرها ترشيحه لتشاك هاغل السناتور السابق ( جمهوري معتدل ) وزيرا للدفاع . يمكن القول بأن زيارة باراك أوباما لإسرائيل وتصريحاته المؤيدة والداعمة لها ، هو مقايضة لتحييد أو تخفيف حدة معارضة اللوبي القوي الموالي لإسرائيل في الكونغرس الأمريكي .

نجيب الخنيري

كاتب وباحث ، وناشط سياسي وحقوقي سعودي

منقول عن موقع الحوار المتمدن.