July 2013
11

مقالين للدكتور بدر الديحاني تحت عنوان "الثورة المصرية تتجدد".

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

(1 من 2)

صندوق الاقتراع، كما ذكرنا في المقال السابق، ليس العنصر الوحيد للشرعية، فهناك عناصر أخرى لازمة للشرعية تتضمنها المبادئ الدستورية التي تتم صياغتها بناء على توافق وطني عام كي تضفي مشروعية على أعمال السلطات العامة؛ لهذا فقد أدركت البشرية بعد كوارث النازية والفاشية أن النظام الديمقراطي ليس إجراءات فقط أو "سلّماً" للوصول إلى السلطة كما تفهمه بعض التيارات المتطرفة، فهتلر وموسوليني وصلا عن طريق صناديق الاقتراع، بل هو، أي النظام الديمقراطي، قيم ومبادئ عامة أيضا تحدد آلية الحكم وقواعد العملية السياسية ومن ضمنها تداول السلطة والفصل بين السلطات والتعددية وحق الاختلاف واحترام رأي الأقلية والاعتراف بالمعارضة.من هنا فإن سلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيا مقيدة بنصوص دستورية محددة تتضمنها عادة دساتير الدول الديمقراطية المستقرة. أما بعد الثورات فيصاغ دستور جديد يكون نتيجة لعملية توافق وطني حول قواعد العملية السياسية وآلية الحكم، وهو الأمر الذي كان من المفروض أن ينجز بعد ثورة 25 يناير العظيمة في مصر التي أسقطت نظام الاستبداد واحتكار السلطة والثروة.بعد الثورة أجريت انتخابات رئاسية خاضها الإخوان بالرغم من وعدهم السابق للقوى الثورية بأنهم لن يترشحوا لرئاسة الجمهورية لكنهم نكثوا بوعدهم كما فعلوا عندما تراجعوا عن وعودهم السابقة بعدم السيطرة على أكثر من ثلث مجلس الشعب.فاز مرشح الإخوان محمد مرسي على منافسه أحمد شفيق بأغلبية بسيطة (51%)، وهذا معناه أن القوى الثورية التي لا تتفق بتاتا مع الإخوان أو "عاصري الليمون" كما يسمونهم في مصر هم الذين رجحوا كفة مرسي ومنحوه الرئاسة، ما يشير إلى وجود حالة استقطاب سياسي حاد في المجتمع تتطلب جهوداً مضاعفة من الرئيس المنتخب لتقريب وجهات النظر والآراء حول مستقبل النظام السياسي بعد الثورة. فماذا حصل؟حصل العكس تماماً، فلم يكتف الإخوان بالتراجع عن وعودهم السابقة بعدم الترشح لرئاسة الجمهورية، وعدم السيطرة على مجلس الشعب، بل قام مرسي بعد انتخابه رئيساً مباشرة بإعادة مجلس الشعب المنحل بناء على حكم المحكمة الدستورية لأن "الجماعة" يسيطرون عليه، وألغى الإعلان الدستوري المكمل الذي سبق أن أقسم على احترامه، وتخلى عن التزامه بالقضايا التي تم التوافق عليها مع القوى السياسية في اجتماع "فيرمونت".علاوة على ذلك فقد طرح مشروع الدستور للاستفتاء رغم الخلاف السياسي الحاد حوله، ثم أكمل "إنجازاته" للانفراد بالسلطة والقرار بإعلان دستوري جديد يحصن قراراته السابقة واللاحقة، ويجعلها نهائية ونافذة بحيث لا يمكن وقف تنفيذها أو إلغائها أمام أي جهة قضائية، ويمنع حل الجمعية التأسيسية والشورى!من هنا بدأت الشكوك تحوم حول شرعية ما يفعله الرئيس المنتخب، حيث إن صندوق الانتخاب فقط غير كاف لمنحه الشرعية، ولا يعطي له الحق للانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين، والقيام بأعمال غير مشروعة (أغلب قرارات مرسي ألغتها المحاكم)، وهو الأمر الذي أدى إلى تشكل جبهة معارضة واسعة تضم العديد من القوى السياسية والثورية ضد النهج غير الديمقراطي للرئيس.وزاد الطين بلة محاولة الرئيس "أخونة" أجهزة الدولة التي يفترض أن تكون مستقلة عن الحزب الحاكم مثل السلطة القضائية والأجهزة الأمنية، ناهيكم عن تدهور الوضع الاقتصادي وتردي مستوى معيشة المواطنين، حيث لم يطرح الإخوان أي رؤية اقتصادية مختلفة عما كان يطرحه نظام مبارك، فتجددت الثورة في موجتها الثانية يوم 30 يونيو... وللحديث بقية.

______________________________________________________

(2 من 2)

في المقال السابق تطرقنا للأسباب التي أدت إلى الموجة الثانية لثورة 25 يناير التي لما تحقق أهدافها بعد، والمتمثلة بعدم احتكار السلطة والثروة والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وكما شاهد العالم فقد خرج الشعب المصري يوم 30 يونيو بعشرات الملايين الذين امتلأت بهم الساحات والميادين العامة والشوارع على طول البلاد وعرضها، وكانت مطالبهم محددة، وهي تنحي الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن بلغ الخلاف السياسي الحاد مداه، وفشل الرئيس المنتخب فشلاً ذريعاً في الوصول إلى توافق وطني حول آلية الحكم بعد الثورة، ولم يكن هناك من مخرج سوى العودة إلى صاحب الأمر ليقرر وهو الشعب مصدر السلطات جميعاً.وفي هذا السياق يقول د. محمد حبيب النائب الأول السابق لجماعة الإخوان المسلمين "إذا كان الشعب هو صاحب الشرعية، وإذا كانت هذه الحشود قد اجتمعت حول معنى واحد هو "ارحل"، فقد صار لزامًا على كل مؤسسات الدولة أن تنصاع لطلبها. لقد سبق للدكتور مرسي أن تعهد أمام الجماهير بأنه سينزل على إرادتها حال ثورتها عليه، لذا كان عليه أن يفى بتعهده، ويستجيب لنداء الرحيل، لكنه للأسف لم يفعل" (مقال الفرص الضائعة- صحيفة المصري اليوم(7-7-2013 ).نعم للأسف أنه لم يفعل بل أصر بشكل عجيب على التمسك بالسلطة واختصار الشرعية بذاته، ولم يعر اهتماماً يذكر للإرادة الشعبية التي تطالب برحيله. ليس ذلك فحسب بل أخذ هو وجماعته "الإخوان المسلمين" يلوحون باستخدام العنف ضد كل من يطالب بتنحي الرئيس، وكانت صيحاتهم في "رابعة العدوية" لا تخلو من الدعوة إلى استخدام القوة والعنف اللفظي وخطاب الكراهية ضد الشعب، بعد أن وصفوا معارضيهم "بالكفار والنصارى والعلمانيين واليساريين والليبراليين والملحدين"، فأعلنوا عليهم "الجهاد والاستشهاد"!أما الصراع السياسي حسب فهمهم فهو عبارة عن حرب بين "الإسلام" الذي يمثله مرسي و"الكفر" الذي يمثله كل من يعارضه "لهذا أعلنوا" نصرة الإسلام "أي نصرة مرسي"، فهل هذا سيؤسس لآلية حكم دولة مدنية ديمقراطية فعلاً؟ وأي شرعية ستبقي للرئيس المنتخب بعد ذلك؟حصل كل ذلك بالرغم من أنه قد سبق للجيش أن أعلن أنه سيمدد الأسبوع الذي حدده من قبل لمدة يومين إضافيين كي تتمكن الرئاسة والقوى السياسية من إيجاد حل توافقي للأزمة السياسية المحتدمة، وإلا فإن الجيش سيقوم بفرض "خارطة طريق للمستقبل". وبالرغم من معارضتنا لتدخل الجيش أي جيش في العملية السياسية لأن وجود العسكر مضر بالعملية الديمقراطية، لكن كي نكون واقعيين فإننا عندما نتحدث عن المؤسسة العسكرية في مصر فإننا نتحدث عن "قوة" قائمة بذاتها يحسب حسابها في مجريات الأحداث الداخلية، حيث إن لها ممتلكاتها ولها "مصالحها"؛ لذا أجبرت حسني مبارك على التنحي أثناء ثورة 25 يناير، ثم استلمت السلطة بالكامل فأصبح وزير الدفاع آنذاك المشير طنطاوي هو رئيس المجلس العسكري الحاكم، أي رئيس الجمهورية، وحينها لم يتحدث أحد عن الانقلاب العسكري سواء من القوى السياسية بالداخل بما فيهم الإخوان (نستثني هنا بعض القوى الثورية التي أعلنت معارضتها للعسكر ورفعت شعار "يسقط يسقط حكم العسكر" لكن لم يستمع لها أحد)، أو في الخارج فالقوى الإقليمية والخارجية بما في ذلك أميركا وصفت الثورة حينذاك بأنها ثورة مبهرة. نعم لم يعترض أحد من القوى السياسية الرئيسية سواء على استلام العسكر للسلطة أو على سوء أدائهم السياسي أثناء الفترة الانتقالية الأولى، بل كان الإخوان أثنائها أقرب القوى السياسية للمؤسسة العسكرية، وطالبوا عدة مرات بعدم التعرض لها ودافعوا عنها بالرغم من استخدام الجيش للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين في "العباسية وماسبيرو وشارع محمد محمود" وغيرها! فماذا تغير الآن يا ترى؟! الثورة هي الثورة بل إن عدد الذين خرجوا يوم 30 يونيو ضد الرئيس المعزول أكثر ممن خرجوا يوم 25 يناير ضد المخلوع مبارك، كما أن المؤسسة العسكرية هي ذاتها لكنها هذه المرة لم تحتكر السلطة كما في الموجة الأولى من الثورة، بل سلمتها للقوى الثورية التي اعتبرتها بمنزلة استجابة لمطالب الثورة؛ لهذا خرج الشعب المصري بكل فئاته وأديانه وطوائفه بالملايين عدة مرات احتفالا بالمناسبة.على أي حال فقد تجددت الثورة المصرية العظيمة بشكل أبهر العالم قاطبة، ولن تستطع أي قوة بعد اليوم مهما كانت سواء فلول نظام مبارك أو العسكر أو بعض القوى الإقليمية والدولية أن تجهض الثورة... صحيح أن أمام الثورة كي تنجح بالكامل تحديات في غاية الصعوبة ولكن كما قال الشابي:إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

د. بدر الديحاني

منقول عن جريدة الجريدة تاريخ 8 و 10 يوليو 2013