October 2023
3

مقابلة مجلة الهدف الفلسطينية ذات التوجه اليساري لعدد شهر أكتوبر ٢٠٢٣ مع الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أسامة العبدالرحيم: العدو الصهيوني عاجزاً عن إيجاد حاضنة شعبية فلسطينياً وعربياً

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

حاوره: د. وسام الفقعاوي رئيس تحرير مجلة الهدف ونشر الحوار في شهر أكتوبر 2023 بالعدد 54 من مجلة الهدف الإلكترونية

المحور الأول: اتّفاق أوسلو ومسار نهج التسوية والتطبيع وتصاعد المقاومة

بعد ثلاثين سنةً على توقيع اتفاقيّة أوسلو وما ترتّب عليه من اتفاقاتٍ سياسيّةٍ واقتصاديّةٍ وأمنيّة، برأيك أين وصلنا اليوم فلسطينيًّا وعربيًّا؟

أستذكر ما قاله المناضل الوطني والأممي الراحل جورج حبش في حوارٍ عن التجربة النضاليّة الفلسطينيّة: إنّ مأساة أُوسلو لا تعود إلى حدثٍ بعينه، بل يمكن القول: إنّها حصيلة الهزائم المتراكمة عربيًّا وفلسطينيًّا... ولا يقصد بالهزائم فقط الانهزام العسكري أمام الاحتلال، بل أيضًا (وهو الأهم) عناصرها الذاتيّة، أي الداخليّة؛ بمعنى عجزنا عن تركيم الانتصار وتأمين مُقدماته السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وعجزنا عن إطلاق فاعلية المجتمع العربي في كل الدول، وإبقاؤه تحت رحمة الاستلاب وقمع الأنظمة البوليسيّة. فكيف يمكن تصوّر أن ينجح شعب في الانتصار على عدوٍّ مُتقدّم يملك أسباب القوّة، كالعدو الصهيوني، ما دام ذلك الشعب لا يعرف معنى حرّيته الداخلية، وتسود فيه الغيبية والجهل والانغلاق على الذات؟

هنا تكمن مرجعية هزيمة أوسلو وغيرها من الهزائم العربية الفلسطينية.

اليوم، وبعد ثلاثين سنة على توقيع أوسلو، يمكن القول: إنّنا في مرحلة تمكّن فيها الاحتلال الصهيوني من تحويل مُعظم الأنظمة العربية إلى أنظمةٍ وظيفيّةٍ من خلال الاتفاقات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، وبذلك تعمقّت التبعية وزاد القمع والاستغلال والفقر واشتدّ الشقاق في ظلّ التجزيء الذي استمرّ تقسيمه وما زالت محاولات التقسيم متواصلة أكثر فأكثر، وما تعرّضت له المنطقة خلال ثلاثين سنة من نهب وتدمير وتهجير وحروب أهلية وتصاعد العنصرية والطائفية... ولكنه حتّى اللحظة، يقف العدو الصهيوني عاجزًا عن إيجاد حاضنةٍ شعبيةٍ فلسطينيًّا وعربيًّا تؤمّن له مسار تصفية القضية وتفتيت الأُمّة وإخضاعها.

قبل توقيع اتفاق أوسلو لم يكن العدو يحظى باعتراف أكثر من 60 دولة، في حين من سنة 1993 وحتى اللحظة؛ اعترف به أكثر من 155 دولة، هل تعتقد أن العدو الصهيوني حقق شرعيته المدعاة، كما أهدافه من بوابة إعلان اتفاق "سلام" مع القيادة الرسميّة الفلسطينيّة، باسم الشعب الفلسطيني؟

بغض النظر عن الاعتراف الذي جرى في الكيان الصهيوني، فإنّ طبيعته كيانًا عنصريًّا توسعيًّا عدوانيًّا، وباعتباره قاعدةً استعماريّة تُمثّل مصالح الإمبريالية في المنطقة لا تجعل منه دولة شأنها شأن أي دولة عاديّة أخرى... وبلا شك، فإنّ ما يُسمّى باتفاق السلام مع القيادة الفلسطينيّة في ١٩٩٣ كان مُهمًّا لدى المجتمع الدولي لتبرير الاعتراف بالكيان الصهيوني، لكنّه لم يكُن العامل الوحيد... وفي سياق التفسير لا التبرير، هناك عاملان موضوعيّان متزامنان كانا وراء هذه الشرعية الدولية المزعومة؛

العامل الأول: تراجع دعم الشرعية الفلسطينية على الصعيد الدولي بعد سلسلة الأحداث التي أدّت إلى تنقّل مُنظّمة التحرير بين دولٍ عربيّةٍ عدّة بعد النكسة في ١٩٦٧، وانتقال المُنظّمة من مصر إلى الأردن؛ وأحداث أيلول الأسود؛ وانتقال قوّات المقاومة والمُنظّمة إلى لبنان في ١٩٧١، الذي تلته أحداث الحرب الأهليّة اللبنانيّة، ثمّ الانتقال إلى تونس في ١٩٨٢، بالإضافة إلى تداعيات غزو الكويت في ١٩٩٠/١٩٩١، وهذا ما أدّى بشكلٍ أو بآخر إلى عزل مُنظّمة التحرير عن مُحيطها العربي، ما أضعف الشرعية الفلسطينية أمام المجتمع الدولي.

أما العامل الآخر: فتمثّل في اتّساع دائرة علاقات الكيان الصهيوني على المستوى الدولي بعد توقيع مُعاهدة الاستسلام الساداتيّة بين مصر والاحتلال الصهيوني في 78 - ١٩٧٩ عقب اتفاقية كامب ديفيد، وتداعيات انهيار دول المنظومة الاشتراكية في وسط أوروبا وشرقها وتفكيك الاتحاد السوفييتي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وانتهاء التعددية القطبية في العالم؛ الأمر الذي أدّى لتفرّد المُعسكر الإمبريالي الغربي مُتمثّلًا بالولايات المتّحدة قوّةً عُظمى مُهيمنةً على القرار العالمي، وباعتباره داعمًا رئيسيًّا للكيان الصهيوني.

وأيًّا كان الأمر، فهذا كيانٌ غاصبٌ واستعماريٌّ استيطانيٌّ وعنصريٌّ وعدوانيٌّ وتوسّعيٌّ وليس دولةً كما هي حال بقية الدول، ومهما حاز من اعترافات، فإنّها لا يمكن أن تكسبه الشرعيّة.

من النتائج المحقّقة، لنهج التسوية الأمريكي – الصهيوني، بدءًا من اتفاقية كامب ديفيد، ومن ثم اتفاق أوسلو، وصولًا لاتفاقات أبراهام.. ألا ترى أنّنا وصلنا لنقطةٍ تتطلّب مواجهةً قوميّةً جماعيّة، إلى جانب المواجهة القطريّة؟ وبرأيك ما هو الدور المطلوب من القوى التي ما زالت تعدّ نفسها جزءًا أصيلًا من حركة التحرّر العربيّة، مثل الحركة التقدميّة الكويتيّة وغيرها على الصعيد العربي؟

كما ذكرنا سابقًا، فإنّ طبيعة الكيان الصهيوني عنصرية استعمارية استيطانية عدوانية توسّعية، ولن يتخلّى هذا الكيان عن أهدافه لمُجرّد توقيعه هذه الاتفاقيات، التي يعيد من خلالها ترتيب أوراقه وتمكينه، فهذا الكيان ما زال يتوسّع بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم واحتلال أراضيهم؛ وما زال يحتلّ الجولان العربي السوري ويعتدي على سوريا لسنوات بالقصف الجوّي، ويتجاوز على أجواء لبنان باختراق سمائه لاستهداف سوريا، وما زال يتوغّل في مزارع شبعا في الجنوب اللبناني؛ الأمر الذي يتطلّب منّا نحن قوى تحرّر وطني عربي على اختلاف منطلقاتنا القيام بمسؤولياتنا المُتمثّلة بمُواجهة قومية جماعية للهيمنة الإمبريالية وللمشروع الصهيوني كل من موقعه وبالوسائل كافة، وعدم الاكتفاء بردود الأفعال على الاعتداءات الصهيونية أو مُناهضة التطبيع فقط، بل المطلوب تبني مشروع تحرري وطني شامل للفكاك من التبعية للإمبريالية، ولإنجاز مهمات التحرر الوطني والديمقراطي والاجتماعي، وبحيث تكون القضية الفلسطينية قضية مركزية في هذا المشروع التحرري، وأن يتضمن بالضرورة التحرير الكامل لفلسطين مُوحّدة وعاصمتها  ، والعمل على تحقيق ذلك على الأرض.

استندتم في الحركة التقدمية الكويتية، إلى موقف واضح في رفض نهج التسوية والتطبيع، انطلاقًا من موقفكم الجذري من الوجود الصهيوني في قلب الوطن العربي، وتعدون فلسطين قضيّة وطنية وقومية في آن، ومثلت دولة الكويت موقفًا متقدّمًا على هذا الصعيد، كانت واضحة في تصريحات ومواقف برلمانية ورسمية، هل الكويت الشقيقة ثابتة على ذات الموقف، خاصة وأن الحديث عن اقتراب توقيع اتفاق إسرائيلي – سعودي، كثر في الآونة الأخيرة ويلوح في الأفق ولوج دول أخرى في هذه الاتفاقات الخيانية؟

نحن في الحركة التقدمية الكويتية نتبنى النهج الوطني التحرري الديمقراطي الاجتماعي المناهض للإمبريالية والصهيونية والرجعية من منطلق تمثيل مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية والمهمشة في الكويت جزءًا لا يتجزأ من القوى التحررية في أمتنا العربية التي تخوض صراعًا مستمرًّا مع وجود الاحتلال الصهيوني الذراع الاستعماري للإمبريالية العالمية في منطقتنا، وعلى ذلك نحن نؤمن بأن فلسطين قضية وطنية حاضرة في كل قضايانا، وفي هذا السياق يأتي موقفنا المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهذا ما نعبّر عنه في وثائقنا البرنامجية وبياناتنا وخلال مشاركتنا في مختلف الفعاليات التضامنية محليًّا وخارجيًّا مع المقاومة والصمود الفلسطيني، كما حدث على سبيل المثال في المهرجان العالمي للشباب والطلبة الذي نظّمه اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي في عام ٢٠١٧ بمدينة سوتشي الروسية عندما شاركنا وفدًا من الشابات والشباب التقدمي الكويتي، وأسهمنا في طرد وفد الكيان الصهيوني ورفع العلم الفلسطيني ضمن الأعلام المواجهة لمبنى المؤتمر، كما لا يغيب تضامن شعبنا الكويتي مع الشعب الفلسطيني عن اعتصامات "ساحة الإرادة" في الكويت بمواجهة أي اعتداء أو استفزاز صهيوني، وكل هذه المواقف الشعبية على اختلاف مُنطلقاتها السياسية والفكرية والعقائدية تُشكّل بدورها ضغطًا دائمًا ينعكس على الحكومة والبرلمان في الكويت لعدم الانجرار وراء التطبيع، كما نسعى دائمًا لحث الشعب العربي في الخليج على اتخاذ موقف رافض للتطبيع... وبعيدًا عن أية أوهام، فنحن نعوّل على الموقف الشعبي، ونعي في المقابل بأن مصالح الطبقات الحاكمة وضمنها البرجوازية التابعة مرتبطة بشكل أو بآخر بالمراكز الإمبريالية، وهي تخضع للضغوط والمساومات، ما لم تكن هناك معارضة شعبية جدية.

مؤخرًا وفي سياق رفضه للتطبيع والخيانة، بعد لقاء وزيرة خارجية ليبيا مع وزير خارجية العدو الصهيوني؛ خرج الشعب العربي الليبي إلى الشوارع، مما أخاف الحكومة الليبية وجعلها تتخذ إجراءات ضد الوزيرة وصولًا "لهروبها" من ليبيا، ألا يضعنا هذا الخروج والموقف الشعبي، على أرضية؛ أهمية الجماهير الشعبية في حسم مسألة التطبيع وأنظمته؟ وعليه، تُرى على عاتق من تقع مسؤولية الفجوة بين الجماهير وأحزابها التقدمية، وانعكاس ذلك على قضيتهم الفلسطينية المركزية؟

سبق لرئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو أن صرّح بأن العائق الأكبر أمام عملية التطبيع هو الشعوب العربية التي تقف "عقبة" أمام مشاريع الكيان؛ وليس الأنظمة.. وهذا أمر لا يُمكن لأحد إنكاره... وبطبيعة الحال لا يُمكن لأي حزب العمل بمعزل عن إرادة الجماهير، فالجماهير الشعبية هي مركز القوّة التي يستند إليها أي حزب تحرري وطني أو ديمقراطي أو تقدمي عربي لمُواجهة الأنظمة العميلة ومشاريع التطبيع.. لكن العلاقة هنا جدلية، فالجماهير، هي الأخرى، في حاجة لمن يُعبّر عن مصالحها بشكل مُنظّم؛ ويُحلّل تناقضات الواقع الموضوعي في أي مجتمع ويقود النضال من أجل التغيير... ودور الأحزاب التقدمية هنا أن تُقدّم الآليات الصحيحة في برامجها لتعبئة الجماهير ومقاومة الهيمنة الإمبريالية والاحتلال ومواجهة التطبيع، كما تقع عليها مسؤولية مُشاركة الجماهير في مطالبها، لتُعلّمها وتتعلّم منها من خلال الانخراط بالنضال معها وبينها وبالنشاط السياسي والجماهيري والتعبوي والتثقيفي والفعاليات التوعوية ولإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة دائمًا على رأس جدول أعمال المُناضلين.

هل من أفقٍ واضحٍ لتشكيل الجبهة العربية لمواجهة التطبيع والتصفية؟ وهل قطعتم أشواطًا ملموسة على طريق تحقيقها، وفي السياق ذاته، كيف تنظر لدور المثقفين والأكاديميين والمؤسسات الوطنية والمجتمعية في كل بلد عربي في مواجهة التغول الصهيوني فيها؟

لا يجب أن يكون الطموح تشكيل جبهة لمواجهة التطبيع والتصفية، بل الطموح والواجب هو تشكيل جبهة مقاومة عربية تحرّرية تقدمية تحمل مشروعًا شاملًا لا للمقاومة فحسب، بل للكفاح نحو تحرير الأرض والإنسان... وأمام الواقع الصعب والمعقد والمتناقض والمأزوم الذي تعيشه قوى اليسار وحركات التحرّر الوطني لا بدّ من أن تقوم قوى اليسار الثوري الجذرية مُنفردة وبأشكال جماعية بإجراء مُراجعات تحليلية نقدية جريئة لواقعنا في بُلداننا وأوجه الخلل والقصور والفشل، وذلك للعمل على تجاوز الواقع الراهن، وتأهيل أنفسنا للمُشاركة الفاعلة في حركة التغيير، وصولًا إلى بناء حركة مقاومة يسارية قومية تحرّرية، ومرتبطة بالجماهير، وتمتلك مشروعًا وطنيًّا ديمقراطيًّا اجتماعيًّا بديلًا، بحيث تكون قوى اليسار الثوري مكوّنًا أساسيًّا وليس هامشيًّا من حركةٍ تحرريّة وطنيّة عربيّة جديدة تواجه مشاريع الهيمنة الإمبريالية والاحتلال والتطبيع ومؤامرات تصفية القضة الفلسطينية، وتستكمل مهام التحرّر الوطني، وتُحقّق الثورة الوطنية الديمقراطية بأفق اشتراكي، وهذا من خلال محاور النضال الآتية:

1- تفكيك وكسر علاقات التبعية وصولًا إلى تصفيتها.

2- تفكيك أنظمة الاستبداد والتبعية والتخلف والفساد عبر انتزاع مكاسب ديمقراطية وصولًا إلى إقامة أنظمة حكم وطنية ديمقراطية عادلة اجتماعيًّا.

3- صيانة الاستقلال السياسي، والنضال من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي.

4- الدفع نحو اختيار طريق التنمية المستقلة للقضاء على علاقات التخلف والتبعية وبناء اقتصادات منتجة، وعلاقات اقتصادية متكافئة مع الخارج من خلال توثيق علاقات التبادل مع الدول الصاعدة والمتحررة.

5- رفض الكيان الصهيوني وليس فقط رفض التطبيع معه، والمُشاركة في المقاومة ودعمها والتعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها قضية كل قوى حركة التحرر العربية.

6- التوصّل إلى أشكال من التضامن والوحدة الكفاحية بين قوى التحرّر والقوى الشعبية العربية، ووضع أُسس لتعاون واتحاد بين البلدان العربية المُتحرّرة على أسس ديمقراطية وبعيدًا عن الضمّ والإلحاق.

وهذا ما نسعى لتحقيقه عبر تأسيس علاقاتنا وتضامننا وتعاوننا مع قوى التحرر الوطني والمقاومة على هذه القواعد الوطنية والقومية للدفع بإنجاز الاستحقاقات والمتطلبات لتشكيل الجبهة المعنية بتمثيل شعوبنا في هذه المعركة الوجوديّة، وهذا ما نهيئ أنفسنا له دائمًا، وغير ذلك يعني ليس فقط المراوحة في الوضع المأزوم، وإنما المزيد من التدهور والتقهقر والانغلاق والهامشية، فيما هناك واقع موضوعي وعملية تاريخية تتشكّلان وتنتظران دورًا للقوى الثورية.

كيف تقرأ؛ تصاعد المقاومة الفلسطينية بوسائلها وتشكيلاتها كافةً، رغم كل المخططات والإجراءات التي تستهدفها، من قبل العدو الصهيوني والسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وفي أي سياق تضعها؟ وهل من كلمة توجهها للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة؟

نحن نؤمن بأن المقاومة هي عمل تراكمي، والكفاح المُسلّح هو الطريق الرئيسي للتحرير، ورأينا هذا بوضوح خلال الاشتباكات التي حدثت خلال هذا العام، فالاحتلال لم يدّخر وسيلة لاستهداف فصائل المقاومة مما أدخله في حالة من الارتباك وزاد من حجم الشقاق الداخلي في بنية الاحتلال، ففي معركة ثأر الأحرار على سبيل المثال كلما استشهد قائد من المقاومة استلم البندقية قائدٌ آخر وزادت عزيمة المقاومة إصرارًا على الثأر، بالمُقابل كانت حالات الهجرة العكسية للمُحتلّين بارتفاع ناهيك عن امتلاء الملاجئ تحت قصف صواريخ المقاومة.

ومن جانب آخر تطوّر القُدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية بفصائلها أصبح ملحوظًا في التصدّي لمُحاولات الاقتحام الصهيونيّة ورأينا ذلك عندما سطّرت كتيبة جنين ملحمة في الصمود تراجع على أثرها الاحتلال. أيضًا تجدر بنا الإشارة لتراكم الوعي المقاوم اليوم لدى جيل شاب مُؤمن بضرورة توحيد صفوف فصائل المقاومة في سبيل التحرير رغم محاولات السلطة وأجهزتها الأمنيّة في كشف معلومات المقاومين للاحتلال وإثارة الفتنة بينها كما رأينا ما حدث مع كتيبة عرين الأسود، في صورةٍ لا يمكن وصفها بأقل من الخيانة، ما يثبت فشل المُحتلّ وأعوانه في تحقيق أهم أهداف اتفاقية أوسلو وهي نشوء جيل ينسى القضية ولا يعرف القتال، ولا ننسى طبعًا عملية نفق الحُرّية التي عبّرت عن مدى صلابة شعبنا الفلسطيني وإصراره على الخلاص من القيود وعلى نيل الحرية.

ولعلّ أفضل رسالة نوجهها من موقعنا لفصائل المقاومة هي كلمات المناضل الثوري جورج حبش: "إسرائيل ليست أقوى من أمريكا، وشعب فلسطين ليس أضعف من شعب فيتنام".

المحور الثاني: الاتفاق السعودي والإيراني والتداخلات الإقليميّة عربيًّا والصراع على النظام الدولي

جرى مؤخّرًا توقيع اتفاق إيراني – سعودي برعايةٍ صينيّة، كيف تنظرون لهذا الاتفاق؟ وهل يمثّل نقلةً نوعيّةً في موقع السعودية ودورها؟ وهل سيبرد الصراع الإقليمي في المنطقة؟ أم قد يستغله العدو الصهيوني في شن حرب على إيران؟

في الحركة التقدمية الكويتية أعلنا ترحيبنا بالاتفاق الذي أُعلن عنه في البيان الثُلاثي المشترك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية الصين الشعبية؛ إذ نراه خطوة تدفع تجاه الانفراج لصالح شعوب المنطقة. وانطلاقًا من توجهنا الداعي إلى وضع قواعد نظام دولي جديد يقوم على مبادئ الاحترام المُتبادل بين الدول والتضامن بين الشعوب، ووقف الحروب وحل الخلافات بالحوار وفق مبدأ تحقيق المصلحة المُشتركة للشعوب، وما تم التوصّل إليه من اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح السفارات وتأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، والتعاون بين البلدين.

ونتطلّع إلى أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إنجاز خطوات ملموسة نحو معالجة الملفات الإقليمية الشائكة وفق مصالح شعوب المنطقة، بما يقطع الطريق على التآمر الإمبريالي والصهيوني الذي طالما سعى لتأجيج التوتر في منطقتنا وإثارة الفتن الطائفية والعرقية وإشغال شعوبنا وبُلداننا في معارك طاحنة ومدمرة، لا تُفيد إلا عدوّنا الجاثم على أرضنا.

في ضوء الأزمات التي ما تزال قائمة في الواقع العربي، وتداخلاتها الإقليمية، وأبرزها؛ الدوران الإيراني والتركي، في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، فهل تُقدر في ضوء قراءتكم للواقع العربي، بأن نظرية التحدي والاستجابة تنطبق عليه في بلورة علاقاته، مع هذه الدول الفاعلة، بمعنى ضرورة إخضاع هذه العلاقات للتواصل والمجابهة في آن، ارتباطًا بأهداف ومخططات وممارسة كل دور منهما؟

الواقع العربي تحكمه أوضاع يمكن تلخيصها في العناوين الآتية:

1- تكرس علاقات التبعية في معظم بلداننا العربية عبر هيمنة البنى المسيطرة في المراكز الإمبريالية وتبعية البنى الرأسمالية الكمبرادورية في بلدان الأطراف ذات التكوين الريعي والدور الوظيفي المتخلف في إطار التقسيم الدولي الرأسمالي للعمل الموجه لخدمة متطلبات تجديد الانتاج في المراكز، وتعزز هذا الواقع أنظمة سياسية تابعة بحكم ارتباطاتها ومصالحها الطبقية، بالإضافة إلى سياسات وممارسات التحكّم الإمبريالي بالاقتصاد والسياسة والأمن والثقافة في بلداننا، وما يمثله الكيان الصهيوني العنصري العدواني من تحديات وضغوط بوصفه القاعدة المتقدمة للسيطرة الإمبريالية في المنطقة.

2- اشتداد الهجمة الإمبريالية الصهيونية على شعوبنا وبلداننا منذ ٢٠٠١.

3- انسداد أفق التنمية والتقدم في ظل علاقات التبعية؛ وسطوة الأنظمة التابعة؛ وتخلف البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

4- اتساع أشكال النهب المنظم لمقدرات البلدان العربية ولمواردها الوطنية وثرواتها الطبيعية.

5- العجز الفاضح عن بناء الدولة الوطنية المستقلة.

6- الأزمة الاقتصادية والمعيشية العميقة، وضعف الإنتاجية وانتشار البطالة.

7- استشراء العصبيات واشتعال النزاعات والحروب الداخلية في عدد من بلداننا العربية.

8- فشل الهبّات والانتفاضات الشعبية العربية وضياع فرصة بلورة حراك ثوري حقيقي جراء غياب القيادة الثورية واختراقات قوى الثورة المضادة والتدخلات الإمبريالية والرجعية.

9- فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتوسيعه ليتجاوز الاعتراف بدولة الاحتلال والعلاقات الدبلوماسية معها، بحيث يتم إجبار شعوبنا ومجتمعاتنا على التطبيع، ومحاولة دمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية، والتحالف معه.

ومما لا شك فيه أن التدخلات الخارجية من دول الإقليم كان لها تأثير فاعل في الأزمات التي واجهتها وما زالت تواجهها بعض الدول العربية، أسهم هذا الدور بتغيير قواعد الصراع في المنطقة بأكثر من موقع، وبعيدًا عن الحديث حول الموقف تجاه هذه التدخلات، فإنّ المصالح المشتركة بين دول الاقليم تتطلب رؤية واضحة وعملًا جادًّا من هذه الدول لنبذ الخلافات وتوحيد الأهداف وتحديد موقعها من الصراع انطلاقًا من تحديد التناقض الرئيسي المُتمثّل بالإمبريالية وذراعها الصهيوني المزروع في المنطقة، في ضوء الالتزام بمبدأ سيادة الدول وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية الخاصّة واحترام إرادة الشعوب ومصالحها.

إن الأزمة التي يعانيها النظام العالمي القائم، نظام القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، الذي نراه يتقهقر بسبب اشتداد أزمته العامة ومقاومة الشعوب وكفاح حركات التحرّر وصمود الدول الوطنية والقومية بالوقت الذي تتصاعد فيه أقطاب كروسيا الاتحادية والصين الشعبية تتشكّل فُرصةً تاريخيّةً جدّيةً لنشوء نظامٍ عالمي جديد يسهم بفكّ ارتباط الدول بالمركز الإمبريالي وتحرير الشعوب وإيقاف النهب والبدء بعملية التنمية المتمحورة حول الإنسان.

ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها، تعمل في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية كافة... حفاظًا لهيمنتها على النظام الدولي، واستمرار أحاديتها القطبية: هل ترون أن هناك تحولات حقيقية على بنية النظام الدولي، من خلال الدورين الصيني والروسي الصاعدين؟ وإن كان الأمر كذلك، برأيك، هل ستنعكس هذه التحولات، إيجابًا على القضايا العربية العديدة، ومنها القضية الفلسطينية؟

مضى أكثر من ثلاثة عقود على تفكك الاتحاد السوفييتي، هيمن خلالها القطب الأميركي على العالم مُسبّبًا أزمات عالمية، نتج عن هذه الأزمات حروب وكوارث إنسانية وأزمات سياسية واقتصادية أخلّت بموازين القوى العالمية لتحقيق مصالح الإمبريالية الغربية وتوابعها وأدواتها الوظيفية، كل ذلك لم يوقف سيرورة التاريخ بانحدار النظام الرأسمالي العالمي وتأزّمه، الذي نراه اليوم في حالة مُتخبّطة.

ونلحظ في الوقت الراهن مجموعة من التطورات التي جرت على المستوى العالمي، وهي في الوقت الذي يمكن القول فيه إنها تمثّل تحديات؛ فإنها تشكّل فرصًا وتفتح آفاقًا أمام قوى التحرر الوطني… وأبرزها:

1- تفاقم أزمة الرأسمالية، التي لم تعد، كما كانت، مجرد تكرار للأزمة الدورية للرواج والكساد.

2- حالة التضعضع والتراجع النسبيين للقوى الإمبريالية المهيمنة، وبدء تبدل موازين القوى جراء أفول عهد القطب الواحد وبروز ظاهرة الدول الصاعدة وملامح لنظام عالمي متعدد الأقطاب.

3- اشتداد الميل في الاندفاع نحو الحروب.

4- ما كشفته جائحة كورونا من مستويات صارخة للظلم الاجتماعي.

5- مأزق "الديمقراطية البرجوازية" جراء العزوف الواسع لغالبية المواطنين في بلدان المراكز الإمبريالية عن المشاركة في الانتخابات، الذي يكاد أن يبلغ مستوى المقاطعة.

ويمكن أن نرى في الصعود الروسي والصيني الذي نشهده اليوم فُرصة لتشكيل نظام عالمي جديد قائم على تعدد الأقطاب كما ذكرنا سابقًا مما يتيح الفُرصة لتلتقط قوى الشعوب التحررية المُبادرة بالتحرّك وتشكيل تحالفات، وفرض مُعادلات تكون أرضية لثورات تحرّرية تُحقّق تطلّعات الشعوب بالاستقلال واستغلال الثروات لتنمية بُلدان العالم المنهوبة والمُتخلّفة، هذه التناقضات بين الأقطاب المتعددة تخلق مساحة أكبر لحركات المقاومة وقوى التحرّر الوطني لإضعاف الكيان الصهيوني من جهة، وللبدء بعملية بناء وفق مشروع تحرّري قومي اشتراكي.

لكن هذه المعطيات والتطورات أو التحديات أو الفرص تتطلب بالأساس أن تكون قوى التحرّر الوطني والمقاومة في وضع قادر على التعامل معها والتقاط اللحظات التاريخية فيها.

ارتباطًا بالتحولات الاقتصادية العالمية، والعقوبات الأمريكية والغربية ونتائجها على اقتصادات الدول، وارتفاع نسب التضخم، مع أزمة البنوك الأمريكية والغربية وانهيار بعضها، "وتعفن" النظام الرأسمالي ونموذجه النيوليبرالي – إذا جاز التعبير - فإن نسب الفقراء والبطالة والعوز والحاجة ستزداد باضطراد، مقابل تمركز الثروة في أيدي مراكز/أشخاص، تقل باستمرار، بما سيؤجج الصراعات الطبقية – الاجتماعية والسياسية على مستوى العالم ككل، بأشكال عدة، فكيف يمكن أن تقوم قوى اليسار الجذري، عربيًّا وأمميًّا، بدورها المطلوب في مواجهة السياسات الأمريكيّة – الغربيّة الإمبرياليّة، والاصطفاف جنبًا إلى جانب بالشعوب في معركتها المصيرية؟

لطالما كان النظام الرأسمالي في المراكز يُعيد تشكيل ذاته لا بمعالجة أزماته جذريًّا بل بتأجيلها لوقت آخر لتعود بصورة أكبر نسبيًّا، فهو يعالج نظامه الداخلي "مُؤقّتًا" بخلق أزماتٍ أخرى، وكلّما تأجّلت الأزمة لوقتٍ أطول ازدادت تعقيداتها وحدتها وتقل مع ذلك قُدرته على التعامل معها، ليعمل بذلك على تدمير نظامه ذاتيًّا. أحد الأمثلة على صحّة ذلك ما يحدث في أزمة انهيار البنوك الأمريكية، وآخرها بنك وادي السيليكون "سيليكون فالي" وما ترتّب عليه من ارتفاع معدّلات التضخّم، ولمعالجة أزمة التضخم تلجأ الحكومة لرفع معدّل الفائدة الذي بدوره يسبب أزمة جديدة للبنوك فتضخ الحكومة الأموال لمُساعدتها فيتسبب ذلك بزيادة التضخم أكثر!

أزمات كهذه تفضح تعفن النظام الرأسمالي الأمريكي ولا تقف عند ذلك بل تلقي بظلالها على كل الدول المُرتبطة اقتصاديًّا بهذا النموذج النيوليبرالي، لتتّسع بذلك دائرة المُتضرّرين من الطبقات العاملة ويزدادون فقرًا بينما يزداد الأثرياء ثراءً، فتناقص الثروة في قطب يعني تراكمها في قطب آخر.

وباتساع الفارق الطبقي بين من يملكون ومن لا يملكون يتصاعد اليمين المتطرف كما يحدث في أمريكا وأوروبا، وكذلك في الكيان الصهيوني - القاعدة المُتقدّمة للمركز الإمبريالي - على سبيل المثال لا الحصر خالقًا بذلك صراعًا طبقيًّا بإفرازات مُتنوعة، العرقية منها والدينية والسياسية…إلـخ.

بهذا الصدد، دورنا نحن قوى تقدمية ينطلق من تمثيل مصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية، وأن ندفع بمُراكمة الصراع وتنظيمه دائمًا نحو فكّ الارتباط بالمراكز الرأسمالية، والعمل على وقف التبعية من خلال مواجهة السياسات النيوليبرالية المفروضة على شعوبنا عبر الأنظمة الوظيفية في وطننا العربي، وتبنّي سياسات اقتصادية تضمن عدم احتكار الثروات الوطنية بأيدي القلة المُسيطرة وتنويع مصادر الدخل بما يحقق توزيعًا عادلًا للثروة بهدف تحسين مستوى المعيشة.

المحور الثالث: أزمة الكيان الصهيوني ومستقبله

في ضوء أزمة الكيان الصهيوني على خلفية ما يسمى "الإصلاحات القضائيّة"، كيف تقرأوها؟ وهل تعدونها أزمة عارضة يستطيع النظام الديمقراطي الصهيوني استيعابها ومعالجتها أو تكييفها بما لا يضر ببنية النظام ودوره؟ أم هي أحد أطوار التحولات البنيوية التي يشهدها "المجتمع" الصهيوني واستمرار تصاعد اليمينية والفاشية في صفوفه، التي هي بمثابة الكاشف الأكبر لطبيعة المشروع الاستعماري – الاستيطاني – الإحلالي – الإبادي وجوهره، التي سترتد في نتائجها على الداخل الصهيوني، خاصة أن "شبح" قتل إسحاق رابين (موقّع اتفاق أوسلو إلى جانب ياسر عرفات ) يحضر في المشهد الصهيوني؟

تطرّقنا سابقًا إلى الحديث عن تصاعد قوى اليمين المُتطرّف مع تصاعد أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وما يحدث في الكيان الصهيوني جزء من هذا الأمر، فمنذ يناير يسعى نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني ورئيس حزب الليكود اليميني المُتّهم بقضايا فساد وخيانة أمانة إلى تقويض الجهاز القضائي والمحكمة العُليا بغرض إلغاء مُحاكمته، وذلك عبر ما يسمى بـ"مشروع الإصلاحات القضائية" التي يقودها وزير العدل الصهيوني؛ الأمر الذي يصفه معارضو الخطّة بعملية تغيير تركيبة القضاء وصلاحياته لتصب في مصلحة نتنياهو وحكومته على حساب مصالح إسرائيل - كما يصفون، بل وصفت أيضًا على أنها انقلاب سياسي يهدف لتغيير جوهر النظام في الكيان الصهيوني.

قد يبدو المشهد هناك أنه خلاف سياسي فقط حتى نصل إلى ما يُسمّى بـ"قانون فقرة التغلب" الذي ذهب به نتنياهو لسحب صلاحيات المحكمة العُليا عبر تقييدها فيما يتعلق بإلغاء قوانين الكنيست أو قرارات الحكومة أو أوامر صادرة من المؤسسة الأمنية والعسكرية، من خلال تصويت أغلبية عادية على قرارات المحكمة في الكنيست، أي بمعنى آخر الانفراد بالقرار السياسي والاقتصادي والعسكري داخل الحزب الحاكم، ما يُظهر بصورة واضحة أزمة التحوّل البنيوي التي يشهدها المجتمع الصهيوني، هذه الأزمة هي النقيض لعوامل القوة التي استند عليها الاحتلال في نشأته.

تمظهرات هذه الأزمة البنيوية بشكلٍ واضحٍ في الاشتباكات بين المُعارضين والمؤيدين أثناء المُظاهرات على خلفية هذا المشروع، كما أسهمت "إضرابات النقابات والأحزاب السياسية المُعارضة وإقالة وزير الحرب الصهيوني السابق غالانت وتهديدات أكثر من 1100 جندي احتياط من بينهم طيارون، بوقف الخدمة التطوعية "بتشكيل حالة انقسام يصعب إخفاؤها، مُشابهة نوعًا ما لحالة اغتيال "اسحاق رابين".

يتجه العدو الصهيوني في أهدافه وإجراءاته القائمة على الأرض الفلسطينية كما المعلنة، نحو ما يسميه بعض أقطاب حكومته، وأبرزهم "سموتريتش"؛ مشروع "حسم الصراع"، هل تعد أن العدو وصل إلى نقطة متقدمة في إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية، من طرفه بالمطلق؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقع على عاتق قوى حركة التحرر العربية من مسؤولية؟

إن تصاعد وحشية الاحتلال الصهيوني تتناسب طرديًّا مع أزماته الداخلية، فمشروع "حسم الصراع" كما يُسمّيه أعضاء حكومة نتنياهو ومُمارساتهم الوحشية على الأرض الفلسطينية حتى اللحظة ومنذ بداية هذا العام، التي تزامنت مع انكشاف الأزمة البنيوية في مجتمع الاحتلال ما هي إلا إعلان عن عدم قُدرة حكومة نتنياهو على مواجهة هذه الأزمة، الخيار الذي يتمسّك به اليمين المُتطرّف حاليًّا لاستمرار سيطرته على الصعيدين؛ الداخلي للتفرد بالقرار والحكومة، والخارجي في مُحاولة تصفية حركة المقاومة المُتصاعدة التي أعربت عن تمسّكها بالقضية الفلسطينية بخلاف أجهزة التنسيق الأمني.

نحن على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ عالميًّا وعربيًّا تُلقي بظلالها على القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من أن كل الاحتمالات مفتوحة إلا أن القراءة التفصيلية للمشهد الصهيوني وانعكاس المُتغيرات العالمية عليه لا تُنبئ بوصول الاحتلال لنقطة مُتقدمة في تصفية القضية بل على العكس، شهدنا تقدّمًا ملحوظًا في بناء الهيكل العسكري والتنظيمي لحركات المقاومة وتنسيق يتبلور ويتطور في الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، وأصبحت المقاومة تمتلك القدرة على الاستيراد والتطوير الذاتي للأسلحة، وكذلك صعود نجم فصائل مقاومة شبابية، ككتيبة عرين الأسود.

والمسؤولية الآن تقع على بقيّة حركات التحرر الوطني بدعم المقاومة الفلسطينية وتعزيز صمودها بتوحيد الجهود والصفوف خلفها، وعلى صعيد مُتّصل فإن الاستمرار بالضغط على الحكومات العربية لاتخاذ موقفٍ عربي موحّد تجاه القضية الفلسطينية للوصول إلى دعمٍ عربي جماعي مادي وملموس للمقاومة حتى دحر الاحتلال وتصفية كيانه.

هل ترون بأنّ النضال ضد الوجود الصهيوني في بلادنا العربية وفي القلب منها الأرض الفلسطينية، بوجود "إسرائيل" المادي والمؤسساتي، يمكن أن ينفصل عن النضال ضد القوى الاستعمارية والإمبريالية الأمريكية الغربية؟ وعليه، برأيك ما هي أهمية تكامل العملية النضالية؛ فلسطينيًّا وعربيًّا وأمميًّا في ضوء بنية وطبيعة النظام الدولي القائم أو المحتمل من تغييرٍ نحو عالم متعدد الأقطاب؟

رغم إيماننا بأن الكفاح المُسلّح والاستنزاف المُتواصل للعدو هو الطريق الأساسي للتحرير، لكننا "قد لا نحتاج إلى معركة حاسمة مع إسرائيل"، فإسرائيل هي القاعدة المُتقدمة للإمبريالية في الوطن العربي، وعلى أثر التغيرات العالمية وبوادر تشكيل نظام عالمي جديد مُتعدّد الأقطاب تتراجع فيه هيمنة القوى الإمبريالية الداعمة للكيان الصهيوني، نعم يُمكن للذراع الاستعماري في الوطن العربي أن يضعف بإضعاف المركز، بعبارة أخرى إضعاف المركز بالضرورة سيؤدّي إلى إضعاف الأطراف المدعومة من قبله، ومن مشهد التآكل الداخلي لمُجتمع الاحتلال على خلفية تصاعد أزماته، تتوفّر الإمكانية لاستحداث آليات جديدة لحسم المعركة دون الحاجة لمواجهة عسكرية فاصلة في إطار مشروع تحرّري مُتكامل فلسطينيًّا وعربيًّا وأمميًّا.

سؤالنا الأخير: هل من مستقبل لما يسمى "بدولة إسرائيل"؟

هذا السؤال يرتبط بمسارين لا ثالث لهما... إما أن يكون هناك مستقبل لما يُسمى بدولة إسرائيل كيانًا عنصريًّا توسعيًّا استعماريًّا استيطانيًّا يقوم بدورٍ وظيفي في خدمة الإمبريالية، أو أن يكون هناك مستقبل تحرري وطني لوطننا العربي الذي تشكّل فلسطين كاملة جزءًا منه، ونحن حتمًا نتمسك بالمسار الثاني، ولدينا يقين تام بأننا سننجز تحرّرنا الوطني.. ننتصر أو ننتصر.

اقرأ العدد 54 من المجلة

موقع مجلة الهدف