June 2013
3

مقال للزميل د.فواز فرحان تحت عنوان "الدجاجة تموت وعينها في السبوس!"

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بقلم: د. فواز فرحان*

تعيش البلاد في هذه الأيام حالة من الترقب لحكم المحكمة الدستورية الذي سيصدر في يوم ١٦ حزيران/ يونيو الجاري بخصوص الفصل في دستورية مرسوم قانون (الصوت الواحد) من عدمه، الذي سيحدد بعد ذلك مسار الأحداث السياسية في الفترة القادمة.. فالسيناريوهات المنتظرة من هذا الحكم قد نحصرها في: إبطال مرسوم الصوت الواحد (لتجري الانتخابات وفق القانون السابق أو ربما ليعود مجلس ٢٠٠٩ ذو السبع أرواح)، أو تثبيت المرسوم بقانون ليظل الوضع على ما هو عليه، أو تثبيت المرسوم بقانون مع إبطال انتخابات المجلس الحالي بسبب خلل إجرائي ما، لتنفتح سيناريوهات عديدة عن مراسيم ضرورة بقوانين أخرى لتعديل قانون الانتخابات بما يتناسب ومشروع السلطة.. فبين منتظرٍ لنسف هذا المرسوم بقانون وبين آملٍ بتثبيته تكاد تكون كل مشاكل بلدنا انحصرت بين أروقة المحكمة الدستورية وكأنها ستنتهي بمجرد صدور حكمها، أو هذا ما يتوهمه كثيرون!

لكي نضع النقاط على الحروف لابد لنا من تشخيص مشكلتنا الرئيسية في الكويت وبالتالي سنستطيع قراءة الواقع بشكل أفضل وربما أسلم لنا ولمستقبلنا، مشكلتنا الرئيسية هي وجود سلطة لا تؤمن بالديمقراطية وتسعى بكل ما تملك من وسائل وأساليب لعرقلة التطور الديمقراطي في البلد؛ بل تسعى لتقويض الهامش الديمقراطي المتاح في نطاق (دستور الحد الأدنى)، هذا هو مشروع السلطة وهذه هي المشكلة، وكل ما نراه من تفاصيل سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى سواء كانت كبيرة أو صغيرة فهي ليست إلا مظاهر وأعراضاً لهذه المشكلة تحديداً، فمرسوم تغيير قانون الانتخابات لخفض حق الناخب باختيار مرشح واحد فقط ليس إلا أحد وسائل وأساليب السلطة لخدمة مشروعها سالف الذكر، وصدور حكم المحكمة الدستورية بدستوريته أو عدمها ليس إلا تعاملاً مع أحد وسائل وأساليب السلطة لنسف الديمقراطية ولن يكون حلاً جذرياً لنهج السلطة المتسبب بمشكلتنا الرئيسية، وبالتالي فإنه من السذاجة والسطحية الشديدتين اختزال كل أزمتنا بمعركة قضائية قصيرة في أحد أروقة المحكمة الدستورية!

هذا في الكويت، أما إذا أردنا بأن نتحدث بشكل أشمل فإننا من المفترض أن نعرف بأنّ المعارك السياسية -عالمياً- لا يتم خوضها في ساحات المحاكم وأروقة الإدارات القانونية ولا بشروط القوانين المحددة والصارمة والدقيقة والتي وُضعت أصلاً في ظل ظروف تاريخية معينة وتوازن قوى محدد ولخدمة طبقة مسيطرة معروفة، فالسياسي الذي يستسلم لشروط الطبقة والقوى المسيطرة وقواعدها في إدارة اللعبة سيتحول تدريجياً من غير أن يعلم (أو ربما يعلم) إلى أحد وسائل هذه الطبقة أو القوى في إحكام السيطرة على المجتمع، فهو سيثبّت مصالح هذه الطبقة أو القوى من خلال تأكيده على شروطها والتزامه بقواعدها ليتحول بعد ذلك إلى مجرد نسخة مرقمّة من ضمن جحافل النسخ السياسية التي تأتي وتذهب من غير إحداث أي تغيير يذكر في مصلحة بلدانها وشعوبها.

ولا أغالي عندما أقول إنّ أشدّ المهتمين بحكم المحكمة الدستورية هم أكثرهم اختزالاً للحياة السياسية في صندوق الاقتراع، ولنكن كذلك واضحين -وربما قاسين- مع هؤلاء لنعترف لهم بأننا نعلم بأنهم لا يملكون تصوراً لأي مشروع نهضوي شامل للبلد لأن منطلقهم في تشخيص الوضع غير واضح وغير دقيق، وبالتالي ربما يشخّصون مشكلتنا في الكويت بشيء لا علاقة له لا بمكاننا ولا بزماننا، حيث تحوّل هؤلاء -ونخص منهم من لامس جسده الكرسي الأخضر سابقاً- إلى مجرد مكائن انتخابية انحصر اهتمامها بتجميع جداول الناخبين وتوزيع هذه الأسماء على المندوبين والسكرتارية ليتحركوا عليهم بكل الوسائل الحالية المشوّهة (الطائفية والقبلية والمناطقية والفئوية) وليتم بعد ذلك خوض غمار معركة ساحة المدرسة في يوم الاقتراع! غير آبهين لا بمستقبل بلد ولا بواقع يتفسّخ يومياً بسبب ثقل حمل الفساد على ظهره، السلطة تعمل يومياً بكل ما تملك لتقويض الهامش الديمقراطي الذي يمارس بسببه هؤلاء هوايتهم الانتخابية، أي أنها تقوم يومياً بتعجيل هدم دولة المؤسسات المنتظر اكتمالها لتقوم على أنقاضها الدولة العشائرية التي ستبتلعهم هم وصناديق الاقتراع التي يعشقونها، لا يهتمون لمستقبل قد يكون حالكاً كلون البشوت السوداء لينطبق عليهم المثل الكويتي القديم: (الدجاجة تموت وعينها في السّبوس)!

________________

*عضو التيار التقدمي الكويتي.